يحكى ان هناك عشيرة من عشائر العرب كانت الاكثر بين نظيراتها في البلاد من حيث حكمة ابنائها وشيوخها حتى باتت مثلا يحتذى به لدى العرب بل تعدت ذلك الى كونها تستقبل اطفال وصبيان وشباب العشائر الاخرى لتعليمهم فنون الكلام والثقافة والفروسية والصفات العربية من كرم وجود وبطولة وخلق الى اخره ، وبقيت على هذا النحو حتى سيطر احد ابنائها على مشيختها بعد وفاة والده وكان الاقل من بين اخوته حكمة مستغلا مقتل البعض منهم في احدى الغزوات واصابة الاخرين بجروح منعتهم من حضور اجتماعات المضيف ، وحتى يبسط سيطرته بالكامل على عشيرته وبالسرعة الممكنة استعان ببعض المنبوذين الذين يتحينون الفرص للانقضاض على من همشهم واحتقرهم وعزلهم عن مجالس الرجال ، كون هؤلاء سيبطشون دون ادنى تفكير بعواقب او تداعيات او مصالح عامة وان مصلحتهم الشخصبة هي الغالبة على سلوكهم فتلاقت مصلحة الشيخ الشاب مع مصالح هؤلاء لتثبيت نفوذ الاول وبعد وقوع الحدث باتت العشيرة اسيرة لعصابة مجرمة فظهرت فيها الصفات السيئة لحاجة ابنائها الى تسيير امورهم وامور حياتهم فضاعت المبادئ والقيم وحل محلها النفاق والغدر وتفشت الانتهازية فهمش الاخيار وساد الاشرار حتى بات مجتمعها اقرب الى الشيطان منه الى الرحمن فضاع كل شيء عدا تاريخها الذي بقي يتغنى به من حين لاخر بين قبائل العرب .. هذه القصة نراها ضرورية كمدخل لموضوع مقالتنا هذه .
ان الصفات الحميدة لدى اي فرد او مجموعة او شعب او امة لا يمكن لها ان تصمد لحالها دون توفر الاسباب والمسببات لهذا الصمود فالذي يميز المجتمع الانساني عن بقية المجتمعات الاخرى هو كونه كتلة متراصة يعتمد افراده على بعضهم البعض للنهوض بالكل اي بمعنى ان الفرد لا يمكن له الا ان يلعب دوره الذي لا يستطيع الا القيام به فقط وعدم لعب ادوار اخرى غير مناسبة لان ذلك من شأنه تدمير النسيج الكلي للكتلة المشار اليها سلفا وبالتالي فأن اي فرد يحمل مسؤولية كبيرة في تأدية دوره الذي لا يمكن الاستهانة به تحت اي ظرف كون ان جميع الادوار مهمة في اي مجتمع انساني ، على سبيل المثال لا يمكن للطبيب الا ان يكون طبيبا والمهندس مهندسا والمدرس تربويا تعليميا والعسكري والسياسي والصناعي والمزارع والشاعر والاعلامي والتاجر الى اخره من اختصاصات الانسان وهذه الهيكلية المجتمعية نظمتها الطبيعة وتمت منهجتها دينيا بالشكل الذي لا يمكن التلاعب به فلكل منا دوره في الحفاظ على هذا النسيج المتراص ولعل هذا الامر نراه جليا لدى الشعوب المتقدمة علينا فيما يعرف بالعالم الاول ، وحتى نبقى في محيط موضوعنا الحالي علينا الاشارة الى ان لكل منا عقل يعرف الاصوب في مجاله وبالتالي فان العقول متساوية في الادراك لكن بنواحي متعددة وجوانب مختلفة من دنيانا هذه ، ولعل اهمية ذلك تكمن في وصايا الباري تباركت قدرته ومن ثم الانبياء والاولياء عليهم جميعا الصلاة والسلام للانسان بعدم الاستهانة بالعقل وتمييز الامور وغربلتها استنادا اليه وعدم التأثر بأي رأي دون العودة للعقول والادراك الذاتي للانسان الذي جعله الباري تعالى مفخرة للخلق اجمعين فلا يحق لنا الاستهانة بالانسان ففي ذلك معصية للخالق وفسادا في الارض .
ان ما تطرقنا اليه لا يعني باي حال ان نفرز تلك الاختصاصات اي بمعنى القول اني تاجر او عسكري او معلم ولا فقه لي بالسياسة او الطب او الهندسة وامورها والقول اننا نعمل ضمن مجتمع متعدد الاختصاصات وهنا الخيط الرفيع الذي يحيي الشعوب او يبيدها فاحترام الاختصاص واجب لكن التمحيص في الامر اهم فهو الذي يصوب الطريق او يضيع النسيج برمته ، وحتى نكون اقرب الى مخيلة القارئ وتحضر الفائدة للجميع نحاول قدر الامكان ان نتحدث ببساطة لغوية فمعنى ما قلناه هو ان تعاملنا مع طبيب ما لا بد ان يكون خاضعا لمقاييس عقلية فمن غير المعقول ان نسلم اجسادنا وصحتنا لطبيب ليس بالمستوى المهني المطلوب وهكذا الامر مع بقية الاختصاصات وبالتالي سيتحقق النفع للطرفين ، المنفعة الاولى اننا حصلنا على مبتغانا والمنفعة الثانية دفعنا باصحاب الاختصاص المعني للتفوق والنجاح في مجالاتهم لتحقيق مبتغاهم الذي يصب في محاولتهم ان يكونوا فاعلين وناجحين ضمن نسيجهم المجتمعي والا فان الفوضى ستعم المجتمع فعلينا تصور اعتماد الافراد على اي شخص في مجال معين وماذا سيحل بالمجتمع لو فعلنا ذلك وكلامنا هذا مؤكدا انه ينطبق على الجميع مع تنوع واختلاف المجالات وبنفس الفكرة فالامثال تخصص لكنها تعم في القصد .
وهنا وصلنا الى فكرة ونتيجة كلامنا بالمطلق وهي ان معرفة الخطأ الذي اشرنا اليه دون تفاديه يعتبر نوعا من انواع الامراض السايكولوجية التي تستوجب اما مراجعة اطباء نفسيين واما مراجعة الذات للسيطرة عليها وتصويبها قبل فوات الاوان وضياع الفرد ومن بعده الكل فان اتخاذ اي موقف له تداعيات على الكل لا بد له ان يخضع لتلك المعايير والا فأن الانسان سيكون مجرما بحق مجتمع باسره لا بحق ذاته فقط ، وبالتالي فأن تبني وسلوك مواقف الاخرين في مجال ما يستوجب النظرة الجامعة قبل النظرة الخاصة لحماية الفرد والكل في آن واحد .