23 ديسمبر، 2024 8:42 م

تجليات الصبر في مرثية (الصبر هو الملاذ) للشاعر ابو يعرب

تجليات الصبر في مرثية (الصبر هو الملاذ) للشاعر ابو يعرب

لاشك ان الحزن على فَقْدِ عزيز، يمزق شغاف قلب المكلوم، وان الاجهاش بالبكاء عليه يفجِّر تراكمات الحزن المكبوت في اعماقه.وقد احتل الحزن مكانة متميزة في الشعر العربي في كل مراحله.ولعل في ما أورده الأصمعي حين سأل أحد الأعراب: (ما بال المراثي اشرف اشعاركم؟  فأجابه: لأنا نقولها وقلوبنا محترقة) خير شاهد على هذه الظاهرة  الشعرية.
وعندما فجع الملاّ ابراهيم ابن شقيقة الشاعر ابو يعرب بفقد اثنين من اخوانه في ريعان شبابهم،تلاه خطف يد المنون بنته، انعكس هذا الحدث المأساوي على حياته بشكل مباشر، وهز مشاعره بالأسى، وسكن الحزن أعماقه بفراق احبته. ولما كان الملا ابراهيم زميلا ملاصقا لخاله الشاعر ابو يعرب في حركاته وسكناته،وحيث ان ابا يعرب وهو شاعر الدمعة المنسكبة علی مآسي الحیاة،قد شاهد دموع الملاّ تسيل على خديه حزنا على ابنته،فقد تدفقت في وجدانه صور الرثاء والتأبين،ليس فقط اظهارا لأساه لما رآه، بل تعبيرا وجدانيا عن حزن جمعي للحضور بفقدها،مذكرا بمناقب الفقيدة على قاعدة ما قيل(أحسن الشعر ما خلط مدحا بتفجع)،حيث يقول في مرثيته في هذا المجال:
        فحسبكم الوكيل وان جزعتم       لقول النائحات(ايا شفاء)
        وكانت رحمة المولى عليها        تعد لعمرة فأتى القضاء
        فيا ربي يكون القبر روضا       لها يدعو الرجال كذا النساء  
ولأن العزاء يستهدف حمل صاحب المصيبة على الصبر من خلال تذكيره بما يسليه، ويهون عليه مصيبته، ويخفف عنه أساه،فان الشاعر ابو يعرب جرياعلى مألوف السياق التراثي،حاول أن يتطرق في التعزية إلى كل ما يخفف من اثار وقع المصاب على أهل الراحل، حيث اتخذ العزاء في مرثيته صورا متعددة في التعبير بما يمتلكه من موهبة إبداعية،ناهيك عن شدة تأثره بالمصاب الجلل، نتيجة علاقته الصميمية بصاحب المصيبة.
 وقد جاء عزاء الشاعر ابو يعرب بحث أهل الفقيد على الصبر على مصابهم ملازما في ذات الوقت لعزائه لنفسه، اذ اعتبر المصاب ليس مصاب أهله فحسب، وانما مصابه هو أيضا، امعانا منه في اظهار تأسيه بمن فقد.وهكذا ساق توكيده بالتذكير على ان  الموت سيحل بفنائه في يوم من الايام،باعتبار ان الانسان ضيف في الدنيا بين أهله وخلانه،ومن ثم فانه سيرحل إلى الآخرة  لا محالة. وعليه فان كل ما يفعله من  أمر البكاء، والعويل، لا يغني عنه شيئا،لذلك فانه يجد في العزاء بالصبر خير سلوى لأحزان اهل الفقيد، حيث يقول:
           اذا اتت المصائب والمنايا         وحل الموت او طفح الاناء
           فان الصبر نجعله ملاذا           نلوذ به اذا نزل البلاء
           فيا ملاّ و انت بلا جدال            صبور لا يليق بك البكاء
           فانك قد بليت بألف بلوى         وأنت الثبت ان كثر العناء
ولان مرد الانسان إلى ألله حقيقة لا مفر منها بقياسات الدين الحنيف،حيث الموت حاكم على كل الناس، ومن ثم فانه ينبغي للإنسان العاقل ان يؤمن بقضاء الله، وان يدرك ان الموت الذي أخذ اصحابه لابد من أن يأخذه يوما ما،وبالتالي فان عليه أن يستجيب لأمر الله، وان عليه أن لا يجزع من قضائه،  فالجميع مردهم اليه:
         يقول المسلمون اذا اصيبوا     رضينا بالذي قضت السماء
         لان الموت حكم الله فينا        وجنات الخلود هي العزاء      
وهكذا جاءت مواساة الشاعر ابو يعرب أهل الفقيدة،وتواصله الرثائي معهم، نابعة من مجاراته اساليب العرب في العزاء والرثاء، اضافة الى توقيره قرابته  للملاّ، التي تجلت في مرثيته العصماء، الطافحة بصور الحث على الصبر في اوقات المصائب والمحن،وبذلك يفرض نفسه شاعرا مبدعا في ممارسة نظم الشعر بكل الوانه بجدارة.