23 ديسمبر، 2024 2:31 ص

تجار الدم العراقي

تجار الدم العراقي

يبدو ان رياح مصطفى الكاظمي، القادم الجديد للمنطقة الخضراء، لا تجري بما تشتهي سفن اسياده من امريكيين وفرس. حيث لم تمض على وجوده في منصبه سوى ايام معدودات، واذا به طبل اجوف، أو شخص “لا يحل ولا يربط” ، على الرغم من حملات تسويقه كوطني غيور وشخصية قوية وشجاعة، وتوصيف حكومته بالمستقلة والنزيهة، التي وضعت نصب عينها اصلاح ما افسده السابقون. فعلى سبيل المثال لا الحصر، فان الكاظمي الذي تعهد بنزع سلاح المليشيات المسلحة الموالية دون استثناء لطهران، واذا به ينزع ملابسه امام شاشات التلفزة ويرتدي زيهم بخشوع ومذلة، الى درجة استدر فيها عطف بعض الناس واستحق شفقتهم عليه. ثم يعيد بعدها مباشرة فتح مكتب حزب ثار الله ويطلق سراح اعضائه المتهمين بقتل المتظاهرين في البصرة. ومن اجل انقاذه من ورطته هذه، تحشد تجاره من كل حدب وصوب، لمناصرته، واستحضروا معهم العديد من المقولات الملتوية، وتقديمها على شكل نصائح بلغة بسيطة من قبيل، “يا جماعة امنحوا الرجل فرصة ووقتا لان التركة ثقيلة”، او “عدم التسرع واطلاق الاحكام المسبقة”، “الانتظار سيد الموقف”. وكأن القادم الجديد مجهول الهوية، لا نعرف من اي مستنقع اسن اتى، ولا نعرف سنة تخرجه من جامعة العمالة والفساد، وهي سنة 2003. سنة احتلال العراق. ولا نعرف ارتباطاته مع الامريكيين والايرانيين، او ارتباطاته الاولى مع المخابرات البريطانية، ولا نعرف ان رقمه 37 في قائمة العار، التي طالب الموقعون فيها رئيس الولايات المتحدة الامريكية حينها جورج دبليو بوش باحتلال بلدهم. ومعلوم ان امريكا التي احتلت العراق، قد دمرته بقوة نارية تكفي امريكا لمحاربة دولة عظمى. في حين ان العراق كان متعبا وجائعا ومريضا. اضافة الى تراجع جيشه من حيث العدة والعتاد، جراء عدم القدرة على تحديثه او تعويضه باسلحة متطورة، نتيجة الحصار المفروض على العراق، والذي لم يشهد له التاريخ مثيلا.
اذا كان سجل هذا الرجل الموثق بهذا السواد والمجلل بالخزي والعار، ترى هل من الحكمة السياسية ان نثق به ونلدغ من ذات الجحر للمرة السابعة، كما لدغنا من قبل ست مرات وليس مرتين على يد ” الوطني الجسور المخضرم”اياد علاوي، و”الفيلسوف الزاهد” ابراهيم الجعفري و”مختار العصر” نوري المالكي و”الاكاديمي المتحضر” حيدر العبادي؟. الم يجرم هؤلاء بحق العراق واهله؟. واذا فات زمن على هؤلاء الاشرار ونسينا افعالهم، ترى هل نسينا الزفة التي سبقت تنصيب عادل عبد المهدي، قبل اقل من سنتين، والمدائح التي قيلت بحقه. وخاصة من قبل الدجال مقتدى الصدر وتياره والحزب الشيوعي وبقاياه، حيث وصفا عبد المهدي “بالرجل المستقيل من الفساد والمستقل عن الاحزاب والاكاديمي والاقتصادي وسليل العائلة ذات الحسب والنسب”؟ ماذا كانت النتيجة؟ الم يختم مسيرته السوداء بارتكاب ابشع جريمة تمثلت بقتل الثوار السلميين، الذين لا

يحملون سوى العلم العراقي وشعار نريد وطن؟ الم يقل المثل الدارج بين البسطاء ” المكتوب مبين من عنوانه” اليست الشجرة الخبيثة لا تنتج سوى ثمار خبيثة؟ الم يخبرنا اهل الذكر ان كنا لا نعلم، بان المقدمات الخاطئة تفضي الى نتائج خاطئة والعكس صحيح تماما؟ واذا تجاهلنا كل ذلك واعتبرناه اسبابا غير كافية لادانته؟ ترى ماذا ننتظر اكثر لاصدار حكم عادل قبل ان نوغل في جراح العراقيين؟ ثم اين هي المنهجية في الوصول الى النتائج الصحيحة؟ اليست هي قراءة الوقائع والاحداث والتاريخ؟ ثم اليست التجربة هي اكبر برهان؟، هل كانت تجارب هؤلاء الاشرار غير سواد الوجه، والنتائج التدميرية التي حلت بالعراق وشعبه على ايديهم؟
لكن هذا ليس كل شيء، فهؤلاء التجار لم يدخروا جهدا لتعزيز محاولاتهم البائسة، فلجاوا الى دغدغة عواطف الناس ومشاعر الكره ضد ملالي طهران، والمليشيات المسلحة المواليه لهم ولحاخامهم الا كبر المدعو اية الله علي خامنئي، جراء ما ارتكبوه من جرائم وموبقات وتدمير وتخريب ضد العراق والعراقيين، فركزوا على الهوى الامريكي للكاظمي، او تصويره كرجل امريكا في العراق. والذي ستكون من اولى مهماته ضرب المصالح الايرانية في العراق. لكن امام الوقائع العنيدة التي تنفي ان الخلافات بين امريكا وايران قد تصل الى هذا الحد، هناك قناعة لدى العراقيين عموما وثوار تشرين على وجه الخصوص، بان التحالف الامريكي الايراني لا يزال قائما، غير ان هؤلاء التجار يستحضرون مقولة سياسية ذات اهمية وصحيحة تماما تقول”ليس هناك صداقات دائمة او عداوات دائمة، وانما هناك مصالح دائمة”. وبالتالي ايها العراقيون دعو الرجل ينجز مهمته. فعصر التعاون الامريكي الايراني في العراق ولى دون رجعة، وان امريكا قد حسمت امرها بطرد ايران من العراق!!!!. في حين ان الوقائع العنيدة تؤكد بان الصداقة بين البلدين لا تزال هي الدائمة.
اما الخلافات التي نشبت بين الطرفين، فهذه ليست جديدة، وانما تجاوز عمرها عقودا من الزمن، لكن سرعان ما تنتهي الى الصلح او التراضي، كما انتهى الخلاف حول النووي الايراني الى اتفاق سمي بخمسة زائد واحد. والان سيجدد هذا الاتفاق وفي القريب العاجل. وهذا حال كل الخلافات التي تحدث بين الحلفاء، في كل مكان وزمان. اما سياسة امريكا بممارسة الضغوط على ايران ومنها الضغوط المؤلمة مثل الحصار الاقتصادي، فهذه الضغوطات لا تصلح لان تكون مؤشرا لنهاية الصداقة بين البلدين، وانما هي بسبب تجاوز الحليف على حليفه، او هي بمثابة رسالة تحذير سرعان ما يستلمها الطرف الاخر وتكون النهاية سعيدة كما يحدث في معظم الافلام المصرية. بعبارة اخرى، والوقائع ستثبت ذلك، فان الكاظمي لن يوجه اية ضربة للمصالح الايرانية في العراق ولا حتى المليشيات المسلحة الموالية لها. بل ليس في نيته ازعاجها او حتى التحرش بها.
ان هؤلاء التجار اذ يروجون للكاظمي ويشجعون العراقيين على منح الثقة له، انما يشاركون في زيادة معاناة العراقيين وهي جريمة لا تغتفر. اذ لا يدخل ما يفعلون في خانة الاجتهادات، التي ان اخطا اصحابها فلهم حسنة، وان اصابوا لهم

حسنتان. ففي البلدان المستقرة او شبه المستقرة لا تترتب اضرار كبيرة او مؤذية اذا فشلت المراهنة على هذه الحكومة او تلك. فكل ما يحدث هو نكوص عن تطبيق برنامج الحكومة وعدم احراز تقدم في مسيرة البلاد، اما في العراق فالامر مختلف تماما. فمنح فرصة لحكومة عميلة وذات ارتباط بمخطط تدمير العراق يعني، فسح المجال امام هذه الحكومة للقيام بمزيد من الخراب والدمار، ومزيد من اراقة الدم العراقي، ومزيد من السرقة والقتل والتهجير وخراب البيوت، ومزيد من انتشار الجوع والمرض والجهل. وبالتالي ليس مسموحا ان نجعل من العراق حقل تجارب خاصة وانها تجارب فاشلة ومميته.
لقد شخص ابناء الثورة الكاظمي وزملائه في جامعة العمالة والخيانة، واصدروا حكمهم العادل بحقهم، ويتلخص باسقاطهم جميعا. لان هؤلاء الاشرار جاءوا خلف الدبابات الامريكية. وهؤلاء هم من اعتبر يوم احتلال بغداد عيدا وطنيا. هؤلاء هم من سرق العراق ودمر مدنه وبناه التحتية وهجر سكانه. وهم من مارس سياسة اذلال الشعب وتجويعه. هؤلاء هم من نشر الجهل بين صفوفه واغرقوا البلاد بالمخدرات وحبوب الهلوسة. هؤلاء هم من ارتكب جريمة قتل الثوار بدم بارد. ليس هذا فحسب، وانما شخص ابناء الثورة مخطط تدمير العراق، وان اية حكومة قادمة ستكون من بين اهم مهماتها، مواصلة تنفيذ هذا المخطط الغادر، كونه لم يكتمل بعد. اي ان حكومة الكاظمي ستكون امتدادا للحكومات السابقة، مهما قامت من اصلاحات ترقيعية مخادعة، او اختلفت عن سابقاتها. بمعنى اخر، فان الكاظمي ومن سبقوه ليسوا سوى دمى وادوات بيد المحتل الغاشم، ينفذون رغما عن انوفهم مخططه، وان هذا المخطط ليس كما ادعوا وروجوا له، بانه تحرير العراق من الدكتاتورية وبناء النظام الديمقراطي والعراق الجديد الذي سيكون منارة مضيئة تهتدي بها دول المنطقة، وانما هي جريمة الهدف منها تدمير العراق دولة ومجتمعا. ناهيك عن ان هؤلاء الاشرار لا يرتجى منهم امل او صحوة ضمير، لان ضمائرهم ماتت وشبعت موتا كما يقال.
لقد اسس المحتل نظاما مبنيا على الفساد وعلى السرقة والقتل والاجرام، نظاما لحمته المحاصصة الطائفية وسداه مليشيات مسلحة عراقية الجنسية وولاؤها للاجنبي، وعلى وجه التحديد لايران. نظاما مخترقا بحدود مفتوحة ليس للدول فحسب، وانما للمنظمات الارهابية، وعلى راسها منظمة داعش الاجرامية. بل ولكل من هب ودب. نظاما لا يتم تعيين كل مفاصله من رئيس حكومته ووزرائه ومدرائه العامين وقضائه ومفوضياته ولجانه المستقلة الا باوامر امريكية وايرانية. نظاما تباع فيه المناصب وتشترى. نظاما ينخر الفساد في كل ركن فيه وفي كل باب منه. والاهم من ذلك ان المحتل الامريكي لا يريد تدمير العراق وحسب، بل اذا كان بامكانه قلع العراق من الخارطة ودفنه في البحر لفعل ذلك. اما وصيفه الايراني فعداؤه التاريخي للعراق معروف للقاصي والداني. فهو يكره اسم العراق والساكن في ارضه، يكره حتى الائمة الاطهار لانهم مدفونون على ارضه الطاهرة؟ بعبارة اوضح ان المحتل الامريكي لم يات الى العراق محررا كما ادعى ولم يهدف الى تحقيق نظام ديمقراطي وبناء عراق جديد كالجنة التي تفيض لبنا وعسلا، او على الاقل شبيه، كما قالوا، بالمانيا او اليابان. وانما اثبتت الوقائع بانه جاء لتدمير العراق دولة ومجتمعا والفرس وجدوا في هذا الاحتلال فرصتهم لتدمير هذا البلد، وهذا ما يفسر صلة الرحم التي لن تنقطع بين امريكا وايران.
وفي كل الاحوال، فان المراهنة على امريكا لان تكون المنقذ، هي مراهنة معيبة ومشينة. فامريكا هي من دمرت العراق وهي من سمحت لايران ان تعبث بمقدراته، وهي التي سمحت لدول الجوار بالتطاول عليه. ولا يوجد مخلوق على الارض يجبر العراقي على الخيار بين امريكا وايران، وايهما اسوا او افضل، او يبتزه بمقولة عدو عدوي صديقي. فكلا البلدين اعداء العراق. خاصة وان للعراقي الان خيارا ثالثا دون الاثنين، وهو خيار الثورة العراقية العظيمة التي لا تزال نيرانها متقدة، وستكنس كلا الاحتلالين وعملاءهما واتباعهما ومريديهما، بقيادة شباب العراق وشاباته. هذا هو الحل الذي سيفرض نفسه وسيتحقق عاجلا ام اجلا وسيجر تجار مصطفى الكاظمي اذيال الخيبة والفشل.