23 ديسمبر، 2024 2:30 م

تحالفات المصالح لا مواثيق السياسة – تأكل مشروع التغيير

تحالفات المصالح لا مواثيق السياسة – تأكل مشروع التغيير

يظنّ البعض من العراقيين ان مجرّد تغيير الوجوه من خلال الانتخابات سيدفع بالعراق الى التغيير ، واصرّ على ان الهدف هو تغيير النهج السياسي .. ان الطيف السياسيّ العراقي ما دام ينقسم عرقيا وطائفيا ، فانّ الوحدة الوطنية مهددّة في الصميم . ان من يقوم بتسيير العمليّة السياسيّة الحاليّة لا يمكنه ان يؤمن بمبادئ التغيير السياسي ابدا . ان الاجراس بدأت تدق ثانية لإحياء الحالات العقيمة وابقاء الخلل الجذري يكمن في المشروع السياسي نفسه . وسنرى ان التحالفات السياسية التي ستنشأ في العراق بعد الانتخابات الاخيرة لعام 2014 ، ستحافظ على جوهر هذا ” المشروع ” الانقسامي الذي مزق العراق والعراقيين .
لقد تابعت قبل قليل على البغدادية مقابلة الاستاذ نجم الدين الربيعي مع زعيم حزب المواطن الاستاذ باقر الزبيدي ، وقد حرصت على متابعتها كاملة .. وبالرغم من تفاؤل الرجل بنتائج الانتخابات ، الا اننّي لم اسمع منه ابدا كلمة ” التغيير ” ، بل افصح عن الوضعيّة التي افرزتها الانتخابات والتي تتطلّب من جديد  اعادة العمل بالتحالف الوطني ، واقترح اضافة ” الجديد ”  عليه ، وهو لا يمنع ابدا دخول المالكي ودولة القانون في التحالف الذي سيجمع حزبي الاحرار والمواطن ، بعيدا عن الاخرين .. اي بمعنى ابقاء التمذهب والمحافظة عليه .. وبدا لي ان لا مشكلة لدى حزب المواطن مع دولة القانون  التي تصر على ان يكون مرشحها واحدا ! وكأن ما جرى على امتداد ثماني سنوات من فجائع ذهبت مع ادراج الرياح !

ان مجرّد ارجاع العمل بالتحالف الوطني الجديد سيعيد المعادلة الى المربع الاول ، وهذا ما سيقصم حلم التغيير . من ناحية اخرى ، وصف الرجل التزويرات الكبيرة في الانتخابات الاخيرة  انها مجرّد خروقات .. بمعنى انه لم يشكّك ابدا بما جرى من محاولات تزوير كالتي ادانتها مؤسسّات داخلية وخارجيّة .. وثمّة تصريحات قويّة اعلنها زعيم الكتلة الوطنية الدكتور اياد علاوي وهو يدين ما حدث من تزويرات فاضحة ، وقد طالب بإجراء تحقيقات عاجلة ! ذلك ان الزمن سيبطل اتخاذ اية اجراءات ضدّ ما جرى من تزويرات بدت مكشوفة للعيان ، بالرغم من تهريج البعض عن نزاهتها ونظافتها ، خصوصا ان الانتخابات جرت في ظلّ مفوضية متواطئة مع الحكومة !

كان الاستاذ الزبيدي متفائلا جدا من نتائج الانتخابات التي حصلت عليها  كتلة المواطن ، واستطرد يقول بأن ثمة قيود مؤسسية ستحكم التحالف الوطني الجديد ، وهي النغمة السابقة التي كنا قد سمعناها  في الدورتين السابقتين 2006  و2010  ، فماذا آلت اليه النتائج ؟ وهو يثني على من قال بأن الشراكة مع المالكي ليست خطا احمرا ! وعجبت من عبارة قالها الرجل بأن دور ايران في انتخابات 2010 كان 100% في حين ان دورها في انتخابات اليوم 50% ! فهل ذلك مشروعا بضمائركم ايها العراقيون  حتى لو كان التدخل بنسبة 1% ؟

لقد كنت ولم ازل مؤمنا بالديمقراطية الحقيقية التي تمارسها احزاب وطنية  ، وكنت ضد الصيغ والاساليب التي جرت في ظلها هذه الانتخابات التي اصر على قولي انها لا تتمتع بأية شرعية ، كونها غدت سوق نخاسة لكل من يريد عرض نفسه على العالم من اجل ان يحصل على بغيته في النيابة او الولاية والمناصب والسلطة ضمن عملية سياسية اعتمدت على دستور عقيم اضرّ بالعراق والعراقيين ليس من الناحية السياسيّة حسب ، بل من الناحيّة التاريخيّة والتي ستشهدها الاجيال القادمة عندما سيتوضح مقدار الضرر الذي الحقه العراقيون بأنفسهم  وهم مصرّون على نهج انقسامي جاهلي لا ينتج غير الحقد والكراهية والحروب الاهلية ..

اقول ،  بالرغم من موقفي المضاد ، الا انني غالبت نفسي ، وذهبت الى اقرب مركز انتخابي وادليت بصوتي ديمقراطيا كي لا يضيع حقي ، فعسى ينفع مع غيره من الاصوات لوصول من يمكنه القيام بمهمة التغيير الذي نؤمن بها جميعا ، وخصوصا تلك النخبة المستنيرة التي عملت من اجله انتخابيا من دون اي مواربة او محاصصة او جهالة او تقيّة او نفاق .. لقد منحت صوتي كما منح الاخرون من اصدقائي الى من يمتلك الاهلية والاستنارة السياسية .. ونحن نستذكر حالة الاقصاء التي جرت لبعض الساسة العراقيين الشجعان وحرمانهم من الترشيح للانتخابات ، وبأسلوب بدائي واستنكاري حاقد .. فكيف يمكنها ان تكون انتخابات مشروعة وقد لعبت الاهواء السياسيّة لرئيس الحكومة في الانتخابات التي يصرّ ان يبقى في الحكم لدورة ثالثة .. ؟؟

لا اريد ان اعقد مقارنات بين زعماء الاحزاب والكتل الذين يطمح اغلبهم الى الفوز بمنصب رئاسة مجلس الوزراء ، ولكنني ادرك من قراءة التواريخ الديمقراطية لأمم اخرى ، ان هناك فرصة ذهبية قد يحظى بها زعيم او زعيمة أي حزب ليقوم بإجراءات تغيير حقيقية تقود البلاد الى الاصلاح والتقدم في مجالات عدة ، ويمتلك القدرة على تحريك حكومته بالاتجاه الذي يرسمه له المنهج الذي نال من خلاله موافقة البرلمان على العمل .. وبقدر ما تكون مسؤولية الاختيار من قبل ممثلي الشعب  او من قبل الشعب نفسه بعد ان تجري انتخابات رئاسية ، فان المرشح لاهم منصب في البلاد على مدى اربع سنوات او تمديدها لأربع سنوات اخرى ان اثبت ذلك الزعيم نجاحا استقطب اعجاب الناخبين وممثلي الشعب ..

اما من يتقدم لأخذ فرصته لأول مرة ، ينبغي ان يكون معروفا لدى الناس في مدينته او البلاد كلها ، ويدرك كل من يختاره ان انشطته اكثر من الاخرين ليس السياسية حسب ، بل الثقافية والاجتماعية وما كان قد قدم من الخدمات الخيرية .. ناهيكم ان كانت لديه وظيفة او منصبا كان قد خدم الناس من خلاله وما قدمه للدولة ومؤسساته من الاعمال المبدعة . فما الذي نعرفه عن هذه الاسماء العراقية التي تقدمت بالمئات لشغل كرسي النيابة ؟ ومن خلالها يتم اختيار الوزراء ولا تفصل عملية اختيار الوزراء والمسؤولين من هذا الوسط ، باعتباره حقا مكتسبا .. وكما جرى في الدورتين السابقتين ، فان الناس ستصوّت وتنتخب طائفيا ومذهبيا  بمعنى ان النتائج معروفة سلفا لهؤلاء الذين سيكون مصير البلد بأيديهم ، وسيضمون كالعادة تابعيهم ممن لم يصّوت لهم الشعب ، وهذه كارثة لم يتداركها العراقيون ابدا حتى اليوم . وعليه ، فان الحسم يدركه كل الزعماء لكي تبدأ مرحلة التحالفات التي سيقصى فيها رأي الشعب ايضا ، اذ ستتم ضمن عملية بيع وشراء من خلال معاملات يسمونها ” توافقات”  ، ويبتعدوا في مثل هذه ” العملية ” عن كل العراقيين الاكفاء من المستقلين والقادرين الحقيقيين على الادارة والتخطيط وحسن القيادة وروعة الابداعات وصنع القرار والولاء للوطن والاخلاص للناس لا للكتلة ولا للزعيم ولا لأي كبير على ارض العراق  .. 

دعوني أسأل : من قام بتنصيب اسماء معينة عرف اغلبها بعد العام 2003 ؟ كانت هناك اسماء معروفة قليلة لها نضالها ودورها السياسي والاعلامي لما قبل 2003 ! ، اما المرأة العراقية ، فان نظام الكوتا الذي تتمتع به ، قد جلب الى البرلمان نسوة محنطات جاهلات او طائفيات سفيهات ، ولم نشهد الا القليلات ممن قدمن دورهن بأسلوب حضاري وديمقراطي سياسي مستنير .

اليوم ، ينشغل هؤلاء جميعا لمعرفة من سيفوز بالنصر ؟ وكيف ستتّم الاحتواءات ؟ وكيف ستتم المساومات ؟ وكيف سيفرش هذا اجنحته للصغار  من ضعاف النفوس؟ وكيف سيملأ ذاك جرتّه بالمال الحرام ؟ وكيف سيبيع هذا مبادئه وقيمه واخلاقه ؟ وكيف سينتقل البعض على كلّ الموائد ؟ والرئيس المخضرم يشتري الاقزام ؟ دعونا نراقب عملية تحالفات المصالح لا مواثيق السياسة .. سنشهد كيف لا تراعى مصالح البلاد ابدا ! دعونا نراقب فيلما كوميديا رائعا يظهر كل الساسة العراقيين على حقيقتهم من خلال مزايداتهم ومناقصاتهم على المناصب . وكل ذلك سيجري بين هذه النخبة السياسية التي اختارها الشعب المنقسم على نفسه !

اعتقد ان هناك عراقيين ممتازين خاضوا الانتخابات عن قناعة مؤكدة بالإصلاح والتغيير ، وان ايمانهم بذلك يكاد يكون حقيقيا ، ولكن ما الذي يمكنهم صنعه اذا ما جرت الاتفاقات بين القوى الحزبية التي تلعب دورها من دون اي قانون عراقي الى حد الان للأحزاب  ؟ سيبقى هذا السيناريو يسبب الاذى للعراق ان لم يحصل تغيير في النهج والقيم واعادة اللحمة الوطنية ومن دون ذلك ، سيبقى العراق ممزقا بين تحالف شيعي مضطرب ، واقليم كردي قوي ، وتشرذم سني لا يعرف ماذا يفعل !  
سلفة الموظفين … نعمة أم نقمة !!
أسوان الدليمي
استبشر الموظفين خيراً عندما قررت وزارة المالية منحهم سلفة الـ(100) راتب ضمن شروط معلومة من اجل شراء وحدات سكنية لهم تنقذهم لا سيما المؤجر منهم من جشع أصحاب العقارات الذين دأبوا على رفع مبالغ الإيجار عليهم بين الحين والأخر ، ولكنهم تفاجئوا باختزال مدة التسديد من (20) عام إلى عشرة أعوام ، ما يعني إن المبلغ المتبقي من رواتبهم لا يكفي حتى لسد رمق عوائلهم لأيام محدودة ، ويلاحظ إن آلية المنح قد حُددت ألا تزيد السلفة عن (50) مليون دينار للموظفين المستمرين بالخدمة على الملاك الدائم من درجة مدير عام و(100) راتب اسمي لا يزيد مجموعها على (100) مليون دينار للدرجات الخاصة من مدير عام فما فوق ، وان مدة القرض ستكون (10) سنوات والفائدة (8)% سنوياً ، مع تقديم ضمان عقاري بعد فترة إمهال لمدة ستة أشهر ، للموظف المستفيد الذي لديه خدمة (5) سنوات فعلية ، ويرهن العقار لمصلحة المصرف رهناً تأمينياً من الدرجة الأولى ، على أن يقدم كفيلاً وسنداً عند الطلب قبل وضع القرض تحت تصرفه ، ولحين تقديم الضمانة العقارية المشار إليها ، إلا إن تلك الشروط التعجيزية التي وضعتها وزارة المالية لهذه السلفة صعبة جداً ولا يمكن لأي موظف ان يؤمن المبالغ المطلوبة شهرياً بهذه المدة والنسبة ، بالنظر للظروف المعيشة التي تمر عليهم وسط لهيب ارتفاع الأسعار في كل مفاصل حياتهم اليومية ، فذهبت أحلامهم إدراج الريح بالحصول على قرض او سلفة تنقذهم من المآسي التي يعيشونها حالياً ، بعد ان كانوا يأملون باستقطاعات شهرية مريحة لا بهذه الآلية المتعبة والقسرية التي تفقدهم نصف او أكثر من رواتبهم الشهرية ، وهو ما يتحقق خلال ال(20) عام  ، أما مسألة الكفيل فلها شأن أخر حيث جعل من بعض الموظفين يستغلون هذا الظرف مقابل بضعة أوراق خضراء مقابل هذه الكفالة ، فلو قامت الدولة ببناء مجمعات سكنية وبيعها للموظفين بأقساط شهرية تستقطع من رواتبهم ، ربما سيؤدي هذا الأمر إلى حصول جميع الموظفين الذين لا يملكون عقار على وحدات سكنية يستقرون بها مع عوائلهم ، لذلك اقترح إعادة النظر من قبل المعنيين في وزارة المالية ومصرفي الرشيد والرافدين بشروط السلفة وتقليل نسبة الفائدة على الموظفين الذين ما زالوا يحلمون بسكن يحفظ كرامتهم ويبعدهم عن شبح الخوف والقلق على عوائلهم من المستقبل المجهول الذي ينتظرهم ، وان يتم التركيز على مشاريع الاستثمار في قطاع السكن وبيعها للموظف بالأجل ، بدلاً من تحميله أعباء لا طاقة له بها والتي يمكن من خلالها أن تقضي الدولة على أزمة السكن شيئاً فشيئاً بعد معانات معها منذ عقود طويلة , وخير مثال لنا التجربة المصرية في هذا المجال.