23 ديسمبر، 2024 11:33 م

كركوك التي كانت مزهوة بنفسها وبتنوعها القومي والديني، شهدت التراجع في كل شىء ودون إستثناء، وشهدت أهوالاً لا يمكن وصفها بعجالة. والذي يزورها يدرك أن كل شىء فيها يدعو الى التشاؤم، ولا يطيق النظر الى المسخ المتروك على صورتها التي تنعكس سلباً على ملامح أبنائها الذين دفعوا الأثمان غالياً، وعاشوا في حالات الترقب وإنتظار اللعبة العصيبة التي أفسدت مدينتهم، وجعلتها تأن تحت النوايا الخبيثة والخطيرة التي تستهدف بث الفرقة بينهم وتفكيك قيمهم المجتمعية وتسطيح وعيهم وإنتمائهم.

دخلت كركوك الى المتاهات الحالكة عندما بدأ حيدر العبادي في إكتوبر 2017 يتخبط في حيرة وجوده الاستفهامية، وبحث بين المبالغة والتزوير والنرجسية والطمع الشخصي عن الوجاهة المفقودة، فلم يجدها، بل بلغ الى درجة من الإذلال لم يبلغها أي رئيس حكومة في التاريخ العراقي، ولم يدري هل هو رئيس دولة أم مأمور صاغر؟ هل لديه حكومة وصلاحيات أم هو مجرد واجهة يُراد من خلاله تعطيل كل الإستحقاقات الدستورية وكل ما له علاقة بالكورد، وإخضاعهم بقوة السلاح الأمريكي المتطور والمعادلات الإقليمية القاسية ومعزوفة فرض القانون؟ ..

كل واحدة من المكونات الثلاثة في كركوك تعلن عن الرغبة في إرساء الأمن والإستقرار في المدينة وفتح باب التعايش السلمي على مصراعيه، وتوافق على أن وضع المدينة ليس على ما يرام، والإدراة الحالية غير قادرة على مواجهة التحديات وتغطية الاستحقاقات. وكل واحدة منها، تحاول الظهور بمظهر المستقل في الإرادة والقرار، وإنه المدافع عن المواطن الكركوكي والمؤيد للقانون، وتعلن عن الرغبة في إنهاء الصراعات السياسية والإنطلاق نحو عهد جديد مليء بالعدل والإنصاف والوضوح والشفافية. عهد يمتلك رؤية سياسية وإدارية وعسكرية شاملة بعيدة عن التشنج والتعصب الطائفي والقومي، وينفذ سياسة تطمئن الناس وتبدّد مخاوفهم وقلقهم وكوابيسهم اليومية. ولكن بعض السياسيين لايعترفون بأن سبب أزمات كركوك الخانقة، ناتجة عن التعلق بالأوهام، وإهمال الحقائق، والرغبة في التنافس للسيطرة على المراكز المهمة، والتدخل الخارجي في كل صغيرة وكبيرة وإهمال الدستور وخرقه، وشعور المواطن الكركوكي بخيبة أمل كبيرة، وبأنه يعيش في مدينة مدماة ومدمرة وبناها التحتية منهكة، تحكمها فئة فاشلة مفروضة بقوة السلاح مع سبق الإصرار والترصد. ولا يعترفون بإزدواجية بعضهم، في السلوك، وفي التعلق بالأوهام وفي ترديد العبارات والجمل التي تصاغ خلف أجندات المصالح الشخصية والحزبية والقومية الضيقة، وإنتقاد كل الأمور على الفضائيات تحت غطاء الخطاب الأخلاقي والمشروع الوطني.

أما نجاح مكوناتها في إعادة أوضاع مدينتهم الى حالتها الطبيعية، وإنهاء تجاعيدها السياسية والإدارية والأمنية، وسد الثقوب التي تسلل منها الشوفينية المقيتة، فهي بمثابة الخطوة الجريئة التي ستجد فيها الدعم الشعبي، خاصة وأن الكركوكي الأصيل يأمل ويظن، أن الحل بين الاطراف يجعل من قضية التعايش بين الكركوكيين ممكنة، وأن الإدراة التوافقية الجديدة المبنية على الشراكة الحقيقية والتوازن، ستخفف الأعباء والآلام المزمنة ومن الإحساس بالاختناق، وستستطيع أن تقدم حلولاً للمشكلات، هذه الرؤية التفاؤلية ناتجة عن مبررات كثيرة، أولها وأكثرها أهمية، توافق الجميع على فشل أداء حكومة حيدر العبادي، بجميع مؤسساتها، في إدارة شؤون البلاد ولجوئها المتكرر للقوة وكشف وجهها القبيح، ونجاحها الباهر في تسفيه القانون وخرق الدستور والشراكة والتوافق، وفي تعطيل حركة الحياة ورفع معدلات الفساد والجريمة وإنعدام المساواة وتشويه كل الصور الجميلة.