في ضجيج عصرنة صاخبة، تتسارع، وتتوالى في ساحتها، منجزات العلوم والتقنية بشكل مذهل، حيث تراجع مع ما هو سلبي من تداعياتها، حس الإيمان عند كثير من الناس، وتبلدت عندهم مشاعر اليقين، بعد أن هيمنت عليهم بتلك التداعيات الجامحة، النزعات المادية في أغلب جوانب الحياة المعاصرة.
ومن هنا قد تبدو الحاجة ماسة اليوم، إلى تجديد الخطاب الديني، بما يواكب تلك التطورات العلمية والتقنية، ويعزز الإيمان بالله تعالى، في نفس الوقت ، ومن دون تنكر لثوابت الإسلام، بذريعة وصف المتراكم والمنقول من المعرفة العربية الإسلامية بالجمود والتحجر، وعدم القدرة على مواكبة روح العصر، بزعم أن ثقافة المعرفة بالمنقول، والتلقين، والعنعنة، تنتج أجيالا متخلفة تفتقر إلى الإحاطة بعلوم وتقنيات العصر، وعدم القدرة على التعامل السلس معها ، كما يدعي البعض ممن يتصدرون الدعوة للتجديد .
ولاشك أن بخس فضل سبق المعرفة الإسلامية في التنوير، بما تركته من آثار إيجابية على الحضارة المعاصرة، وانكار دورها الريادي، تحت وطأة عوامل النكوص الحضاري، وتراجع العطاء العلمي ، وبسبب التداعيات السلبية التي افرزتها ثقافة الاستغراب في التعامل مع الموروث العربي الإسلامي بهوس واستعلاء، أمر غير مقبول ، ولا يتساوق مع موازين الإنصاف الأخلاقي، ويتنافى مع معايير الموضوعية العلمية .
ومع أن العلم المعاصر، وفي أدق تفاصيله، ومكتشفاته، لم يتقاطع حتى الآن مع حقائق الدين، بل إن تناغمه العجيب في مكتشفاته مع ما أشارت إليه نصوص القرآن الكريم من ظواهر وحقائق ، أذهل العلماء والفلاسفة، حتى أن البعض منهم بادر بإشهار إسلامه عن قناعة علمية تامة ، دون أن يطلب منه أحد ذلك، فإن الدعوات المتسرعة إلى التغيير الشامل، وتجديد الفكر الديني، بقطع التواصل المباشر مع المتراكم من المنقول من المعرفة الإسلامية ، إنما تأتي في سياق تعبير متهافت، عن حالة ضياع فكري، وجفاف روحي ، واستلاب معنوي، تغذيها عوامل كثيرة، لعل في مقدمتها ثقافة الكسب المادي، وضجيج العصرنة الصاخب بمعطياته التقنية والرقمية المتتالية ، وغياب آليات التربية الدينية الصحيحة، وغيرها.
ومن هنا فإنه لا يصح أبداً، تبرير هدم كل ما هو قديم، وموروث من المنقول، بزعم أن التغيير الحتمي في الموروث، لا بد أن تطاله صيرورة التجديد، عاجلاً ام آجلا، مماشاة للتطور، ومحاكاة للتمدن، ومسايرة للتحضر .
ولا جرم أن التكيف الإيجابي مع معطيات العصرنة، رغم كل تلك المعوقات، يتطلب العمل الجاد على هضم معطيات العصرنة، المعرفية منها، والتقنية، عند التعامل مع مسألة ولوج معتركها، والتفكير بنقلها، اختيارا واستيعابا، والحرص على تكييفها مع متطلبات خصوصية أصالة العلوم والمعرفة الإسلامية ، بقصد مسايرة ومماشاة التطور والعصرنة، والتكيف معها على نحو سليم، يضمن عدم المس بالثوابت المتعلقة بالعقائد والعبادات، والأخلاق، وبالشكل الذي يرسخ أصالة هوية المعرفة العربية الإسلامية، ويحمي خصوصيتها من التشويه، وينتشلها من الضياع، بولوج صيرورات التغيير، أيا كانت أشكالها، وآليات، وطرائقيات تنفيذها، حيث يبقى التجديد في الأمور القابلة للتغيير، مما يختص بمجالات الحياة الإنسانية الأخرى،عندئذ، ضرورة لا مناص منها ، لتغيير الحال نحو الأفضل، وبعكسه، فأن وضع الحال المسلم الراهن، المنهك عموماً ، دون ممارسة التجديد في الخطاب الديني، والتغيير في وسائل النهوض بطرائقيات تطوير المعرفة العربية الإسلامية،من خلال الانفتاح على معارف العصر والتفاعل الخلاق مع ماهو إيجابي منها، ونبذ ماهو سلبي ، سيؤول إلى مزيد من التدهور، والانحطاط، ويعمق فجوة التخلف عن الركب الحضاري .
ويقينا فأن الإسلام مع تجديد الفكر، والخطاب الديني،على قاعدة(فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين)، ومع منهج طلب الاستزادة من العلم تمشيا مع التوجيه الرباني( وقل رب زدني علما )، ليبقى الإسلام بهذا النهج المتجدد، قادرا على التفاعل مع مستجدات الحياة بكفاءة، وعدم تجاهل حركية الزمن، وتأمين تحقيق مصالح الناس الآن، وفي المستقبل على أفضل حال ، ومن ثم فهو نهج جدير حقاً بتفجير طاقاتهم الكامنة بأعلى أداء ، وبالشكل الذي يساهم في رفد الحضارة المعاصرة بالكثير من الإيجابيات في كل المجالات .
تجديد الخطاب الديني.. تحديات العصرنة وضرورات الأصالة
نايف عبوش
في ضجيج عصرنة صاخبة، تتسارع، وتتوالى في ساحتها، منجزات العلوم والتقنية بشكل مذهل، حيث تراجع مع ما هو سلبي من تداعياتها، حس الإيمان عند كثير من الناس، وتبلدت عندهم مشاعر اليقين، بعد أن هيمنت عليهم بتلك التداعيات الجامحة، النزعات المادية في أغلب جوانب الحياة المعاصرة.
ومن هنا قد تبدو الحاجة ماسة اليوم، إلى تجديد الخطاب الديني، بما يواكب تلك التطورات العلمية والتقنية، ويعزز الإيمان بالله تعالى، في نفس الوقت ، ومن دون تنكر لثوابت الإسلام، بذريعة وصف المتراكم والمنقول من المعرفة العربية الإسلامية بالجمود والتحجر، وعدم القدرة على مواكبة روح العصر، بزعم أن ثقافة المعرفة بالمنقول، والتلقين، والعنعنة، تنتج أجيالا متخلفة تفتقر إلى الإحاطة بعلوم وتقنيات العصر، وعدم القدرة على التعامل السلس معها ، كما يدعي البعض ممن يتصدرون الدعوة للتجديد .
ولاشك أن بخس فضل سبق المعرفة الإسلامية في التنوير، بما تركته من آثار إيجابية على الحضارة المعاصرة، وانكار دورها الريادي، تحت وطأة عوامل النكوص الحضاري، وتراجع العطاء العلمي ، وبسبب التداعيات السلبية التي افرزتها ثقافة الاستغراب في التعامل مع الموروث العربي الإسلامي بهوس واستعلاء، أمر غير مقبول ، ولا يتساوق مع موازين الإنصاف الأخلاقي، ويتنافى مع معايير الموضوعية العلمية .
ومع أن العلم المعاصر، وفي أدق تفاصيله، ومكتشفاته، لم يتقاطع حتى الآن مع حقائق الدين، بل إن تناغمه العجيب في مكتشفاته مع ما أشارت إليه نصوص القرآن الكريم من ظواهر وحقائق ، أذهل العلماء والفلاسفة، حتى أن البعض منهم بادر بإشهار إسلامه عن قناعة علمية تامة ، دون أن يطلب منه أحد ذلك، فإن الدعوات المتسرعة إلى التغيير الشامل، وتجديد الفكر الديني، بقطع التواصل المباشر مع المتراكم من المنقول من المعرفة الإسلامية ، إنما تأتي في سياق تعبير متهافت، عن حالة ضياع فكري، وجفاف روحي ، واستلاب معنوي، تغذيها عوامل كثيرة، لعل في مقدمتها ثقافة الكسب المادي، وضجيج العصرنة الصاخب بمعطياته التقنية والرقمية المتتالية ، وغياب آليات التربية الدينية الصحيحة، وغيرها.
ومن هنا فإنه لا يصح أبداً، تبرير هدم كل ما هو قديم، وموروث من المنقول، بزعم أن التغيير الحتمي في الموروث، لا بد أن تطاله صيرورة التجديد، عاجلاً ام آجلا، مماشاة للتطور، ومحاكاة للتمدن، ومسايرة للتحضر .
ولا جرم أن التكيف الإيجابي مع معطيات العصرنة، رغم كل تلك المعوقات، يتطلب العمل الجاد على هضم معطيات العصرنة، المعرفية منها، والتقنية، عند التعامل مع مسألة ولوج معتركها، والتفكير بنقلها، اختيارا واستيعابا، والحرص على تكييفها مع متطلبات خصوصية أصالة العلوم والمعرفة الإسلامية ، بقصد مسايرة ومماشاة التطور والعصرنة، والتكيف معها على نحو سليم، يضمن عدم المس بالثوابت المتعلقة بالعقائد والعبادات، والأخلاق، وبالشكل الذي يرسخ أصالة هوية المعرفة العربية الإسلامية، ويحمي خصوصيتها من التشويه، وينتشلها من الضياع، بولوج صيرورات التغيير، أيا كانت أشكالها، وآليات، وطرائقيات تنفيذها، حيث يبقى التجديد في الأمور القابلة للتغيير، مما يختص بمجالات الحياة الإنسانية الأخرى،عندئذ، ضرورة لا مناص منها ، لتغيير الحال نحو الأفضل، وبعكسه، فأن وضع الحال المسلم الراهن، المنهك عموماً ، دون ممارسة التجديد في الخطاب الديني، والتغيير في وسائل النهوض بطرائقيات تطوير المعرفة العربية الإسلامية،من خلال الانفتاح على معارف العصر والتفاعل الخلاق مع ماهو إيجابي منها، ونبذ ماهو سلبي ، سيؤول إلى مزيد من التدهور، والانحطاط، ويعمق فجوة التخلف عن الركب الحضاري .
ويقينا فأن الإسلام مع تجديد الفكر، والخطاب الديني،على قاعدة(فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين)، ومع منهج طلب الاستزادة من العلم تمشيا مع التوجيه الرباني( وقل رب زدني علما )، ليبقى الإسلام بهذا النهج المتجدد، قادرا على التفاعل مع مستجدات الحياة بكفاءة، وعدم تجاهل حركية الزمن، وتأمين تحقيق مصالح الناس الآن، وفي المستقبل على أفضل حال ، ومن ثم فهو نهج جدير حقاً بتفجير طاقاتهم الكامنة بأعلى أداء ، وبالشكل الذي يساهم في رفد الحضارة المعاصرة بالكثير من الإيجابيات في كل المجالات .