إن الحرب العالمية الثالثة كانت قد بدأت منذ هزيمة السوفييت في أفغانستان على يد حلفاء أمريكا، و سقوط جدار برلين في ثمانينات القرن المنصرم، و كانت تتصاعد بِ التدريج وفق التغيرات التي كانت تطرأ على بنية حلف وارسو. كانت أمريكا تعطي الإيعاز لِ دول الناتو لِ القيام بِ الأدوار الموكلة لِ كل واحدة منها و على الجبهة المخصصة لها، و باتت الحرب أكثر وضوحا و علانية بعد انهيار الاتحاد السوفييتي و دخول روسيا الاتحادية غرفة الإنعاش جرّاء الصدمة المزلزلة، ومن ذاك التارخ راحت أمريكا تدير الحرب العالمية منفردة و تضرب تحت السرة ( تحت الحزام )، حيث قامت بِ تفكيك يوغسلافيا و إنشاء دويلة مسلمة في البوسنة تحت أنظار روسيا السلافية، و ضربت طوقا عسكريا و استخباراتيا حول روسيا و الدول الدائرة في فلكها حتى اعتقدت بِ أنّ القطب الذي كان أيام الحرب الباردة قد انهار إلى غير رجعة، و ما كان من الباحثين و المفكرين العاملين في مراكز البحوث العلمية و الاستراتيجية إلاّ أنْ اعتبروا بِ أنّ التاريخ قد انتهى و ما على الولايات المتحدة الأمريكية إلاّ الانتقال إلى الحرب على الخطر الأخضر، و حسب نظرية المؤامرة التي تسوقها الأمة الإسلامية و إعلامها المنتشر في العالم و بِ اللغات الحية، و التي مفادها بِ أنّ أمريكا هي التي افتعلت حادثة 11/ سبتمبر/2001 لِ الحصول على الذريعة الداعمة لها في الهجوم على الإسلام و ذلك تحت شعار محاربة الإرهاب. بدأت الانعطافة الكبرى، و بدأ قصف مواقع حلفاء الأمس في أفغانستان و هزيمة الطالبان و اشتعال أوّار نيران الحرب الضروس بينها و بين القاعدة التي فرّخَت تنظيمات جهادية و أيقظت الخلايا النائمة في أوروبا و أسيا و أفريقيا و كانت التفجيرات الإرهابية في محطة مترو الأنفاق في باريس و محطة القطارات في مدريد و حافلات نقل الركاب المدنيين في لندن، و مدرسة الأطفال في موسكو، و تفجير المطاعم و البارات و المتاحف و الساحات العامة في الفليبين و أندونيسيا و استراليا . لقد تعرّضت أوروبا و أفريقا و آسيا إلى موجة عنيفة من الإرهاب قامت بها منظمات إسلامية جهادية مدعومة من اللوبي الإسلامي العالمي. في 2003 اجتاحت الولايات المتحدة دولة العراق، أيضا تحت أنظار روسيا التي كانت تتماثل لِ الشفاء و تستعد لِ الخروج من غرفة الإنعاش، في هذه الأثناء كانت أمريكا قد بدأت مرحلة جديدة من الحرب، و التي تمثّلت في لعبة الدومينو، أو الفوضى الخلاّقة و ذلك لِ الوصول إلى مرحلة متقدّمة في الحرب العالمية هذه، و هي شرق أوسط جديد، و هذه المرحلة لن تنجح ما لم تباركها الدول العربية، أو بِ صراحة و وضوح أكثر، أن تباركها مكة و من ورائها اللوبي الإسلامي العالمي، إلى هنا كانت قد تدحرجت ثلاث أحجار على طاولة الدومينو بِ تأثير الشعارات السحرية التي تمّت دراستها و التدرّب عليها في مختبرات الناتو، و كانت روسيا قد ألقت الزجاجة الأخيرة من دوائها في سلّة المهملات، و قبل وصول اللاعب إلى مشارف دمشق، كانت روسيا قد نجحت في بروفا أبخازيا و
التشيتشان، لكن لماذا لم تأخذ أمريكا تجليات روسيا هذه على محمل الجد؟ ربما لأن حلف الناتو و على رأسه أمريكا لم يتحرروا من غطرستهم و ثقتهم المفرطة بِ تفوّقهم على كل العالم و في كل المجالات، و ربما أيضا لأنهم لا زالوا أسرى تقيمهم النمطي لِ روسيا اليوم، أو أنهم يدركون حقيقة قوة روسيا و يدركون أيضا بِ أنّ الحرب لن تصل إلى أهدافها ما لم تدخلها روسيا، و ربّما لِ الاتفاق على التوزيع العادل لِ الغنائم بينهم؟ّ!! تبقى تلك التساؤلات مجرّد تكهنات، أمّا على الأرض و في الواقع، فَ المسألة ربما تكون غير ذلك، فَ في الواقع الدولة الروسية تختلف بنيويا و ثقافيا و تاريخيا عن الدولة الأمريكية، فَ روسيا هي أمة و وطن، و شعبها ينتمي إلى عرق و قوم منذ آلاف السنين، و هم يتفاعلون (حربا و سلما) مع الآخرين على هذا الأساس. روسيا لم تنشأ من غزو مقاتلين قدموا من اسبانيا، أو اليابان، أو الصين، أو السعودية و ذبحوا السكان الأصليين، روسيا لديها حضارة و ثقافة و تراث و فولكلور، فَ الشعب الروسي حين يدافع عن بلاده و مصالحه، إنما يدافع عن تاريخه، تراثه، ثقافته، أي أنه يدافع عن أحلامه و خيالاته و روحه. بينما أمريكا ليست سوى فندق لِ الشعوب المتواجدة فيها، إنها بدون تاريخ و بدون ثقافة و فولكلور. إن ثقافتها و فنها و فولكلورها ارتجالي، أمّا الفنون الراقية فَ هي أوروبية أصلا. أمريكا هي مجموعة تروستات و شركات فوق وطنية و احتكارات عابرة لِ الحدود، هي دولة عصابات، أو مافيات تدير اللعبة بِ كل قساوة و وحشية لكن بِ قفازات من حرير. هذه هي ميزة هؤلاء العباقرة زعماء المافيات التي تدير سياسة أمريكا. لماذا لا تنكفئ عند حدودها مثل كل دول العالم؟ لماذا الشرق الأوسط الجديد، و هل حقيقة هي داعمة لِ الديمقراطية و حقوق الإنسان، و هل ما تفعله في هذه البلدان هو من أجل الحرية و الديمقراطية؟ أنا شخصيا أشكّ في ذلك، لأن معظم حلفاءها في هذا الشرق العجوز، أو كلهم، هم دول ذات أنظمة وراثية شمولية ديكتاتورية، فَ كيف يستوي الأمر؟؟!! و لذلك، فَ أنا أتهم أمريكا بِ التحريض على إشعال النار في بلدي سوريا. هل كنا بحاجة لِ دوائرها المشبوهة لِ أن تقول لنا بِ أنّ نظام بشار الأسد هو استبدادي و ديكتاتوري، ثمّ ألم تكن هي و حلفاءها الفرنسيين و الانكليز هم الذين نصّبوه رئيسا علينا، ألم يكونوا هم الذين يلمّعون صورة الديكتاتور و يتغاضون عن الديمقراطية و حقوق الأنسان في سوريا؟ نحن بعض الشعب السوري الذي لم نكن مع أي ديكتاتور و لن نكون مع أيّ نظام مقبل ما لم يعتمد مبادئ شرعة حقوق الإنسان، و على رأسها فصل الدين عن الدولة، و حرية العقيدة و حرية الإنسان في اختيار و تغيير دينه. لم نكن مع هذا الديكتاتور أيضا، نحن الذين كنا نعمل بِ شرف و إخلاص، و كنا ضد الفساد و الفاسدين من رؤوس النظام، و كنا ضد القمع و الاعتقالات التعسفية، كنا مع حرية الرأي و ضد قانون الطوارئ، كنا نكتب و نرفع الصوت ضد الفساد و الأحكام العرفية، كان لنا أهل و أصدقاء في المعتقلات، و كان لي صديق شخصي قضى أكثر 12 سنة من زهرة شبابه في جحيم سجن تدمر، كنا نتعرض لِ القمع و الاستدعاءات إلى الفروع الأمنية و محاربتنا بِ لقمة أولادنا، و نفينا إلى محافظات بعيدة من خلال النقل التعسفي بِ سبب مواقفنا و
نشاطاتنا ضد النظام القمعي، لكن لم يكن في مخيلتنا البتة فكرة الثورة، و اليوم و بعد هذا الدمار الرهيب و القتل المريع و الإرهاب المقيت. نسألكم. هل درستم موضوع ثورتكم من كل جوانبها؟ هل كنتم تتوقعون هذا الدمار و البؤس الذي لحق بِ الشعب السوري؟ هل كنتم تعلمون بِ أنّ ثورتكم سوف تطول كل هذه المدة من الزمن؟ ثمّ هل كنتم تعرفون سيناريو الحرب العالمية هذه على بلادنا؟ و أخيرا نسألكم. مَن سَ نقاضي نحن هذا البعض الذي كنا ضد الديكتاتور؟، النظام متهم و معه الحلف الإيراني الروسي الصيني، و أمريكا متهمة و معها المحور التركي السعودي القطري. بقي أن نعرف موقعكم، فَ إذا كنتم موجودون حقيقة ك معارضة على أرض الواقع، فَ بِ التأكيد سَ تكونون في أحد المعسكرين، و نريد منكم أن تخبروننا عن أسيادكم ( عذرا على هذه الصفة، لكن لا توجد سواها في قاموس التهذيب تليق بكم)، هل أنتم في محور موسكو أم محور أمريكا؟ بِ المحصلة أيها السوريون الثوار أنتم أيضا متهمون مع هؤلاء المتهمين، و السؤال المؤسي و الدامي هو. هل نحن بعض الشعب السوري كنا نستأهل هذا القتل و العذاب و الدمار على أيديكم جميعا؟؟؟ مَن المسؤول عما جرى و يجري في بلادنا المنكوبة؟؟؟