23 ديسمبر، 2024 4:24 م

تجليات العجة في قصيدة (ذات الجود).. للشاعر ابو يعرب

تجليات العجة في قصيدة (ذات الجود).. للشاعر ابو يعرب

في قصيدته(ذات الجود)،المنشورة في صفحة (46) من مجموعته الشعرية الاولى (الحب في قريتي)،يقول الشاعر ابو يعرب:
 اذا ما عجت الدنيا ترابا…….فعجة جدكم كف خصيبة
في اشارة صريحة الى مدح صفة كرم عيال (العجة) بقصتها المعروفة في تراث ريف ديرة منطقة القيارة من اطراف جنوب الموصل، والتي هي واحدة من حكايات ملاحم الكرم العربي،تلك الصفة المجيدة التي التصقت بعائلة (زرزور العبيد العيسى)،الذي توفي يومها،ولما يزل ابناه (عزاوي_وكاع) بعد صغيرين،وكفلتهما أمهما المرحومة وضحة الكواس(أم عجة)،التي اطلقت كلمتها الخالدة (تكبعولها..عجة وفايتة)،وهي لفظة ريفية من الفاظ النخوة، والدعم المعنوي، تشجعهم بها على الاستمرار بممارسة الكرم للمعوزين في ايام الفاقة،مما عرف بسنة الغلاء الكبير في اوائل القرن الماضي،وعدم الاستسلام لشحة الزاد لديهم بمنعه عن سائل،كناية عن يقينها بحتمية انفراج ازمة العوز،التي شبهتها لهم بالعجة التي سرعان ما تزول، لمواجهة مقتضيات الكرم،كما اعتادت ان ترى (العجة)،وهي العاصفة الترابية، تمر من امامها بعد فترة وجيزة من هبوبها، لتصبح تلك المقولة التي تناقلها من سمعها منها من المعوزين في حينه، مثلا يضرب فيما بعد للحالات المماثلة على مر الاجيال. وظل هذا الوصف تسمية ملاصقة لأبناء العائلة الى يومنا هذا، وانتشر على نطاق واسع بين قبائل العراق، واغلب قبائل البادية،وأجزاء من الجزيرة العربية، حتى ان رواة التراث ينقلون عن الشيخ عبيد الرشيد عندما وصلته حكاية القصة، انه اطرق برأسه على عصاه في مجلسه على سبيل اعجابه بأسطورة كرمها،معتبرا مثل تلك العجوز الكريمة أما لكل الأجاويد. 
ويبدو ان هذا الوصف(العجة) قد التصق بشكل مباشر بالشيخ مجبل الوكاع شخصيا فيما بعد،حيث لوحظ انه غالبا ما كان ينعت به من الجميع حيثما وجد في اي محفل، مع ان الوصف اصلا كان قد قيل في عمومته. ولاعجب في ذلك، فالشيخ مجبل الوكاع جمع بين أصالة النشأة الريفية، وبساطة الشخصية، وسماحة المحيا،وسلاسة الأسلوب،وكرم الضيافة، وقدرة التأثير في الآخرين،بما أُوتي من بصيرة نافذة، وثقافة عامة، وترحاب حار بمجالسيه، الامر الذي اعطى مجلسه مذاقا حلوا، ووقعا خاصا في نفس اصحابه، فحبب عشرته للجميع.ولاجرم ان مكانة الشيخ المستنير مجبل الوكاع،الذي نشأ في قرية الحود، بناحية القيارة، من أطراف جنوب مدينة الموصل، في بيئة ريفية محافظة على قيم الكرم،والضيافة،والمروءة، والحلم،وحسن المعشر،اضافة الى انتخابه نائبا في مجلس النواب في اربعينات القرن الماضي،اتاح له في نفس الوقت، فرصة التعرف عن قرب على معظم شيوخ عشائر العراق، وأفاضله، وسياسييه، فحوى جوامع التقاليد،وشمولية التصور، وسعة الثقافة، وسداد الرأي، وحلاوة المعشر، وكرم الضيافة، ولياقة الترحاب بالآخرين،الامر الذي مكنه مع ما تمتع به من ملكات شخصية قيادية، من أن ينمي تلك القدرات الذاتية بصيغة وهاجة في نفسه بجدارة، فينزلها منزلة الطبع الذاتي، والسليقة التلقائية، في تفاعله الدافيء مع جمهوره،ومرتادي مجلسه، حتى تمكن من أن ينجح، في تقريب المثل الاخلاقية،والقيم الاجتماعية ،والدينية العليا لعموم الناس،فلاقى مقبولية واسعة بين الجمهور على اختلاف مشاربهم، وتفاوت مداركهم. فكانوا يقبلون على حضور مجلس ديوانه، ويصغون إلى أحاديثه الشيقة في المجالس باهتمام بالغ،ويتقبلون توجيهاته،وأحكامه بقناعة عالية،بما يمليه عليهم تواضعه الجم،وحلمه الطبعي، ودماثة خلقه،ولين عريكته،وكرم لقاءاته، بجانب ما حواه من الصفات الحميدة الاخرى،من اكنان تقديرعالي له،الامر الذي جعل منه شيخا اريحيا،لا يسأم من وصله احد،ويحظى باحترام، وإجلال الجميع،حتى شاع  نعته بينهم (ابو العجة)، بما يعكس حضور تلك المكارم في شخصيته،حتى اهلته ان ينفرد بهذه التسمية بجدارة، من دون سائر بقية القوم.