23 ديسمبر، 2024 8:16 ص

جاء في مقال تحت اسم مستعار (مصطفى الهادي) بعنوان (تثوير الناس احد الطرق لمحاربة الحوزة العلمية. مع الشيخ اليعقوبي في خطابه الأخير)، في موقع (كتابات في الميزان)، ورأيت أنه من المناسب أن نقف مع هذا المقال المجلسي المعتاد (أي على طريقة المجلس الأعلى التابع لعمار الحكيم)، إذ أن الكاتب هو أحد شخصيات هذا المجلس ويتخذ نفس الأسلوب المعتاد لهم.
بداية : من هو المرجع الديني؟، بمعنى ما الذي يجعل شخصاً ما يتصف بهذه الصفة ويحمل هذه المرتبة؟، وكالمعتاد يأتي الجواب الطبيعي أنه الشخص المسلم الذي بلغ رتبة الاجتهاد في العلوم الدينية الأساسية أي الفقه والأصول، وبدرجة معتد بها بباقي العلوم كالعربية والتفسير وما إليها، وهذا الجواب ليس بصحيح قطعاً، إذ إن كل ما ذكر عبارة عن علوم إنسانية يمكن أن يدرسها ويبرع فيها الديني واللاديني، بل ونجد أن عدداً ليس بالقليل من المستشرقين والملحدين لهم إلمام بهذه العلوم أو بعضها، إلى درجة قد تكون في بعض الأحيان تتجاوز العالم الديني المؤمن.
ولو سألنا مرة أخرى من هم مصاديق المرجع الديني في هذا اليوم، وتحديداً في النجف الأشرف؟، يكون الجواب المعتاد هو : المراجع الأربعة المعروفون، باعتبارهم من علماء الدين الذين بلغوا رتبة الاجتهاد منذ دهر من الزمن وأصبحت الشيعة تدين لهم بالتقليد والاتباع والانقياد.
ولكن بما أننا اعترضنا بوجاهة على تفسير مصطلح (المرجع الديني) فليس أحداً من هؤلاء الأربعة مرجعاً ما لم يتصف بصفات أخرى تجعل منه : أولاً (مرجعاً)، وثانياً : (دينياً). أي أن الدين هو المائز والصفة والمناط في هذا المصطلح.
فما هو الدين؟، طبعاً هو عقائد أولاً وبالذات، ومن ثم فروع وأحكام بدرجة أقل، وهذا واضح من خلال معرفة أصول الدين وفروعه عن الشيعة، فالأصول هي العقائد القلبية التي من آمن بها واعتقدها فهو مسلم، وأما الفروع فتاركها آثم، ولكنه يبقى مسلماً.
وركيزة ومصدر العقائد الأساسية هو القرآن الكريم دون ريب، فما وافق الكتاب فهو الحق وما خالفه فلا قيمة له.
وأعتقد أن القرآن الكريم واضح في دلالاته على أن العقوبات الإلهية على أمة ما تنتج من أعمالهم السيئة وإصرارهم عليها، ورفضهم لما جاء به الأنبياء من شرائع، كما في قوله تعالى (ذَلِكَ أَنْ لَمْ يَكُنْ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا غَافِلُونَ، وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُون). الأنعام 131 ــ 132.
وقوله : (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آَمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ، أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتًا وَهُمْ نَائِمُونَ، أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ، أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ، أَوَلَمْ يَهْدِ لِلَّذِينَ يَرِثُونَ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ أَهْلِهَا أَنْ لَوْ نَشَاءُ أَصَبْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَنَطْبَعُ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ، تِلْكَ الْقُرَى نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَائِهَا وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا بِمَا كَذَّبُوا مِنْ قَبْلُ كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِ الْكَافِرِينَ، وَمَا وَجَدْنَا لِأَكْثَرِهِمْ مِنْ عَهْدٍ وَإِنْ وَجَدْنَا أَكْثَرَهُمْ لَفَاسِقِينَ). الأعراف 96 ــ 102.
فالعقيدة القرآنية تبين بما لا يقبل اللبس أن الأمم متى ما آمنت حلَّت عليها البركات، والعكس في حال الجحود والرفض.
كما أن القرآن يؤكد (فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره، ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره)، ولعلنا اليوم نرى بوضوح ما يحصل في الفئات التي ناصرت صدام في مذابحه وقمعه ضد الشيعة، فقد عادت الكرة عليهم أضعافاً مضاعفة، وكل دم سفكوه وكل حجر هدموه دفعوا ثمنه، وهاهو بشار الأسد الذي ذبح مئات الألف من الشيعة عبر مرتزقته من البعثين والارهابيين خلال أربع سنوات بعد سقوط صدام، يدفع اليوم الثمن أضعافاً مضاعفة، وكل دول الجوار قامت بتدمير ممنهج للعراق، وستدفع مستحقاتها الواحدة تلو الأخرى.
والآن هل هذه المرجعيات الأربع هي فعلاً مرجعيات دينية؟. بالتأكيد هم ليسوا كذلك، فهم لا يؤمنون بالقرآن عملياً إطلاقاُ، وإنما أصبحوا مجرد مكاتب سلطوية مهمتها جمع الأموال وتوسيع النفوذ، وليس في عملهم أي علاقة بالله أو بالقرآن أو بأئمة أهل البيت. باستثناء الشيخ الفياض المغلوب على أمره والذي نعتذر نيابة عنه لظروف التقية التي يعيشها في ظل إرهاب المرجعية العليا وتسلطها.
وشاهدنا الوقوف بوجه قانون الأحوال الجعفري، من قبل ما تسمى بالمرجعية العليا وولده الأعلى، وخطاب المرجع اليعقوبي الأخير، حيث صرَّح سماحته أن ما نعانيه اليوم نتاج رفض القانون، الذي هو دون ريب قانون محمد وآله، وبما أننا نتحدث من داخل النص الديني، فالنتيجة الطبيعية حسب القرآن أن رفض التعاليم الدينية ينتج عنه ردة فعل إلهية، كما هو واضح القرآن، كما ذكرنا، بالتالي لم يكن المرجع اليعقوبي يتكلم من عندياته وإنما بصفته مرجعاً دينياً، يؤمن بالقرآن ككتاب منزل من الله، ولكن نجد مسميات المرجعية يرفضون، لأنهم بكل صراحة لا يؤمنون بقرآن أو بدين أو مذهب، وأنا لا أحمل على الملحد أو اللاديني أو المتسيب، لأن هؤلاء ينطلقون من عقائدهم أو رغباتهم، ومعظم هؤلاء اتخذوا عقيدتهم الجديدة ليس لأنها مرتكزة على أسس علمية أو فكرية، وإنما كردة فعل على السلوك الخاطئ والشائن للمؤسسات الدينية التقليدية، بالتالي هم من ضحايا المرجعية العليا وغيرها من الحركات السياسية التي اتخذت الدين كغطاء ووسيلة.
نذهب الآن الى مقال مصطفى الهادي حيث جاء فيها : (ولكننا ومنذ أن جاء البعثيون للسلطة رأينا تسللا واختراقا للحوزة عن طريق بعض ضعاف النفوس من الشيعة ممن باع آخرته بدنيا حيث كان هناك استعداد من قبل فئة وصولية لا تهمها مصالح الاسلام والمسلمين بأن تلعب دور المرجعية لضرب المرجعية .وكانت الحوزة العلمية على وعي من ذلك ، ولكنها كانت تحت ضغط شديد وخطر داهم من مصاديقه اعدام وتهجير الألوف من طلبة الحوزة وعلمائها آنذاك.
في هذه الفترة الحرجة ظهر (متمرجعون) أحداث لم يدرسوا سوى بضع سنوات أعلنوا فيها مرجعيتهم ، وطرحوها بدعمٍ من النظام البعثي الدموي وتبعهم بعض بسطاء الناس حبا منهم لمراجعهم ودينهم ومذهبهم .
من علامات هؤلاء المتمرجعون انهم يشنون الحملات التسقيطية على الحوزة من دون سبب، ويُضخمون الامور ويُحاولون تثوير الناس على الحوزة وخصوصا مراجعنا العظام.).
وهذا الاسلوب معروف من قيادات حزب الدعوة خارج العراق أيام نظام صدام وكذلك وأتباع المجلس الأعلى بقياداته المتعددة، حيث صدموا ببروز مرجعية الشهيد الصدر الثاني، ورأوا أن البساط يسحب من تحت أقدامهم، فشنوا عليه حملات حقيرة تزعمتها قيادة المجلس الأعلى وذيوله والكثير من قيادات حزب الدعوة وغيرهم، والعديد من المتصدين للمرجعية، ومن أهمهم، طبعاً، مكاتب ووكلاء السيستاني داخل وخارج العراق، وملخصه أن صدام هو الذي جاء بالشهيد الصدر الثاني ودعم مرجعيته في قبال الآخرين وخاصة السيستاني، واعتقد أني قد أشبعت هذا الحديث حديثاً، وأثبت الزمن أن نظام صدام هو أقرب الأصدقاء إلى المرجعيات الأخرى وحافظ على وجودها حتى أيامه الأخيرة، أما حكاية أن سنوات قليلة هي مدة دراسة مرجعية الصدر الثاني والشيخ اليعقوبي، فهذا ليس بضار، خاصة أن المدة التي يقترحها ويدعيها مؤيدو السيستاني ومن كان قبله أقل بكثير من المدة التي قضاها الصدر واليعقوبي، فالسيستاني نال مرتبة الاجتهاد حسب زعمهم بعد عشر سنوات من حضور الدرس في النجف الأشرف، فما يقال هناك يقال هنا، والمناط هو القيمة العلمية لا غير، ويا حيذا لو أطلعنا مصطفى المجلسي هذا على التأليفات العلمية الفذة للسيستاني حتى نرى، ولكن هذا التافه وأمثاله يراهنون على جهل المجتمع فينسجون الخرافات حول معرفة السيستاني بعلم الفلك وغيره من الخوارق، ناهيك عن اللقاءات المتواصلة مع الامام المهدي والذي قام باختيار السيستاني دون غيره لنيابته، والى غير ذلك من المهازل.
وأصبح الدين عند هؤلاء مطية لكسب المكاسب الدنيوية، ويبدو أن القراء سريعاً ما ينسون فلو عدنا إلى السنة الماضية لتذكرنا التحشيد الذي كانت هذه الكيانات البائسة تقوم به لزج شباب العراق في محرقة سوريا، بعنوان أن السفياني ظهر في سوريا وأن علينا أن نواجهه، وطبعاً أنا أعني هنا جلال الدين الصغير وغيره من الذين يسوقون بالشباب الى المحرقة بينما يجلسون متكئين على سرر موضونة، وعندما اتضح أن لا سفياني يقدم من سوريا صرَّحوا البعض بكل غرابة (أن القدر قد تغيَّر)، أي أن السفياني قد أصبح من القدر المخروم وليس المحتوم، وأن إدخال الشيعة في فتنة الشام غيَّر من القدر فلا سفياني بعد اليوم. إن هذا الأسلوب ليس جديداً عليهم فلطالما كرَّسوا الدين لأغراضهم السياسية والشخصية، ولكن ربك بالمرصاد، وما علينا سوى أن نراقب ما سيحل بهذه الكيانات والبلدان التي دمرت العراق، وهي تسحق الواحدة تلو الأخرى.
أما حديث هذا المجلسي عن تعاون الحوزة عبر تاريخها لمواجهة المخاطر فهو محق ولكن في الجهة الأخرى، فقد تعاونت هذه الحوزة بامتياز في إسقاط السيد الشهيد محمد باقر الصدر وتسليمه لقمة سائغة لصدام، وهلم جراً، أما ما ذكره عن تطبيق إيران لقانون الأحوال الجعفري بالتالي ما هو تفسير الزلازل التي تقع فيها والتي يذهب ضحيتها عشرات الآلاف، فيبدو أنها يرى أن الإيرانيين ملائكة وهذا لا يقول به نفس الإيرانيين، كما أن عليكم أن تجدوا مخرجاً لأنفسكم بهذا الخصوص، أي عن أسباب الكوارث التي تقع هنا وهناك، ونحن لسنا ملزمين بالبحث عن العلل، وما علينا من تكليف سوى أن نقرأ القرآن وسنعرف أن هناك مشكلة استحقت عليها الأمة الفلانية البلاء الفلاني.
وعلى هذا وأمثاله أن يسألوا مرجعيتهم عن سبب رفضها للقانون الجعفري، وأن تجيب هذه المرجعية بوضوح وليس من خلال الوكلاء أو المعتمدين، إذ عودتنا هذه المرجعية أن تكلف أتباعها بالإجابة فإن كانت النتائج إيجابية كان الفخر والعز وإنقاذ الأمة الإسلامية بفضلهم، وأما إذا كانت النتائج سلبية فسيتبرأون من القول والقائل، ويسترضون معتمدهم بمبلغ أو منزل أو سيارة حديثة وغيرها.
وأما قوله أننا نشن حملات تسقيط ضد مرجعيته العليا، فنذكره بحملات مرجعيته هذه ضد الشهيد الصدر الثاني، والتي لم يتركوا رذيلة أو منقصة إلا وألصقوها به. ونسأل : هل قلنا حتى هذا اليوم قولاً باطلاً ليس فيهم، وهل افترينا عليهم، وهل طعنا في ما ليس بهم؟. طبعاً لم ولن نفعل، لأن هذا هو المائز بيننا وبينهم، فعندما قلنا إنهم لصقاء النسب أتينا بالدليل، ولم يأتوا برد، وعندما قلنا أنهم حلفاء الاستعمار أتينا بالدليل تلو الدليل وليس آخرها تكريمهم بمبلغ مئتي مليون دولار، والتي اعترف بها رامسفيلد وزير الدفاع الأمريكي الأسبق، وهكذا في كل ما قلناه فهو حق، وفي كل ما قالوه كاذبون آثمون يتجاوزون كل الحرمات.
وأخيراً هل هدفنا هو التثوير، فنجيب نعم والله تثوير وتنوير، كما كان أمير المؤمنين وأبناؤه الطاهرون يثورون وينورون، حتى اليوم الأخير، ولا يظنن شذاذ الآفاق ولقطاء الاستعمار البريطاني والأمريكي هؤلاء أننا صمتنا عن جبن أو كلالة، ولكنه صبر الحليم العالم، وسنكون لهم بالمرصاد حتى آخر أنفاس الحياة، والله من وراء القصد.