جوار العراق وايران تاريخ من الدم والنار
وانا اسير في احد شوارع بغداد لفت انتباهي وجود صورة لقائد الثورة الايرانية الخميني, فرجعت بي الذاكرة الى صور كنا نشاهدها على شاشات التلفاز للجنود العراقيين وهم يرشقون صورة الخميني برصاصات بعد تحرير الاراضي العراقية في الحرب بين الجارتين اللدودتين.
وحدهم العراقيون دون باقي اشقائهم العرب يمتلكون في ذاكرتهم خزينا ثرا عن جارتهم الشرقية, فلم يعرف العرب شيئا عن ايران الا انها خاضت حربا مع عراق صدام لثمان سنوات انقسمت فيها الدول العربية بين الطرفين, بعدها غابت ايران عن الذاكرة العربية سوى بكلمات خجولة يختتم بها مؤتمر القمة العربية يطالب طهران بالانسحاب من الجزر الاماراتية الثلاث.
وحتى بعد الاحتلال الامريكي للعراق وسقوط البلد رهينة بيد الولي الفقيه, ظل العرب بعيدون عن المشهد تماما وسلموا الامر ليُحل بين الخصمين: امريكا وايران, ليسقط العراق حضارة وتاريخا وعقيدة وثروة بيد المشروع الايراني, الذي يجري اعادة تاهيله امريكيا لشق بلاد المسلمين الممتدة من جكارتا شرقا الى الدار البيضاء غربا.
وما ان اندلعت الثورة السورية حتى دخلت ايران بقوة لمساندة حليفها بشار سياسيا وعسكريا, وبسقوط قناع حزب الله اللبناني, فطن العرب الى الموت القادم من الشرق, وجاء الانقلاب الحوثي في اليمن ليكتمل المشهد.
رافق هذا كله صراحة ايرانية غير مسبوقة وصلت الى اعلان علي يونسي مستشار الرئيس الإيراني حسن روحاني ورئيس المخابرات في عهد الرئيس الاسبق محمد خاتمي، بان “إيران اليوم أصبحت إمبراطورية كما كانت عبر التاريخ وعاصمتها بغداد حالياً” وذلك في إشارة إلى إعادة الإمبراطورية الفارسية الساسانية قبل الإسلام التي احتلت العراق وجعلت المدائن عاصمة لها, تبعتها تصريحات لأمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني علي شمخاني قال فيها إن إيران باتت الآن على ضفاف المتوسط وباب المندب
الرد العراقي على التصريح الاول جاء ضعيفا لا يرقى الى مستوى وقاحته, وهنا لنا ان نتسائل, لو ان اي دولة اخرى في العالم صدر منها هذا التصريح, كيف سيكون الرد؟
اما التبرير الايراني الذي جاء على لسان رئيس البرلمان علي لايجاني فكان بشكل يثير الضحك, لاريجاني قال ان خطأ في الترجمة هو ما سبب سوء الفهم لتصريحات يونسي, ولا ادري كم من التصريحات الايرانية يمكن ان تفسرعلى انها اخطاء او اراء شخصية ؟ وهل تصريح الجنرال فيروز أبادي الذي أكد التمسك بتبعية الخليج لإيران يمكن ان يصنف ايضا في هذا الاتجاه ؟.
ولاشك فان اخطاء الترجمة الايرانية تذكرنا بفضيحة القمة الاسلامية في طهران عندما حرف المترجم كلمة الرئيس المصري السابق محمد مرسي بطريقة تدعو الى الاشمئزاز. والاهم ان تبرير لاريجاني يؤكد مسالة توزيع الادوار في السياسية الايرانية بين “الحمائم والصقور”.
الاحداث المتسارعة التي شهدتها التي المنطقة من دور ايراني متصاعد, وما رافقه من تقارب مع امريكا واوربا بات ملاحظا من خلال تقريب الهوة فيما يتعلق بالملف النووي, واطلاق واشنطن يد طهران لتعبث بالمنطقة كيفما شاءت, كل ذلك دفع وزير الخارجية السعودي سعود الفيصل الى التاكيد لنظيره الامريكي جون كيري أن إيران تستولي على العراق، وأن “أمن الخليج يبدأ بالحيلولة دون حصول إيران على النووي”.
من المعروف ان ايران بدأت تقدم نفسها بطريقة مغايرة بعد انتخاب حسن روحاني رئيسا خلفا لاحمدي نجاد, فالدهاء الايراني بتغيير الوجوه في الوقت المناسب اخذت تؤتي لكلها لكسر العزلة السياسية، تمهيدا لفك الحصار الاقتصادي الخانق، وبما قد يؤدي في نهاية المطاف إلى الإعتراف بدور إيران كقوة اقليمية عظمى في الشرق الأوسط.
التقارب الامريكي الايراني هذا اثار دهشة صحيفة الغارديان البريطانية التي اشارت إلى ان إيران لا تزال تطلق على الولايات المتحدة لقب “الشيطان الأكبر” لكن وقائع الحرب على تنظيم الدولة جمعت بين القوتين بطرق غير مسبوقة, فالعلاقات الدبلوماسية مقطوعة بين البلدين منذ ثورة الخميني عام 1979، ولم يتم استئنافها رسميًّا، رغم أن اللقاءات الرسمية عالية المستوى أضحت روتينا.
في واشنطن يتجنب المسؤولون الأمريكيون الحديث عن تحول في العلاقات العدائية بين البلدين، وتذكر الغارديان أن التقارب بدى واضحًا في آب الماضي ، عندما قامت الطائرات الأمريكية بتقديم غطاء جوي لدعم قوات الحرس الثوري الإيراني، التي كانت تحاصر ناحية امرلي، وفي الوقت الذي تقوم إيران اليوم بمساعدة الحكومة العراقية على حماية خطوط القتال، ووقف تقدم المسلحين، فيما يقوم المستشارون الأمريكيون بتدريب القوات العراقية, وفي ذات الوقت يصرح الامريكيون بقلقهم من تنامي النفوذ الايراني في العراق.
والسؤال الذي يبدو ملحا هنا هو كيف ستتعامل الدول العربية, والخليجية على وجه الخصوص مع هذه الألعاب الإقليمية والتقارب الأمريكي- الإيراني؟ وكيف يمكن للولايات المتحدة ان تطمئن حلفائها العرب, وهل ستؤثر المفاوضات النووية في رسم خارطة التحالفات, وتغيير مصير الشرق الأوسط.