23 ديسمبر، 2024 4:33 ص

تجربة في علم النفس كشفت سهولة تحول الإنسان للشر

تجربة في علم النفس كشفت سهولة تحول الإنسان للشر

أجرى الخبير الأميركي Philip Zimbardo قبل أعوام تجربة في غاية الخطورة من حيث النتائج ، كشف فيها بعض الثغرات الموجودة في النفس البشرية ، وتركزت التجربة على إختبار (تأثير قوة الموقف على البشر ) وتغيير تفكيرهم وسلوكهم بصورة لاشعورية والإنزلاق الى منحدرات مظلمة ومخالفة تماما لمستوياتهم الفكرية والحضارية .

فقد إختار هذا الخبير النفساني مجموعة من المتطوعين ووزعهم على قسمين : قسم حولهم الى سجناء ، والقسم الثاني الى سجانين ، ووضع الجميع تحت إشراف فريق من الخبراء في علم النفس بقيادته ، وسلط الكاميرات عليهم ليل نهار ، وكانت المفاجأة انه شاهد تقمص المتطوعين لدور حراس السجن لأدوارهم بشكل لاشعوري ، بل أخذوا يستمتعون بأعمال الزجر والعنف ضد السجناء وتحولوا الى ساديين .

الصدمة الكارثية حدثت في اليوم الرابع من التجربة .. فقد زار Philip Zimbardo السجن بنفسه وتجول بين السجناء ، وصُدم عندما شاهد مع فريق العمل صورته وهو يتمشى بين السجناء وإتخذت حركات جسمه وضعية مدير السجن الحقيقي وتقمص لاشعوريا دور السجان المتسلط ، فقرر فورا إنهاء التجربة والإعتراف بخروجه عن الإطار العلمي لها .

لقد كانت نتيجة مفجعة ومخيفة فعلا .. فإذا كان الخبير النفسي رغم كل خبراته في خفايا النفس البشرية ، ومع هذا أُستدرج لاشعوريا وتأثر بالموقف وخرج عن شخصية الخبير وتحول الى سجان ، فكيف الحال بالإنسان العادي اذا ما جابهه مواقف مماثلة أو وجد نفسه في السلطة وبيده المال والقوة ؟!

كثيرا ماتحدث علم النفس الإجتماعي عن الإختلال الذي يصيب توازن الفرد عند إنخراطه في السلوك الجمعي حيث يفقد الكثير من رزانته وعقلانيته ، ولهذا ترى في الإحتفالات والمهرجات والتظاهرات سرعة نشوب المشاجرات والمعارك ويتخلى الجميع عن الحكمة والعقل ، ونفس الخطر يواجه من يمتلك السلطة والمال والقدرة على التحكم بالناس ، لاحظ سلوك الطبقة الأرستقراطية والإقطاع وأصحاب رأس المال كيف يتعاملون بوحشية مع الناس ، ولاحظ السلوك الدكتاتوري القمعي للساسة والأحزاب إذا ما غاب عنهم الردع القانوني والجماهيري .

التجربة تكشف لنا عن هشاشة وسهولة إختراق الإنسان ، وخطورة تحولاته اللاشعورية ، وقوة تأثير ( المواقف عليه ) ، فالإنسان لديه القابلية على التحول الى كائن شرير ومجرم اذا ما وضع في بعض المواقف ولم يكن حذرا جدا ومدركا لمنزلقات اللاشعور !

علما لقد كٌتب العديد من المقالات والدراسات عن نتائج هذه التجربة .. والذي نود التأكيد عليه هنا هو : ان الإنسان مبرمج على التحول السريع نحو الشر والسلوك العدواني ، ومن الصعب عليه جدا ان يكون خيرا ومسالما وفاضلا في الحياة ، وهذه العيوب ليست لها علاقة بما يسمى ((بالشيطان )) الذي إخترعته الأديان ، وانما بالطبيعة الشريرة الشيطانية الكامنة في البشر التي تتستر بقشور الثقافة والحضارة والقيم الأخلاقية ، لكن لو جربنا ووضعنا الإنسان في أبسط موقف سنرى زوال كل هذه الأقنعة وإنكشاف جوهره الوحشي .