18 ديسمبر، 2024 4:50 م

تجربة انقلابيّة عراقيّة صدريّة لساعات!

تجربة انقلابيّة عراقيّة صدريّة لساعات!

جمعتنا الأقدار قبل أيّام مع عَلَم من أعلام العراق والعالمين العربيّ والإسلاميّ، وخلال الطريق لمحاضرته سألني عن توقّعي للتوقيت المُرتقَب لنهاية المأساة العراقيّة!
وبعد أن أعطيت مقدّمة تفصيليّة مختصرة للأوضاع السياسيّة والأمنيّة، وأكّدت بأنّ العراق بعد ثورة تشرين ليس العراق قبله، ذكرت أهمّ جزئيّة في حوارنا وهي:
إذا استمرّت وتيرة التناحر بين القوى السياسيّة الحاكمة (وبالذات بين مقتدى الصدر ونوري المالكي) بسبب تاريخ الخلافات الطويل بين الرجلين، وأبرزها التسريبات الصوتيّة المنسوبة للمالكي والمُضادّة للصدر، ومع تنامي الغضب الشعبيّ، أتوقّع حدوث تغيير حقيقي ما بين ستّة أشهر إلى سنة كحدّ أعلى، وقد تكون مرحلة التبديل مليئة بالرعب والدم بين القوى المالكة للسلاح.
وتتناحر غالبيّة القوى المُمثّلة للبيت الشيعيّ في الميدان السياسيّ منذ عشرة أشهر تقريبا لحسم ملفّ شخصيّة رئيس الوزراء القادم، ولكنّها لم توفّق في مهمّتها، ولهذا، وفجأة وبدون مقدّمات، دخل العراق خلال الأيّام الماضية مرحلة الغموض التامّ، ولا أحد يُمكنه تحديد ماذا يحتوي النفق السياسيّ الدامس الظلام!
وقد رصدنا كيف أنّ البلاد انقلبت رأسا على عقب ظهيرة الأربعاء، 22 تمّوز/ يوليو 2022، واختلط الحابل بالنابل وكأنّ البلاد خالية من أهلها، وأنّ أشباحا من كوكب آخر يُديرون العراق!
وكانت بداية الحدث الغامض بعبور المئات من متظاهري التيّار الصدريّ جسر الجمهوريّة ثمّ دخولهم المنطقة الخضراء الحيويّة وسيطرتهم على بناية مجلس النوّاب وسط صمت لقوّات الأمن!
وهنالك مَن يقول إنّ الدخول وانسحاب قوّات الحماية تمّ بأوامر مباشرة من رئيس الحكومة مصطفى الكاظمي؛ الذي كان في زيارة (غير بريئة) لمحافظة الأنبار الغربية لوضع حجر الأساس لبعض المشاريع وكأنّ هنالك أمر ما دُبِّر بليل!
وجاءت التطوّرات بعد دقائق من تغريدة طويلة للصدر دعا فيها أنصاره للثبات والعمل من أجل الإصلاح والتغيير.
ويظهر أنّ المظاهرات والاقتحام والتهديدات كانت بسبب إصرار الإطار التنسيقي بزعامة المالكي على ترشيح محمد شياع السوداني لرئاسة الحكومة المقبلة!
وبعد ساعة من الاقتحام دعا الكاظمي، من مكان ما وببيان مكتوب، المتظاهرين إلى الالتزام بسلميّتهم، وبتعليمات القوّات المسؤولة عن حمايتهم، والمُلتزمة بحماية البعثات الدوليّة!
وتزامنت الأحداث أيضا مع زيارة عاجلة لقائد فيلق القدس الإيرانيّ إسماعيل قاآني، والذي قيل بأنّه جاء لترطيب الأجواء بين (الأخوة المُتناحرين)!
وذكرت بعض الصالونات السياسيّة أنّ قاآني اجتمع، خارج الخضراء وأثناء اقتحامها، مع قيادات الإطار لمناقشة التطوّرات الميدانيّة، وأنّ زعماء الإطار أكّدوا لقاآني تَمسّكهم بترشيح السوداني لرئاسة الحكومة، رغم الاعتراض الصدري، ويمكن الذهاب، لاحقا، لحلّ البرلمان ولانتخابات مبكّرة بعد عام من التنصيب!
وقد اقترحت شخصيّات شيعيّة أخرى على قاآني بقاء حكومة الكاظمي والذهاب لانتخاب مُبكّرة بعد ستّة أشهر، وعدم محاولة استفزاز الصدر!
وبعيدا عن التسريبات ومآلاتها وإمكانيّات تحقيقها، أعتقد أنّ هذا الاقتحام المُرتّب مُسبّقا أثار عشرات الأسئلة، وأهمّها:
مَنْ الذي أَمرَ هؤلاء المتظاهرين بالتجمع خلال ساعات؟
ومَن فتح الطريق للمتظاهرين لعبور جسر الجمهوريّة دون أيّ مُقاومة (وبسبب محاولة عبور ذات الجسر قُتِل المئات من شباب تشرين في العام 2019)؟
ومَنْ سَمح لهم بدخول المنطقة المنيعة بسهولة وسكينة؟
وأين تبخّرت قوّات حفظ الخضراء، ومَنْ أعطاهم الأوامر بترك حماية المنطقة المركزيّة التي تضمّ أهم المؤسّسات الرسميّة وغالبيّة البعثات الدبلوماسيّة الأجنبيّة؟
وهل ما جرى يُعدّ انقلابا تجريبيّا أم مُجرّد فعاليّة لترتيب سياسيّ ضاغط قادم؟
وكيف فُقِدَت الحواسيب والكاميرات من بعض مكاتب لجان المجلس؟
هذه الاستفسارات وغيرها تُؤكّد الاتفاق المُسْبق بين غالبيّة القوى والشخصيّات المعارضة للإطار على خطوة الاقتحام، والمُستندة أصلا على شعبيّة الصدر وقدرته على تحريك غالبيّة الشارع الشيعيّ.
وبعد كلّ هذه المُناحرات جاءت لحظة الحَسْم بتغريدة صدريّة قصيرة:” وصلت رسالتكم، صلّوا ركعتين وعودوا لمنازلهم سالمين”!
ولا ندري ما الرسالة التي وصلت من هذه الفعاليّة المحدودة التي تُذكّرنا باقتحام الصدريّين للخضراء في العام 2016 ودخولهم المجلس وانسحابهم بعد ساعات معدودة، وكأنّنا أمام سيناريوهات عبثيّة مُتكرّرة؟
وعمليّا، لا يُمكن اعتبار خطوات التغيير هيّنة ومجّانيّة، ويُمكن الجزم بأنّ المظاهرات الصدريّة (ابتزازيّة) وليست تغييريّة، وأنّها ستستمرّ على ذات الوتيرة العقيمة، وبالذات بعد تسريبات المالكي، وإصرار الإطار على السوداني وتجاهل الاعتراضات الصدريّة!
ومع التوقّع المُبكِّر للخطوة الصدريّة إلا أنّ الانسحاب من الخضراء بعد ساعات مِن اقتحامها، واحتماليّة اقتحامها ثانية غدا السبت، أثار مَوجة من التعليقات الساخرة والانتقادات الحادّة لفعّاليّة خطيرة استُخدمت فيها الجماهير المُعْدَمة لاقتحام أهمّ معاقل الحُكم، ولكن دون تحقيق أيّ نتيجة تُذكر للوطن والمواطن!
فهل الخطوات (الانقلابيّة) غير المَدْرُوسة كافية لبناء العراق وإصلاحه وعلاج هُمومه السياسيّة والأمنيّة والإداريّة؟
لقد أثبتت التخبّطات السياسيّة أنّ العُمر الافتراضيّ للنظام السياسيّ العراقيّ قد انتهى، وأنّه عاجز تماما عن ضبط إدارة البلاد ولهذا صارت القوى السياسيّة في مواجهة مُنحدرات مُخيفة أقلّها الرضوخ لبقاء حكومة الكاظمي لعام آخر، وحلّ البرلمان وإعادة الانتخابات البرلمانيّة، وإلا فترقُّب المستقبل المجهول!
dr_jasemj67@