23 ديسمبر، 2024 10:23 م

تتحرك مراجل الهجرة  السكانية حين تنطفئ مواقد حقوق الانسان..

تتحرك مراجل الهجرة  السكانية حين تنطفئ مواقد حقوق الانسان..

في هذه الايام تحوّل دم وغذاء الاعلام العالمي إلى محاكاة قضايا الهجرة والمهاجرين .
تذكرتُ، بألم شديد، كما تذكّر كثير من الناس ، في كل مكان،   ميراث الفيلم السينمائي الشهير (تايتانيك) المرادف لأحلام المهاجرين الايرلنديين إلى أمريكا ، في بداية القرن العشرين،   وهم يعانون في المحيط الاطلسي وضعية إنسانية حرجة في الصراع ضد الموت عندما آلت الباخرة الى الغرق.  إنه واقع متجدد بالنسبة للشبان العراقيين والسوريين، الذين عبرت عنهم حادثة غرق  الطفل السوري ايلان والطفلين العراقيين حيدر وزهراء ومئات آخرين . هذان الحادثان جعلا البعض من الكتّاب العراقيين،  في هذه الايام ، يجد في (الهجرة) معنى من معاني الدخول إلى مسافة مضاعفة  توصل صاحبها إلى  (المجهول). لكن آلاف المناظر الهادئة ،الطيبة ، لثلاثمائة الف إنسان وصلوا سالمين الى (المعلوم) أي إلى  بلاد الغرب الآمنة المليئة بالخضرة ، بعد اجتيازهم عواصف البحار والأسلاك الشائكة النازية  الهنغارية  لتصبح  من التجارب الانسانية ذات المزاج العاطفي الديناميكي،  يتعلق به آلاف الناس من سوريا والعراق وغيرهما من البلدان لممارسة تجربة الهجرة ذاتها رغم أنها  معقدة .

صارت (الهجرة) إلهاماً لآلاف الشبّان العراقيين،

صار أمل الحصول على حق اللجوء السياسي والإنساني رسماً كبيراً ملوّناً في عيون وقلوب الضائعين ببلدهم،

صارت (المغامرة) نموذجاً محمولاً في عقول الشبان عبر البحار الهائجة،

صار جزء كبير من الأحلام الإنسانية العربية بسبب التصرفات  الاسلامية، السلطوية والفقهية، دافعاً  لمغادرة  الناس أرض الحضارة و الرسالات والانبياء والمصلحين الموحدين إلى ما يستحسنونه من رؤية أو سماع قول الآخرين عن بلاد الله الغربية ، التي تحوّلت بزمن قصير إلى أرض ودول وشعوب تحمل علامة التاريخ الجديد و تتصف بقدر كبير من العدل والسلام والحرية التي حملت شعرية دوستويفسكي وبرتولد برشت وجيمس جويس وغيرهم كي تكون اعمدتها    مهيأة لاحتضان الهاربين من أقدار بلدان الله  الشرقية  .

لماذا  لا يتبصر الحكام العرب المسلمون أعماق هذه القضية..؟  لماذا لا يدققون في ازماتهم الدافعة لأبناء وبنات شعوبهم لمغادرة بلدانهم..؟ لماذا لا يعترف الحاكمون بالتدهور الشامل، الذي احدثوه بالمجتمع والدولة..؟  لماذا لا يفكرون بسخرية الشعب بهم من خلال الرسوم الكاريكاتيرية للفنانين (خضير الحميري وفيصل لعيبي و عبد الرحيم ياسر وسلمان عبد وغيرهم) ،  التي تشكل مرجعاً يخاطب الضمير الحاكم في بلادنا ..؟

لماذا يطمح  الناس الشرقيون إلى تحقيق نصرهم عبر الهروب من بلاد التاريخ القديم الى بلدان التاريخ الجديد المصنوع من الناس الغربيين ..؟

هذه هي الأسئلة  الشاغلة لملايين الناس في الشرق والغرب..

صار واضحا عندي من خلال متابعتي للقنوات التلفزيونية العراقية كافة، في خطاباتها وبرامجها ومناقشاتها ، حول قضايا الهجرة الواسعة الجديدة من الشرق العربي – الاسلامي إلى الغرب الديمقراطي – العلماني تقوم على تحليلات متخلخلة غير موضوعية أو غير متزنة. كما لاحظتُ أن بعض المسئولين من قادة أحزاب ،ووزراء، ونواب وغيرهم يتحدثون عن هجرة العراقيين والسوريين والأفغان والألبان وغيرهم ،من بلدانهم الاسلامية، راكبين أخطار موجات البحار وطقوس الوديان الصعبة، بينما هؤلاء المسئولين لا يملكون سوى رؤية شكلية قصيرة النظر، يتمنون بها إنقاذ مسئوليتهم عن خلق الاسباب الحقيقية لظاهرة الهجرة.. انهم يتنازعون على قراءةٍ ناقصةٍ  متعمدة لا تؤدي، لا للتعرف على تلك الاسباب، ولا لاكتشاف حلولها..  انهم يجهلون تماماً،  ليس فقط اسباب الهجرات الانسانية،  بل يجهلون حتى خاصية القوانين والمبادئ الدولية حول قوانين كثيرة أعدت من قبل هيئات دولية مثل عصبة الامم وهيئة الامم المتحدة.  لذلك وُجد بعض السياسيين العراقيين في النظام العراقي الحالي يتفيقهون بتأويل وتفسير اسباب الهجرة بأنها جزء من مؤامرة (امريكية – اسرائيلية)  لتفريغ الدول الاسلامية من الطاقات الشبابية والكفاءات العلمية ونقلها من (الشرق) إلى (الغرب) وغير ذلك من نماذج إيقاعات سياسية ذات صيغ مجهولة النسب عن واقعٍ  اعتمده سياسيون او قادة فاشلون من دون استشهادات واعية،  بل هي إحالة مستمرة بجهل الحكام العرب وافعالهم الدكتاتورية أو البيروقراطية المفجرة لحركية هجرة الناس وهروبهم للبحث عن مكان عيش آمن .

اكبر واعظم الهجرات هولاً وحجماً كانت قد  جرت في القارة الاوربية ذاتها في فترات اعقبت الحروب النابليونية 1792 – 1815 وكان اعظمها عام 1848 بعد ثورات ذلك العام حيث قام كارل ماركس بتحليلها على وفق عقل نموذجي متيسر ومقبول. كما كانت هناك هجرات كبرى نتيجة محاولات دول رأسمالية عظمى دول المحور في السيطرة على العالم ابتداء من عام 1914 التي بدأت بالحرب العالمية الأولى مستمرة حتى عام نهاية النظام الهتلري بسقوطه واندحاره العسكري عام 1945.

من المؤسف أن غالبية الحكام  في الدول العربية والاسلامية لا يعرفون اسباب الهجرات القديمة والكلاسيكية وبإمكاني  التأكيد ،ايضاً،  انهم لا يعرفون مسئوليتهم وممارساتهم  المؤكدة للهجرات المعاصرة . إنهم  لا يملكون نظرية تحليلية تسمح لهم مراقبة مسار وتأثير (التخلف الاقتصادي)  وتفشي ظاهرة (البطالة) في مجتمعات مغلقة.  ليس في رؤياهم غير (تصورات مسبقة) و(بدائل غائبة) جعلتهم يقاومون كل تجديد اقتصادي، كل تجديد اجتماعي،  كل تجديد فكري. جلّ لذتهم في الحكم انهم يؤسسون لتوليفات حياة لا يؤمنون هم انفسهم بها، هي حياة ما بعد القبر .  لم يدركوا ،حتى الآن، أنهم مجموعة خالقة لحالات التشرد والعطالة والبطالة والمرض والخوف  والأميّة في بلدانهم ، التي يقودونها،  مما اوجد ، بالتالي، كل الظروف  لدفع الناس المضطهدين إلى البحث عن (وسائل الهجرة) ، الشرعية وغير الشرعية،  الى البلدان الغربية، أي محاولة المواطنين لنقل حياتهم من (الفوضى) إلى (الاستقرار) ،من (الجهل) الى (العلم) ، من (الخرافة) إلى حياة ( ما قبل القبر) ، من (المرض) الى (الصحة) ،من (الخنوع) الى (الكرامة) ،من (اليأس) إلى (الأمل).

يذكر التاريخ الإنساني المدوّن أن كثيراً من أزمان وعصور (اكتظاظ السكان) في هذه المنطقة او تلك ،  في هذا البلد او ذاك،  كان  (الضغط الاقتصادي) الدافع الرئيسي الأول الى حركات انتقال السكان من دولة الى دولة ومن قارة الى قارة بسبب الحاجة الموضوعية الدافعة الى تعديل جذري في الوضع القائم . جرى هذا التحرك الانساني منذ آلاف  بعيدة وقريبة من السنين،  كما أن التاريخ القديم والحديث ينبئان، أيضاً،  أن (الضغط السياسي) يؤدي إلى البحث عن آفاق اللجوء السياسي من بلاد القمع والبلبلة الفكرية وابقاء دور المرأة للمعاشرة الجنسية ولفضيلتها اللائذة بالدموع  فحسب، إلى بلاد العمل والحرية والتفاؤل البطولي في المستقبل الفردي (الرأسمالي) والمستقبل الجماعي ( العدالة الاجتماعية)  في مجتمع يؤمن بكرامة المرأة وبالفضيلة اللائذة بالحق والعدل والحرية.

في كل مشهد افتتاحي لقضايا الهجرة والمهاجرين نرى نوعين من التنقلات السكانية المهاجرة:  (طوعي) وآخر (قسري)  رغم أن التاريخ يؤكد أن الهجرات الواسعة النطاق لا تجري (طوعاً) بل (قسراً) في مجملها وأن المبدأ المؤسس والمغذي للهجرة والبحث عن مكان اللجوء الانساني الآمن يخضع في الحالين لافتراضات ودلالات قسرية .

 

في بلادنا نلاحظ منذ عام 2003  تزايد الهجرة مع تنوع اسبابها الاقتصادية والسياسية ، خاصة بعد  سيطرة قوات الدولة الاسلامية الارهابية الجديدة  (داعش) على محافظات نينوى والانبار وصلاح الدين وغيرها ، بسبب انقطاع  صفاء العيش فيها ، بعد تحوّل اراضيها وحقولها وانهارها ومبانيها  إلى ساحات حرب واسعة، ربما تكون نوعاً من حربٍ تساهم فيها قوى عالمية عديدة.

هذا الوضع وما يتحكم فيه نوع خاص من السلطة الحاكمة لا تخلو من وجود ازهار سياسية غريبة مرصعة في أدمغة أجزاء منها  بنوع ما من انواع الانتحال السياسي، القائم على الأحكام والقرارات والاجراءات المتناقضة،  التي أدت الى نوع من (الهجرة الداخلية) حيث يعيش الآن قرابة 3 ملايين عراقي في سياقٍ مؤلمٍ من حياةٍ مزريةٍ يصعب فيها حتى غسل ملابس الاطفال . كما أذت الى اختيار فئات اخرى من الناس  مغادرة أرض طفولتهم بــ(الهجرة الخارجية) بمعنى أن الهجرتين الداخلية والخارجية هما قسريتان،   هما هجرتان لا يستطيع جهاز الأمن الوطني العراقي ولا أحزاب الإسلام السياسي ادراك اسبابهما ولا معرفة  أساليب معالجتهما بسبب قصور نظريتهما ورؤيتهما في فهم حركة التاريخ المعاصر في العراق الجديد، الكاشف عن طموح حقيقي للعيش في ظل نظام ديمقراطي حقيقي. إذ من دون نظام ديمقراطي حقيقي يظل اختزال قضية الهجرة مجرد تواطئ مع (الميلشيات الوقحة) التي تبعث الخوف والسأم في حياة العراقيين داخل وطنهم لتدفعهم إلى خارجه. 

في كل الدنيا بالزمان المعاصر وفي دنيا العراق، أيضا، يريد الناس أن يعيشوا في ظل أوضاع يتوفر فيها:

1 – الاستثمار الأمثل للموارد الطبيعية الموهوبة في ارض الرافدين حيث تكرس جميع الطاقات البشرية لتحقيق التقدم.

2 –  السلم الاجتماعي والسلم الفردي.

3 – حب العيش والبقاء في جو من الحرية، الفردية والعامة.

4 – صنع القرار العام بالطرق الديمقراطية .

5 –  حق المرأة في الحرية والكرامة وضمانه وفق الاصالة الإنسانية .

كنت اكتب هذه السطور ثم اضطررت للتوقف عند اصغائي الساعة الرابعة عصر اليوم 24 – 9 – 2015 لخطاب بابا الفاتيكان داخل الكونكرس الامريكي. كان الخطاب قمة من قمم الأدب العالمي.. كان الخطاب علامة من علامات النموذج الانساني بلغة الحداثة المتقدمة بإتقانٍ تام  حول قضايا عالمية جديدة منها (العنف) و(الحرب) و(تجارة السلاح)  وقد وجّه رسالة إلى أوربا وامريكا لمنح موجة النزوح من بلدان العنف والحروب والسلاح إلى بلدان أوربا لاستقبال النازحين بكل ما هو طبيعي من الاجراءات الضرورية مستخدما كل جماليات الكلام الكلاسيكي الطيب،  واضعاً رؤاه بمقصدية محددة تحديداً انسانياً دقيقاً. 

يقال كثيراً  أن الهجرة الحالية تحاكي الكثير من الهجرات السابقة ، تستنسخ عنها مثال التجاوز على إنسانية الإنسان ، بفعل ظلم السلطات الحاكمة ،حيث سياساتها تخرّب البلدان وموارد العيش والحياة . كما أن كل الهجرات الإنسانية الكبرى في التاريخ القديم لها علاقة مباشرة بانهيار انظمة الحكم السلطوية، كما هو الحال الناتج عن سقوط الامبراطورية العثمانية في الشرق ، وسقوط الامبراطورية  النمساوية – الهنغارية، و الامبراطورية الهتلرية في الغرب، وأخيراً سقوط الاتحاد السوفييتي والدول الاشتراكية الأخرى. ربما هذه الانواع كلها من سقوط الامبراطوريات غير معروف من قبل حكامنا ، الذين راحوا يزكون أنفسهم على وفق (نظرية المؤامرة) ضد العراق.

الحكام العراقيون الحاليون وكثير من النواب والسياسيين يجهلون ،تماماً،  أن مبادئ الاعلان العالمي لحقوق الانسان غير المطبقة في بلداننا هي الاساس القانوني والانساني في تعامل الدول الغربية مع قضايا الهجرات العربية والاسلامية الباحثة عن مكان عيش آمن.. لا يدركون أن ألمانيا والنمسا والسويد وهولندا وغيرها ليست دولاً (متآمرة)   على العراق وسوريا، كما يظن او يدعي حكام هذين البلدين، بل ان انجيلا ميركل وملك هولندا ورئيس فرنسا يعرفون تمام المعرفة الافتراض والهدف الإنسانيين الواردين في المادة 3 من الاعلان العالمي لحقوق الانسان، حيث ينص أن لكل إنسان حقه بالحياة والحرية والسلامة الشخصية. كما أن حكامنا العرب المسلمين لا يعرفون قيم المادتين 13 و14 من الاعلان العالمي لحقوق الانسان اللتين نصتا  على (حق كل انسان  أن ينتقل بحرية من مكان إلى آخر على ارض دولة من الدول الاخرى وأن يختار فيها محلا لإقامته). و(لكل انسان الحق أن يغادر أي بلد بما في ذلك بلده وأن يعود إليه متى شاء ) . و(لكل انسان الحق أن يلجأ إلى البلدان الأخرى وأن يتمتع بها ملاذاً من الاضطهاد في بلده). أقول بهذا الصدد أنني منذ لجأت إلى هولندا حتى الآن فأن حالي مثل حال آلاف اللاجئين العراقيين نتمتع بجميع حقوق المواطنين الهولنديين، بما فيها حق العمل والتعليم  والانتخاب والترشيح .

كما نصت المادة 22 أن لكل إنسان الحق بالتأمين الاجتماعي وفي الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، التي لا تستغني عنها كرامته ونمو شخصيته نمواً حراً. للعلم أن اللاجئين العراقيين في هولندا يتمتعون بهذه الحقوق وقد انتظموا في جمعيات ثقافية واجتماعية تحمل اسماء عراقية خالصة( جمعية عشتار ، جمعية أور، جمعية آشور، منظمة بابل ، جمعية أكد ، جمعية الرافدين ، جمعية البيت العراقي ، وغيرها ) حتى أن مؤسسة خاصة من مؤسسات السيد علي السيستاني تنهض بصفة خيرية بعنوان (الكوثر) في قلب مدينة لاهاي حيث تقوم بأعمالها الخيرية والثقافية والدينية على طريقة النحلة الحرة الطائرة بأجنحة ذهبية لكن في دولة علمانية من الدرجة الأولى .

أنا شخصياً، اتمتع ، الآن ، بسبب ظروفي الصحية الخاصة  بخدمات اجتماعية وصحية وثقافية  تقدمها لي 9 منظمات حكومية ومدنية. هذا هو واقع جميع العراقيين العائشين في هولندا غير الإسلامية حيث القانون هو الحاكم والباني والموحي بالبناء وعدالة الحياة .

في الحقيقة أن الدور الدولي من أجل مساعدة اللاجئين كانت قد بدأت قبل الاعلان العالمي لحقوق الانسان الصادر عام 1949 فقد كان (مجلس عصبة الامم) قد اصدر قراراً عام 1921 لمعالجة قضية اللاجئين الروس الواسعة النطاق بعد قيام ثورة اكتوبر عام 1917 ، وفي عام 1924 امتدت الرعاية الدولية لقضية اللاجئين الأرمن وفي عام 1928 امتدت رعاية شئون اللاجئين بتوسيعها لتشمل اللاجئين التشيكوسلوفاكيين والنمساويين.

ثم بدأت عملية وضع مجموعة من القوانين والاتفاقيات والمبادئ التفصيلية والتوجيهية، التي تستهدف حماية اللاجئين  يوم 25 يوليو/تموز 1951، عندما وافقت الجمعية العامة للأمم المتحدة على الاتفاقية الخاصة بوضع اللاجئين.

ركزت هذه الاتفاقية على خمس نقاط اساسية:

(1)            تعريف من هو اللاجئ.

(2)            نوع الحماية القانونية التي يحتاجها اللاجئ الانساني.

(3)            نوع الحماية التي يحتاجها اللاجئ السياسي

(4)            الحقوق الاجتماعية الواجب توفيرها من قبل الدولة المضيفة.

(5)             المساعدات المالية والثقافية والسكنية الواجب تقديمها.

بدأت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين عملها في الأول من يناير/كانون الثاني 1951، وأثناء العقود الخمسة التالية، ظلت هذه الاتفاقية تشكل أساس الجهود التي تبذلها المفوضية من أجل توفير المساعدة والحماية لما يقدر بـ 50 مليون لاجئ. تعرف الاتفاقية المقصود بلفظة “لاجئ”. وتجمل حقوق اللاجئ، بما في ذلك حقوقه  في حرية العقيدة والتنقل من مكان إلى آخر، والحق في الحصول على التعليم، ووثائق السفر، وإتاحة الفرصة للعمل، كما أنها تشدد على أهمية التزامات اللاجئة واللاجئة  تجاه الحكومة المضيفة. ينص أحد الأحكام الرئيسية في هذه الاتفاقية على عدم جواز إعادة اللاجئين قسراً ـ والمصطلح القانوني هو حظر الطرد أو الرد ـ إلى بلد يخشون  فيه من التعرض للاضطهاد. كما أنها تحدد الأشخاص أو مجموعات الأشخاص الذين لا تشملهم هذه الاتفاقية.

 

لم تكن هذه الاجراءات والقرارات والقوانين قد صيغت لحماية اللاجئين الأوربيين في أعقاب الحرب العالمية الثانية فحسب ، بل أن (بروتوكول   1967 ) وسّع بدرجة كبيرة من نطاق الحماية  المنوطة بالمفوضية،  بعد أن انتشرت مشكلة النزوح في مختلف أرجاء العالم، خاصة بعد النزوح من بلدان أفريقيا(عام 1969)  وأمريكا اللاتينية في عام 1984.

وقد وقع ما مجموعه 139 دولة على قرارات الامم المتحدة بعضها او كلها  بيد أنه مع تغير نمط الهجرة على الصعيد العالمي، ومع تزايد أعداد الأشخاص الذين يتنقلون من مكان إلى آخر، تغييراً جذرياً، في السنوات القريبة العهد، ثارت شكوك حول مدى مناسبة اتفاقية 1951 مع الألفية الثانية ، ولا سيما في أوروبا، التي تعتبر ـ بما ينطوي عليه ذلك من مفارقة ـ مكان مولدها. لذلك فأن قضايا اللاجئين وكرامتهم موضع الجدل المستمر في المنظمات الإنسانية والحقوقية.

إن العمل الدولي المرئي في بلدان اللجوء السياسي  الاوربية تقريبا لا ينال منه لا مقاومة اليمين الاوربي نفسه، ولا التعليقات الجاهلة الصادرة من بعض قادة السياسة في العراق وغيره ، التي تضطرب لديهم الرؤية السياسية عن الاسباب الحقيقية الدافعة للهجرة.

 في أبسط الحالات أقول ان رؤية هؤلاء الساسة مضطربة في فهم التاريخ الانساني إلى درجة تجعلهم يحاولون تغليف اخطاء سياساتهم بمصطلح (مؤامرة الهجرة) أو مؤامرة (اجتذاب الكفاءات العراقية) أو ما شابه ذلك من الأقاويل غير القادرة على ستر الحالة المعيشية والقهر والضيم الذي يعانيه الشباب العراقي والعربي عموماً.

توفر الحكومات الغربية ، اليسارية والمعتدلة، حتى بعض اليمينية، في الوقت الحاضر، المساعدة لتحقيق كرامة ما يزيد على 22 مليون شخص افتقدوها في بلدهم الأم ، ولا تزال  اتفاقية عام 1951 حول حقوق اللاجئين ، تثبت  مرونتها بقدر ملحوظ في الأوقات السريعة التغير، إذ تشكل حجر الزاوية  الخاصة بالحماية لجميع اللاجئين بما فيهم القادمين الجدد من سوريا والعراق حيث تعرضوا ويتعرضون لأبشع انواع العنف والخوف والاضطهاد والقتل  من قبل تنظيمات داعش الارهابية من جهة،  ومن قبل حكام ومسئولين من اصحاب انوف متكابرة  يتخيلون انفسهم موهوبين عباقرة يحملون  تراث السماء في الارض ، من جهة ثانية.

لهذين السببين لن تتوقف الهجرة البشرية من (الشرق) الى (الغرب) بعد اختفاء مذاق الحياة والحرية والكرامة من غالبية الانظمة العربية – الاسلامية في المشرق والمغرب العربيين الإسلاميين اذا لم تمتد إليها سبل الحقيقة الموضوعية والجمال الفكري والحياة الكريمة على اسس ديمقراطية وإنسانية  حقيقية تستطيع بها مداواة الفكر والروح والقلب لشعوب  هذا الجزء الحضاري من العالم ، الذي يجب أن تخلو عروشه من قسوة (نيرون) وأصحابه ، ومن وحشية الخليفة الجديد (ابو بكر البغدادي) وأصحابه وإلاّ فأن مشاريع (المجازر) و(الهجرة)  ستظل قائمة .