لايكاد يمر يوم على العراقيين إلا ويحمل معه عشرات الاحداث المفجعة ، وما حدث من تفجيرات في مدينة الكاظمية والتي راح ضحيتها العشرات إلا دليلٌ على ذلك ، ومع الحجم الكبير للدمار الذي حل بعدها ، إلا انها لا تشكل تغيراً كبيراً في موجة العنف التي يواجهها العراق منذ عام 2003 لحد الان .مع ذلك فهي تعتبر نقطة ببحر مجازر الجماعات المسلحة “ألسنية والشيعية” ، ومجزرة امس لها دلالات من الصعب تجاوزها ، فالمتابع للشأن العراقي يدرك ان ما حصل له اتصال مباشر بما جرى خلال الأسابيع الماضية.فتحول مدينة الصدر ببغداد إلى مركز “أساسيّ وكبير لثقل المرجعية “الشعبية” بشكل عرّض المرجعيّات الأخرى الكبرى في العراق إلى حالة من انخفاض الوزن وأضعف قوّتها ووضعها في مأزق سياسيّ حرج”إيران لم يرق لها ما حدث خصوصاً مع الهتافات التي نادت بخروجها من العراق”ايران بره بره” وأشعرها بإنخفاض شعبيتها في جنوب العراق مما قد يتسبب بإحراجها مستقبلاً والمطالبة الرسمية بإخراجها من الملف السياسي العراقي الذي تديره بشكل لا يخفى على القاصي والداني.”كل ذلك فرض على القوى الحاكمة المتحالفة أن تردّ بسرعة على مستويين، الأول، التعامل مع مقتدى الصدر نفسه، عبر استدعائه السريع المباشر إلى إيران والذي ادى إلى إستغراب اتباعه، والثاني بإعادة «البوصلة» الطائفية العراقية إلى العمل بعد ان توقفت الى حد ما منذ شهر تقريباً، باعتبارها صمّام أمان النظام القادر دائماً على إعادة الجمهور الشعبي إلى «السكّة المطلوبة»: تكاره الضحايا بدل التوحّد ضد النظام السياسي”.
السيد مقتدى الصدر وجماهيره، على عكس جماهير المحافظات السنية التي خرجت قبل عامين ، فقد سبب حرجاً كبيراً لإيران، فاشتغاله (المتواضع) على إحياء هوية العراق الوطنية لا ينفع معه اتهامه بالعمالة لنظام صدام حسين، فعائلته قدّمت أرفع التضحيات ضد نظام صدام ، وكونه زعيماً شيعيّاً لا ينفع معه اتهامه بـ«التكفير» و«الإرهاب» و«الوهابية» وهي التهم الجاهزة لمن يعارض النظام من أبناء السنّة كما حصل في مناسبات عدة مع معارضين سنة.من هنا انطلقت فكرة انشاء “داعش”الدولة الاسلامية كما يحلو للبعض تسميتها ، وهنا لن يكون هناك أفضل منها لينفّذ ما يسعى إليه تحالف المنتفعين في العراق فيأتي تفجير السوق الشعبية في مدينة الصدر ليعيد العراقيين هناك إلى المعادلة الصفرية للنزاع السنّي ـ الشيعي والتي لا أفق سياسياً لها، وهي أكبر هديّة يمكن أن تقدّم للنظام السياسي العراقي الحالي كما ترى ذلك صحيفة القدس العربي في عددها الصادر يوم أمس.
ودليلُ ذلك انشغال ساسة عراقيين موالين لإيران بتوفير اجواء مناسبة لإستقواء “الدولة الإسلامية” كما حصل في حقبة نوري المالكي رئيس الوزراء السابق حينما كان يعلم بأماكن تواجد تنظيم داعش في صحراء الانبار دون تحريك قواته لمجابتهم او اخراجهم من العراق بل على عكس ذلك سهل هروب مئات من عناصره من سجون شديدة التحصين! وواجهت المؤسسة العسكرية حينها فساداً هائلاً بالإضافة إلى الصفقات المليارية التي كانت يجريها مع الدول الاخرى بغية شراء اسلحة فاسدة لاتصلح للقتال، كما ووجهه المليشيات وبعض من عناصر الاجهزة الامنية لقمع المعارضين السنة، والمشاركة الفاعلة في دعم النظام السوري أدوات صناعة «الدولة الإسلامية» ادت في النهاية، إلى تقاسمها مع السلطة الراهنة أجزاء واسعة من البلاد!وهذه المرة كما في سابقاتها حاولت إيران ايصال رسالة صغيرة الى شيعة “الصدر” بأن نارها ستصلكم عن طريقها او عن طريق حلفاءها بالمنطقة ” تجاوزوا إيران الإسلامية تفجركم “الدولة الاسلامية”