18 ديسمبر، 2024 10:47 م

تجليات اقتصاد السوق المفتوح على واقعنا الاجتماعي

تجليات اقتصاد السوق المفتوح على واقعنا الاجتماعي

حاولت الوبلايات المتحدة أن توحي للحكومات المتعاقبة أو تدفع بها نحو الأخذ الحرفي بسياسة اقتصاد السوق ، وأنه هو الحل الأمثل لمشاكل البلد الاقتصادية ، دون النظر إلى أن ثمة عوامل موضوعية تلعب دورها الأهم في تحقيق السياسات الاقتصادية لهذا البلد أو ذاك وبسبب الجهالة الاقتصادية للكثير من المتصدين للعمل الحكومي صاروا أكثر رأسمالية من الرأسماليين ، حيث تم الانفتاح دون سابق تخطيط على جميع أسواق العالم ، وبالأخص أسواق الدول المجاورة ذات الاقتصاد الناشئ والخارجة توا من حالة كساد ساد المنطقة في العقد الإؤل من هذا القرن ، متجاهلين أن الوبلايات المتحدة بدت متراجعة عن ثوابت الرأسمالية بعد الأزمة العقارية عام ٢٠٠٨, واخذت تأخذ بنظام الحمائية التجاربة مع الصين وأوربا في عهد الرئيس دونالد ترامب ، أو حتى قبله.
ان التحول المفاجئ نحو سياسة السوق ولبلد كان يأخذ بنظام رأسمالية الدولة أو شمولية الاقتصاد ، ترك اثاره السلبية جدا على أصول الدولة وقطاعها العام وحولت هذه السياسة هذا القطاع الذي كان يضم أكثر من ٣٠٠ شركة إلى مرفق حكومي عالة على خزينة الدولة من حيث التمويل والرواتب والأجور ، وظل قطاعا متوقفا يستثمر وجوده الصامت الفاسدون ، كما أن سياسة الباب المفتوح رفعت كل القيود والضوابط الواجب توافرها في المستورد وأولها الجودة ومطابقته للمواصفات العالمية أو العراقية، وأصبحت هذه السياسة تغطي عمليات غسيل الأموال الحكومية المسروقة من دوائر الدولة ووزاراتها عن طريق أعادتها على شكل عقود أو سلع تجارية أو خدمات غير مجزية ، مما تسبب في تعطيل انتاج القطاع العام والخاص وتحولت مصانع جميلة العملاقة على سبيل المثال الى مخازن للمستورد من الدول المجاورة (بعد أن تعطلت بفعل رفع الحماية أو انعدام الكهرباء الصناعي) وصار العامل الفني عتالا في تلك المخازن وهذه خسارة لا يمكن لأي اقتصادي أن يغض النظر عن نتائجها ، وتمكن بهذا ، النظام الجديد من الترويج لسلع الغير وسمح بغلق المصانع وفتح المولات وهذا بمثابة فعل يرقى إلى جريمة التخريب الاقتصادي تحت شعار الاستثمار ، لأن الاستثمار الاقتصادي يعني الاستثمار الإنتاجي لا الاستهلاكي ، الاستثمار يعني استغلال الرساميل لأغراض الإنتاج الصناعي والزراعي والسياحي وان ذلك التوجه يعني الاستخدام العام للأيدي العاملة المحلية التي صارت بعد هذه السياسة العرجاء تعاني البطالة وصارت نسبتها تفوق ال٤٠٪ ، أو أنها انتجت فقرا لم يشهده العراق من قبل ، وقد اشر هذا الفقر بالمتوسط الى ٤٢٪ في المدن وبنسبة أكثر في الريف ، وان تراخي الكابينات الوزارية المتعاقبة عن معالجة الفساد أدى بدوره إلى شل القدرة الحكومية على تمويل المشاريع الاستراتيجية أو ترك جانبا المشاريع الخدمية المهمة والتي تنمو بنمو السكان مثل المدارس والمستوصفات والمستشفيات ، وقد سبق كل هذه التراجعات الاقتصادية إصرار الجميع الحاكم على الاستمرار بمزاد العملة والذي كان سببا في تمويل داعش واخواتها أو طريقا لتهريب الأموال وغسيلها خاصة وان إجمالي الاستيراد السنوي صار يفوق على ٧٥ مليار دولار ، وان المصارف الأهلية باتت عائقا أمام بقاء العملة في الداخل ، وصارت تخترع المصارف المراسلة من أجل التلاعب بأموال العراقيين ، ولو صدقت النوايا لكانت عوائد الرسوم الجمركية في ضؤ إجمالي الاستيراد السنوي البالغ ٧٥ مليار ، ٧,٥ مليار دولار لو كانت نسبة الرسوم ١٠٪ في اقل تقدير ، ولاخطاء الحكومات المتراكمة وآخرها تخفيض حكومة الكاظمي سعر العملة الوطنية بنسبة ٢٣٪ أن أشر هذا التخفيض لتراجع اجتماعي بات مخيفا ومخجلا ، بسبب زيادة مناسيب الفقر وما يتبع ذلك من زيادة في نسبة المشاكل الأسرية ونمو نسبة الطلاق ، أو نمو في معدلات العنوسة ، او ان الفقر في العراق كان وراء توسع وانتشار عصابات السرقة والقتل أو عصابات منظمة لتهريب المخدرات والبشر والسلاح وآخرها انتشار ظاهرة تسويق الأعضاء البشرية ، وان هناك الكثير من الآفات الاجتماعية المتوالدة بعد عام ٢٠٠٣ والتي باتت تهدد النسيج الاجتماعي ، وان الحلول واضحة لكنها بحاجة إلى موظف حكومي خبير بشؤون الإدارة والاقتصاد لا بامور السياسة والنقاش ، ومن أولويات الحلول إعادة سعر الدينار إلى سابق عهده ، لأن هذا الإجراء سيقوي القدرة الشرائية لدى المواطن لاستهلاك الإنتاج المحلي بعد توفير الحماية الحقيقية لهذا المنتوج ، وأنه في الجانب المقابل سيوفر القدرة للانتاج المحلي في مواكبة استيراد المواد الأولية وتجديد المكائن والالات ، إيقاف عملية انتشار المولات ، باستثمار بديل في انشاء المعامل والورش والتوسع الزراعي، العمل على إعادة نظام فتح الاعتماد للبنك المراسل ، وإيقاف بيع العملة ، وتوجيه المصارف الأهلية بالاستثمار في الإنتاج الصناعي والزراعي والسياحي ، والتوقف عن المتاجرة بالعملات الأجنبية ، والتحويلات الخارجية غير المنضبطة ، تقييد الاستيراد وفقا للحاجة المحلية بعد دراسة قدرة الإنتاج الوطني على تلبية هذه الحاجة ، التقليل مرحليا من استيراد السيارات والبضائع شبه الكمالية أو السلع الترفيهية أو سلع الاستهلاك المظهري ، والعمل بجد ومثابرة من أجل التوسع بإنشاء مصافي النفط وتكريره بما يضمن القدرة على المنافسة والتصدير ، وللكوادر العراقية خبرة طويلة بإنتاج المشتقات النفطية وتعبئتها .
وأخيرا هناك الكثير من الأوبئة الاقتصادية التي يعرفها الموظف المختص ، والتي بتقديرنا نحن بحاجة إلى تجاوزها بعد أن يكون القرار ، قرارا وطنيا خالصا بعيدا عن فساد الذمم أو فساد القدوة…