توفيق الشيخ حسين
الفن التشكيلي من أجمل الفنون وهو يؤخذ من أرض الواقع ويرتبط بشكل كبير بالوحي والإبداع والإلهام وترجمة الرؤى والأفكار الغير تقليدية بطريقة تعبيرية والتي تحمل بين طياتها كم كبير من الغموض الذي يزيد من درجات الصعوبة في فهمه بالنسبة للشخص العادي , ويعد من أبرز الفنون المعبرة عن القضايا الإجتماعية في المجتمع , ونتيجة للتغيرات والأحداث العديدة التي حدثت في مختلف دول العالم أدت الى ظهور مدارس مختلفة منها :
” المدرسة الكلاسيكية , المدرسة الواقعية , المدرسة التكعيبية , المدرسة التجريدية , المدرسة السيريالية , المدرسة المستقبلية , المدرسة الرومانسية , المدرسة الوحشية ” .
المتأمل في الفن التشكيلي يجده بإختلاف مدارسه وعلى مر العصور تعبيرا ً صامتا ً ولكنه مؤثر وموثق وربما أكثر من الكتابات .
يقول الدكتور علي الغول :
” الفن تعبير عميق عما هو مخزون داخل القلوب البشرية , من إنفعالات وأحاسيس ذات رسالة معينة موجهة من قبل الفنان الى الجماهير عبر العصور والأزمنة ” .
الفن التشكيلي العراقي له تأريخ عميق جدا ً ويرتبط بالحضارات التي شهدها العراق سواء في سومر أو أكد أو بابل أو النمرود , وظهرت أسماء فنانين عراقيين عريقة ” فائق حسن , جواد سليم , حافظ الدروبي , شاكر حسن آل سعيد , أسماعيل الشيخلي , أسماعيل الترك , محمود صبري , زيد صالح ” وغيرهم من الذين تخطت أعمالهم المحلية والعربية الى العالمية .
يظل المشروع التشكيلي لدى الفنان ” صالح كريم ” يشكل مبحثا ً متصلا ً ينهل من ثقافات العراق ومن مدينته البصرة , تخرّج من كلية الفنون الجميلة / بغداد / قسم الفنون التشكيلية عام 1974 .
يقول الفنان ” صالح كريم ” عن تجربته :
” أرسم النخلة والشناشيل والبصرة والتراث والثقافة التي تخص المشاعر والإحاسيس البصرية المعروفة التي ترفع من مستوى الفني الجديد والملائم للوضع الطبيعي المعتاد , أرسم كثيرا ً ولا أستطيع العيش في الرسم لإني أسجل يومي كله بخطوط مختلفة والوان واضحة تثبت كل لوحة فنية جميلة , إني مستمر في العطاء وسعة البال ” .
يميل الى الواقعية الحديثة ويستفيد من الموروث الشعبي والفلكلور والتراث ويحاول الربط بين الماضي والحاضر , يعمل على تصوير حياة الفقراء والبسطاء والحياة الإجتماعية العامة فتراه يستمتع بالخطوط والألوان والأشكال وهو يفهمها ويدرسها لا سيما إن مواضيع لوحاته الفنية مستمدة من واقعه .. يقول عنه ” عدنان حسين أحمد ” :
” يستلهم الفنان صالح كريم بعض أفكاره من الفنون السومرية والأكدية والبابلية القديمة ويتعاطى معها كمنجز فني عراقي وعالمي , ولعل تقنيات الحفر البارزة والغائرة التي أستعملها الفنان العراقي القديم تنبثق من جديد في لوحات الفنان صالح كريم ” .
يتمتع بالثقافة البصَرية المتعلقة بثقافة العين التي تمكنّه التحول الى الفنان قادر على التعبير عما يدور بداخله برسومات وتعابير تشكيلية تحمل بين طياتها عدد كبير من المعاني والأفكار .
تلعب العيون ونظراتها في الرسم عند الفنان ” صالح كريم ” دورا ً كبيرا ً ومهما ً , لإنها تشكل الثيمة الرئيسية والأساسية للأحياء الباصرة وغير الباصرة وكما عبر داود سلمان الشويلي بالعيون عند الفنان صالح كريم :
” تتخذ في شخوصه تشكيليا ً أشكالا ً متنوعة ومختلفة ومتعددة مثل عيون الأسماك , وعيون الطيور , وعيون بشرية , إلا إنها بلون واحد هو اللون الأسود , وذلك لإنه لا يريد أن ينقل لنا الحالة النفسية للشخص فحسب وإنما يريد أن يعبر عن التكوين البايلوجي لهذا الشخص , وأيضا ً لإنها تحمل المعاناة من قسوة الإضطهاد والعنف الذي يريد أن يوصله الفنان لمتلقيه ” .
سُئل َ الفنان” صالح كريم ” عن أحب الألوان اليه :
” لون الأرض , فهو يبهرني وهو لون الشط كوني قريب من شط العرب والصحراء قريبة مني , والطين يحيط بي فهو موجود في أغلب لوحاتي “.
رغم بساطة الموضوعات التي تتجلى ملامحها أو تستوحي من محيطه الجميل الذي أشبعه بالدراسة عبر لوحاته المميزة , فتراه متجذ ّربالأرض , يستخدم اللون الذي يميل الى الإخضرار وهو دليل التمسك بتربته ولونها الأخضر الذي يعني الربيع والخير العميم .
يقول الرسام العالمي ” ليونارد دافنشي ” :
” اللوحة هي القصيدة الصامته والشعر هو اللوحة الناطقة ” .
من هذه المقولة يؤكد الفنان والباحث السوري ” عبدالقادر الخليل ” ومن خلال إطلاعه على منجزات الفنان صالح كريم الذي جاء بقصائد صامتة تستحق كل أهتمام , الذي جعل من اللوحة رسالة الأمل , والذي أستعار جمال الفن ليعطي فكرة واسعة عن أحلام لم تنام وجسد في كل لوحة رسالة جديدة مزجها بألوان تراب الوطن .
رسم الفنان ” صالح كريم ” المعاناة التي تعيشها المرأة العراقية , ولأن المرأة عطاء لا يُحد ّ ولا ينضب وكونها رمزا ً للخصب وللعطاء وللتضحية وللمحبة , وقد وثق مشاعره تجاهها بالألوان والخطوط ورسمها بالزي العراقي الأصيل .
يقول الدكتور ماضي حسن نعمة :
” الفنان التشكيلي صالح كريم تمتاز أعماله بصيغة تكنيكية ناجمة عن خزين مهاري عبر مخاض من التجارب الأكاديمية التي أهلته الى فرش الألوان بجرأة ودقة في مسار تفاصيل الجزئيات المصغرة من خطوط ناعمة كي تمنح التكوينات حيوية وعمق في التأمل البصري ” .
لقد جسد الفنان صالح كريم في لوحاته فن ” البورتريه ” وكانت لوحاته تعبر عن إنفعال بين الحنان والدفء والصمت والتألق والحزن والشاعرية والجمال, وأهتم بإبراز العمق النفسي للشخصية , يجد نفسه منغمسا ً في هموم ذاتية وعامة , يتألم لها وبها , المعاناة النفسية هي الوقود الذي يدفعه لأن يقدم صورا ً غير مسبوقة من الإبداع الإنساني , إن ما يتعرض له الفنان صالح كريم من معاناة يومية لتفاعله مع الشأن العام تجعل منه معرّضا ً بإستمرار لحالات نفسية , فاللوحة كالإنسان مكونة من طبقات نفسية , من السطح وحتى الأعماق , كل طبقة تساعد في فهم ما هو أعمق منها , وتعتبر مهارته الإبداعية في عمله الفني أداة يوصل بها دواخله الفكرية والنفسية الى الآخرين كالمتلقين والمتذوقين فنيا ً .
هذا ما عبر عنه القاص ” محمد خضير ” :
” إن إستغراق الفنان صالح كريم في إنشاء موضوعاته المتسلسلة يصدر عن أسلوب خاص بالفنان أكتيبه من مهارته في فن التخطيط البورتريه والنتيجة فإن الفنان صالح كريم هو رسام وجوه بالدرجة الأولى , قبل تصنيفه رساما ً طبيعيا / فطريا ً , أو أنطباعيا ً / تعبيريا ً , إنه من طينة حرة لا أنشراخ لسبيكتها ولا إنفراط لمكوناتها ” .
في نهاية المطاف نجد إن تجربة الفنان صالح كريم الفنية والمتفرّدة تستحق فعلا ً التأمل والدراسة والتقييم ..