في ظل الأحداث و التطورات المقلقة في المنطقة و في الوقت الذي یعیش العراق في مرحلة سیاسیة عصیبة و متعبة تقوم جهات لامسؤولة مدعومة من قبل مایسمی بقوات “قیادة العملیات” بنشر الرعب والخوف في قلوب مواطني المناطق الكوردستانیة خارج إدارة إقلیم كوردستان، تلك المناطق المعروفة لدی الحکومة العراقية بالمتنازع علیها أو المشمولة بالمادة ١٤٠ من الدستور، فهناك محاولات مستمرة لطردهم بهدف ممارسة التغییر الدیموغرافي فیها، خاصة في حدود محافظة كركوك الكوردستانیة، حیث أنها تعیش منذ ١٦ أکتوبر ٢٠١٧ واقع مفروض علیها بقوة السلاح والاحتلال.
رغم كل ذلك أنتخبت الوفود الدولية الصمت و لم تصدر الی الیوم أي بیان بشأن تلك الممارسات الشوفینیة المقرفة.
و بالأمس شهدت مدینة كرکوك الجریحة سلسلة تفجيرات بواسطة عبوات ناسفة استهدفت مناطق متفرقة فيها. هذه العملیات الإرهابیة الوحشیة البربریة اللاإنسانیة إستهدفت مرة أخری المدنیین العزل.
منفذي هذه العملیات الإجرامیة یتصورون بهویاتهم الدینیة أو القومیة بأنهم خلفاء الله وسادة الخلق وخیر الأمم، لکنهم في نظرنا أصحاب العقول الملغمة والمسلمات العمیاء والتوجهات المقلوبة والفلسفات الکادبة، إنهم ظلامیون یریدون عن طریق أعمال عنفهم المتفاقم وهجمتاهم الشرسة علی المواطنین المسالمین جعل مدینة كرکوك مدینة الأزمات والاضطرابات تعیش حالة طواریء دائمة.
هؤلاء القتلة یحملون في عقولهم الجامدة أفکار میتة وبرامج شوفینیة فاشلة و مناهج عقیمة وقاصرة، وهم بدورهم ضحایا لأفخاخ الهویة الموتورة أو لأقانیم العقیدة المقدسة أو لأساطیر الحقیقة المطلقة، یتمرسون وراء الهویات المغلقة أو الجامدة.
من الواضح للعقل المستنیر بأن الولاء للدولة لا يمكن أن يأتي بالتسلح والعنف و نشر الخوف والرعب و إستخدام الجيش في الصراع السياسي والحملات الشوفينية وتجسيد إرادة الشطب والإلغاء و بناء مصانع سلطوية لا تنفك عن إنتاج التفاوت والتفاضل أو الإنتهاكات و الإرتكابات المضادة للقوانين والحقوق، بل بنشر الأمن والأمان والإستقرار، كما الحال في إقليم كوردستان. أما شؤون البلاد فيجب أن تدار بالدستور والقانون، لأنهما المظلة التي يستظل بها كل مواطن.
فالأزمات والكوارث ليس مصدرها الأقدار فقط، فهي تتجسد في الأفكار بشكل خاص و العقليات والمرجعيات والنماذج والمقولات أو التصنيفات والطقوس التي تهيمن علی المشاهد الثقافية و تتحكم في الخطابات فتنتج عوائق و مآزق وتلغم المساعي الوجودية والمشاريع المدنية أو الحضارية.
ولا يمكن البحث عن حلول جذرية للمشاكل القائمة بين الإقليم والحكومة الإتحادية عند دول جوار لم تنجح هي علی أرضها في تحسين شروط العيش لمواطنيها و إحراز التقدم والإزدهار.
لقد حثّ الرئیس الجديد لإقلیم كوردستان السید نيجيرڤان بارزاني الامم المتحدة الى تأدية دور رئيس في تطبيق المادة ١٤٠ من الدستور الخاصة بالمناطق المتنازع عليها بين اربيل وبغداد.
وقال فخامته في رسالة وجهها قبل فترة قصيرة الى الامم المتحدة ومجلس الامن الدولي، ان المبعوث الخاص للامين العام للأمم المتحدة بإمكانه ان يؤدي “دوراً رئيساً” كطرف محايد للبدء “بحوار مكثف” بين اربيل وبغداد لحل الخلافات والقضايا العالقة منها تطبيق المادة ١٤٠ من الدستور.
لکن التیارات الفئویة التي ظهرت في عراق مابعد الدکتاتوریة تسعی دون هوادة الی تعزیز سلطاتها الطائفیة المنحرفة والمتطرفة والخارجة عن مسار و نهج المسیرة الدیمقراطیة والمتجاوزة للقوانین و أحکام الدستور المنبثق من العقد الأجتماعي لمكونات العراق الأساسية.
نتمنی في هذه المرة أن تعمل الأمم المتحدة بطريقة مختلفة على موضوع المادة ١٤٠، و نقول لقد حان الوقت لحل هدذا الموضوع ، لأنه أنتظر لمدة طویلة علی الطاولة المنسیة.
إن الذين يتصدرون واجهة الدفاع عن طوائفهم ومذاهبهم و معسكراتهم بالأفكار السائدة و الأنظمة المتحكمة والشعارات الخاوية و المقولات المستهلكة لا يستطيعون القيام بمهام قضية العيش المشترك.
أما الطرف الذي ينهض بهذا المهام فهو من يخلع عباءته الأيديولوجية المقدسة بثوراتها و مقاوماتها و إنقلاباتها و أحزابها و هو من يحسن الإشتغال علی خصوصيته و تحويل هويته للإنخراط في بناء عالم مشترك يتيح التعايش والتواصل، علی نحو سلمي تبادلي في أطر وطنية أو اقليمية أو عالمية، ولنا في إقليم كوردستان و حكومته اليانعة نموذج إيجابي نشيط في بناء مجتمع ديمقراطي سلمي التوجه مزدهر بإنجازاته العمرانية والحضارية.
وختاماً: “لا يمكن لمن لا يستطيع التشريع لواقعه أن يصنع حياة أو نمواً أو إزدهاراً.”