في موروثنا الشعبي ، أمثلة تحض على الكسب، لكنها استخدمت في غير محلها، لتصبح رديفة للنصب والإحتيال، من ذلك، “التجارة شطارة”، و”الرجال اللي يعبي بالسكلة رقي”، مصري، سوري، ياباني، لايهم.
لاشك أن أي عمل يحتاج الى “شطارة”، بشرط أن يكون مصدره حلالاً، غير أن إغراءات المادة، تفقد خاصية التحري لدى بعضهم، فيرى أن كل شيء مباحاً للتكسب، مادام القانون لا يحاسبه عليه.
التجارة عمل مباح، لايختلف عليه إثنان، ومن حق أي شخص أن يتخذها مهنة له، سواء تاجر جملة، أو تجزئة، صاحب وكالة تجارية، أم بسطية، لكن من غير الممكن أن يكون من بين المعروض للبيع والشراء، مخدرات، أو أسلحة خفيفة أو ثقيلة أو متوسطة، أو أدوية تباع في محل تجاري، أو على الرصيف، ناهيك عن أدوية ممنوعة التداول في الأسواق، مثل الأدوية المسربة من المستشفيات والعيادات الشعبية، أو تجارة رقيق أسمر أو أبيض، أو غسيل أموال.
ونستل من واقعنا مبيعات أخرى، منتهية الصلاحية، أو غير صالحة للإستهلاك البشري، أو فاسدة، أو ملوثة بمواد إشعاعية، لكنها غزت أسواقنا المحلية، تحت عنوان ” التجارة شطارة”، بعد أن أجيزت بختم الدولة، وأجهزتها للفحص والتقييس، على قاعدة ” آني هص وانت هص ونقسم بالنص”.
أشكال أخرى من التجارة، القانون يجيزها، أولايحاسب عليها، لكنها لاتقل ضرراً على المجتمع، إذا أسيء إستخدامها، مثلاً ” التعليم التجاري”، بشقيه الدروس الخصوصية، والمدارس الأهلية، فهو مباح، لكن تحول الى وسيلة ربحية تستهدف العقل البشري للأجيال من جهة، وتؤثر سلباً في بنائهم العلمي والتربوي من جهة أخرى، لذا نرى في بعض الدول المتقدمة كـ ” فنلندا” تمنع تحويل المدارس إلى مؤسسات ربحية، لأنها تدرك خطورة المتاجرة بعقول الأجيال، فيما تفتح مثل هذه التجارة أبوابها على مصاريعها في بلادنا، من دون رقيب أو حسيب.
الطب، لم يعد الآخر رسالة إنسانية، لتخفيف الألم عن المرضى، إنما أخذ يتعامل مع المريض كـ “سلعة تجارية”، سواء في العيادة الخاصة، أو المستشفى الأهلي، ولاسيما بعد أن دبّ الفساد، والإهمال، والتقصير، في المستشفى الحكومي، وبات المريض فيه أشبه بعالة عليه، وبالتالي فرض الخاص خياره، لممارسة الطب من منظور تجاري، ومن لايملك ثمن التداوي والعلاج، عليه أن يقف في طوابير الإنتظار لدخول ردهة المستشفى الحكومي، أو ثلاجة الموتى.