9 أبريل، 2024 4:34 ص
Search
Close this search box.

تحالفات خميس الخنجر والسير على صفيح ساخن !

Facebook
Twitter
LinkedIn

لم يعرف تأريخ التحالفات السياسية في العصر الحديث تحالفا لمتشابهين ، وجميعها كانت بين مختلفين وإن كان لفترة تأريخية محددة في إطار السياسات التكتيكية للوصول إلى أهداف مشتركة ، بعضها إنفرط قبل تحقيق الأهداف وبعضها الآخر بعد تحقيق تلك الأهداف وهناك تحالفات أعادت تجديد نفسها لأهداف مستقبلية أخرى.
وغالبيتها كانت تحالفات لاضمانات لها غير القدرة المهارية السياسية للقيادات وخدمة الظروف الاجتماعية والسياسية والعناصر الخارجية الفاعلة التي تكون في بعض الأحيان أقوى من كل العوامل الداخلية .
القادم القديم ـ الجديد للمشهد السياسي العراقي ، الشيخ خميس الخنجر الذي يترأس حزب المشروع العربي في العراق ، يخوض ساحة التحالفات المعقدة والعميقة والعاملة على رمال متحركة لأهداف أعلن عنها في غير مناسبة ، وأبرزها وأهمها وأوضحها هي حصر السلاح بيد الدولة وإفراغ المحافظات من القوى المسلحة التي تواجدت بفعل الحرب على داعش الإرهابي ، وإعادة النازحين إلى مدنهم وتعويضهم عن الأضرار التي لحقت بهم وإعمار مدنهم، وإلغاء السجون غير النظامية الخارجة عن سلطة الدولة واعادة محاكمة السجناء المحكومين وفتح ملف المفقودين والمختطفين ، والهدف الواقف على رأس كل هذه الأهداف هو تحقيق مبدأ الدولة العادلة التي تحقق العدالة الاجتماعية الحقيقية ، ومن هذا المبدأ وتحقيقه سيكون بالإمكان تحقيق بقية الأهداف فلا عدالة إجتماعية دون دولة عادلة متوازنة التمثيل للمكونات الاجتماعية .
أثيرت زوابع كثيرة من أعداء الشيخ وربما من حلفاء سابقين إختاروا طريق المناصب والمكاسب ، وكل الأصدقاء الحريصين وجمهور كبير من داخل المشروع نفسه الذي يقوده الشيخ الخنجر حول إحتمالية تحالفه كمشروع عربي مع تحالف فتح دولة القانون ، بعض الإثارات كانت نابعة من أرضية عدائية وأخرى من حرص وغيرهما من أشكال متنوعة من الوعي السياسي.
والحقيقة إن السياسة وفنونها وتكتيكاتها لاتعرف كما يقال في بديهيات السياسة ” لاصداقات دائمة ولاعداوات دائمة” وهي ليست تقليعة حديثة في عالم السياسة فقد كانت تمارس على مرّ التأريخ دون أن تكون لها هذه التسمية ، وسأضرب لكم بعض الأمثلة على تسويات حدثت وواجهت الكثير من الانتقادات لكنها في النهاية مرّت ، بعضها نجح والآخرى لم يكتب لها النجاح :
على مستوى التأريخ الإسلامي : صلح الحديبية بين الرسول محمد وقريش الرافضة له بل والكافرة ، وتضمن أحد بنودها “تسليم أي كافر يتحول إلى الإسلام إلى عشيرته ” وكان هذا البند من أشد البنود التي واجهت إعتراضات من قبل صحابة الرسول وخصوصا عمر بن الخطاب ، لكن كانت للرسول رؤية أخرى ونظراً ثاقباً فيما ستؤول اليه الإتفاقية ، وبعد عام واحد فقط ، أصبحت الاتفاقية من الماضي ودخل جيش الإسلام الى مكّة فاتحاً فحقق هذا النوع من التحالف (الإتفاقية) التكتيكي أهدافه التي رسمها لها الرسول محمد بفعل نوعية القيادة وفكرها والذين وقفوا معه بالالتزام بالاتفاقية حتى حققت أهدافها .
يوضح الفيلسوف الألماني جورج هيغل حول دور القائد في التأريخ ، أن التاريخ يقوم على أكتاف رجال عظام. ويتفق فيلسوف ألماني آخر هو ماكس فيبر مع هيغل، في هذه النظرة فيركز على دور القائد التاريخي، المتمتع بقوة جاذبيته.
على مستوى التأريخ السياسي العراقي ، فقد تحالف الحزب الشيوعي العراقي مع حزب البعث عام 1973 تحت مسمى ” الجبهة الوطنية التقدمية الديمقراطية ” ، حتى ان الشيوعيين في مؤتمرهم الثالث الذي عقد في بغداد عام 1976 أمام أنظار سلطة البعث كان شعارهم المركزي للمؤتمر ” معاً لبناء الإشتراكية ” ، رغم إنه في عام 1972 ، قبل التحالف بسنة واحدة ، كان مدير الأمن العامة ، يلقي بالمعتقلين الشيوعيين الذين لايتعاونون في أحواض من التيزاب أستوردت من المانيا الديمقراطية في حينها ، فضلاً عن تأريخ من العداوات والثأر والدم بين الطرفين !! صحيح إن التحالف إنفرط عقده بعد ست سنوات دون أن يحقق أهدافه ،لأسباب ليست مجال المقالة ، إلا إن الفحوى هو إن السياسة لاتلتفت إلى الوراء كثيراً !
على مستوى التأريخ السياسي العالمي : اتفاقية قلعة بريست ، في الحرب العالمية الأولى وبعد إنتصار الثورة الروسية عام 1917 والتي بموجبها تنازل القائد لينين الشيوعي عن القلعة إلى الألمان تحت مسمى ” صلح بريست ” ، وحينها هاجمه رفاقه ومنهم ستالين ، الأكثر تشدداً، على توقيع الاتفاقية المذلّة ، لكن لينين سألهم ” أيهما أهم إنقاذ الثورة أم القلعة ” شارحا ” اليوم ليس بإمكاننا أن نحارب الألمان لكن في المستقبل سنعيد القلعة منهم ” ..وهذا ما حصل عام 1941 في الحرب العالمية الثانية على يد ستالين ، فتحققت الرؤية الثاقبة ، وتم انقاذ الثورة الروسية واستعادة القلعة..
على مستوى التأريخ العربي القريب جداً : اللبنانيون الذين خاضوا حرباً أهلية طاحنة ( 1975 – 1990 ) جلسوا في النهاية في الرياض وأنهوا الحرب بينهم والتي سالت فيها أنهار من الدماء بين الطرفين ، واليوم الحريري وحزب الله المتهم باغتيال والد سعد الحريري “رفيق ” هم الآن في برلمان واحد وحكومة واحدة..
والامثلة كثيرة على هذه الأشكال من التسويات والتحالفات والإتفاقات التي كانت تقوم على أرضية ومساحة واسعة من العداوات والدماء ، لتنفتح على أفق مستقبلي قد يكتب له النجاح أو الفشل وهذه النتيجة تعتمد على نوعية القائد وفكره وقدرته على الإستشراف ، والأهم من ذلك كله ، فإن القائد يقوى بقوة الشريحة التي تقف وراءه ويضعف بضعفها..
أبرز تجربة لنجاح الفكر السياسي للقائد هي تجربة جنوب أفريقيا التي لعب قائدها الأسود “نيلسون مانديلا ” دوراً محورياً وحاسماً ،وهو من أكثر الشخصيات التي حظيت بالاحترام والتقدير على مستوى العالم، لكونه استطاع أن يقود بلاده نحو التحول لدولة ديمقراطية متعددة الأعراق، وفى سبيل إنجاح هذا التحول دفع بكل جهده نحو عملية مصالحة أعتبرت الأنجح على مستوى العالم، ونموذجا يحتذى به عند الحديث عن تجارب التحول الديمقراطي، رغم ان الرجل ذاق عذابات سجون نظام الأبارتيد لمدة 27 عاماً ، وضعها خلف ظهره ونظر للمستقبل لأنه هناك تكمن حقيقة الخروج من الأزمات والصراعات الإجتماعية ..
سيكون على الشيخ الخنجر أن يسير على صفيح ساخن وهو ينغمر في طريق تحالفات مع “حلفاء” لاضمانات حقيقية لهم ، وهكذا هي السياسة ، بإستثناء الكرد ، رغم إن الرجل قال ويقول إنه لم يعقد أي إتفاق حتى الآن ، وكل مافي الأمر تفاهمات قد تفضي إلى تحالف إذاما تيقنا إنه “التحالف” سيودي إلى تحقيق أهدافنا .

مقالات اخري للكاتب

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب