حكاية سردية قديمة متجددة، أسمها العلاقة بين الحاكم والمحكوم، لم تصل فلسفات الدنيا إلى سبر أغوارها، تشبه تقريباً ما يقال دائما، هل البيضة جاءت من الدجاجة أم أن الدجاجة جاءت من البيضة؟.
آدم عليه السلام كان وحيدا في الجنة، الى أن جاءته أمنا حواء فكونا معا هذا الخلق مبتدئين بقابيل وهابيل، إلا أنهما لم يسيرا معا في طريق الخير، فقتل قابيل أخاه هابيل، يقال حقدا وحسدا وبوسوسة من الشيطان، لأن الله تقبل من القتيل ولم يتقبل من القاتل، لكن الشيطان حكايته بدأت بعصيان التعاليم الالهية الحاكمة لكل زمان ومكان، واحتقاره لآدم عليه السلام.
بعد أبونا آدم تكونت الجماعات، وأخذت تتطور وتنحى منحا تنظيميا، فظهرت لها شخصيات رئيسة وأخرى ثانوية، وبدأت تتوافق تراتبيا، الى أن شكلت قبائل وجماعات ترتبط بعلاقات وثيقة، فالفرد يدافع عن الجماعة والجماعة تؤمن الحماية للفرد، وتأسست الحضارات وبدأت الإمبراطوريات بالظهور ابتداءا من حضارة سومر في جنوب العراق والنوبة في جنوب مصر وشمال السودان، مرورا باليونان القديمة وبلاد فارس وإمبراطورية الرومان العظيمة.
الشخصيات القيادية التي ظهرت، كان لها الأثر الكبير في صناعة الحضارة والتاريخ، وسجلت أسماءها بماء الذهب عبر حقب مختلفة من التاريخ سلبا أو إيجابا، فكانت تتعامل مع المجتمع كتعامل الخباز مع عجينته الطرية، حتى أن هناك من يعطي الأبناء ذبحا وتضحية في سبيل استمرار الملك والحكم كما في حضارة “المايا” في أمريكا الجنوبية.
سَنَ “حمورابي” مسلته الشهيرة، وكذلك فعل “رمسيس” وعائلته الفرعونية في بناء الأهرامات، ودفن الموتى بشكل غير مسبوق، وهكذا كان كسرى وهرقل والقياصرة والإمبراطوريات الصينية المتعاقبة، كلها كانت علاقة بين حاكم متسلط ومحكوم خانع، ولازالت هذه العلاقة مستمرة إلى يومنا هذا، مع فارق التطور من ناحية التعاقد على الفترة الزمنية وصلاحيات سلطة الحاكم.
مع هذا التسلط هناك من يتهم المحكوم “المتمثل بالشعب” بالتقصير، دون الالتفات للحاكم، هو كمن يحمل ركاب الطائرة مسؤولية سقوطها، فالتعميم لغة كثر تداولها خاصة بعد 2003، مع العلم أن صدام حسين تحمل كل تبعات حقبته الزمنية، فلماذا لا يتحمل غيره تبعات حكمهم؟
هناك من يتعكز على شكوى الإمام علي عليه السلام من محكوميه، نعم هو شكى منهم وأمتلأ فلبهٌ قيحا، لكن بعد أن كون دولة العدل، وكان المثل الأعلى في النزاهة والصلاح، وقد قال في آخر أيامه: “أنثروا الحب على الجبال، حتى لا يقال أن هناك طيراً جاع في بلاد المسلمين”
الإمام علي شكى من محكوميه، “بعد أن كون دولته العادلة”، وقد إشتكى الناس من عدله،لأنهم تعودوا على الظلم، فأي حاكم من حكامنا نزع السلطة منه، ومَثُلَ للقضاء أمام مواطن كما فعل الإمام علي، وأي حاكم يأكل ويلبس كأفقر محكوميه، وأي حاكم أستخدم زيته الخاص لأضاءه سراج بيت المال بعد وقت الدوام الرسمي.
عندما يصل الحاكم بمحكوميه الى دولة النزاهة والعدالة الاجتماعية، ويكون القدوة والمثل الأعلى لهم في كل المجالات، من حقه أن ينتقد من يشاء، لكن في دولة الفساد، ويضع اللوم على محكوميه فذلك الإفساد بعينه، وإيغال في كسب المزيد من البسطاء لصالح دولة الفساد، والتي تهدف الى شيطنة المحكوم وتنزيه الحاكم.