23 ديسمبر، 2024 1:31 ص

تبعية الولد لأحد ابويه المسلمين بين الشريعة والقانون

تبعية الولد لأحد ابويه المسلمين بين الشريعة والقانون

> اثار تشريع قانون البطاقة الوطنية وخصوصا المادة 26 منها حفيظة الاقليات الدينية في العراق اذ تنص هذه المادة ( ثانيا- يتبع الاولاد القاصرون في الدين من اعتنق الدين الإسلامي من الأبوين .) في حين عدها المرجع الديني الشيخ محمد اليعقوبي بأنها موافقة لثوابت الاسلام ولقانون حقوق الانسان ويمكن ان نناقش هذه المسالة من ناحيتين اولا من الناحية الشرعية وثانيا من الناحية القانونية ملتفتين الى مخاوف الاخوة الاقليات من غير المسلمين ونحاول ان نرد على اهم ما جاء في اعتراضهم والذي تناقلته بعض مواقع الانترنت .
> اولا: من الناحية الشرعية
> اعترض الاخوة بأنه ليس هناك اتفاق على ثوابت الاسلام باعتبار ان المرجع اليعقوبي اعترض بان المطالبة بالغاء هذه المادة يعارض الدستور الذي نص في المادة الثانية:
> اولا- الاسلام دين الدولة الرسمي وهو مصدر اساس للتشريع.
> أ – لا يجوز سن قانون يتعارض مع ثوابت احكام الاسلام.
> ومع انه ليس للاخوة الاقليات الاعتراض بان هذا الامر من ثوابت الاسلام ام لا وانما كان لهم ترك هذا الامر الى المسلمين انفسهم . ولكن مع ذلك سنثبت لهم بان هذا الامر من ثوابت الاسلام, وبأتفاق جميع الفرق الاسلامية.
> جاء في سورة : (وَ الَّذِينَ ءَامَنُواْ وَ اتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَـن أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ)
> فأخبر تعالى أنّ إيمان الذرّيّة يلحق بإيمان أبويه. اي ألحقنا الذرّيّة بهم في أحكام الإسلام، فجعلناهم في حكمهم في أنّهم يرثون ويورثون ويدفنون في مقابر المسلمين، وحكمهم حكم الآباء.
> فالطفل يتبّع أباه المسلم أو اُمّه المسلمة، وإلاّ فلابدّ أن يتبّع أحدهما الكافر، وهو مناف لعلوّ الإسلام على الكفر الذي يستفاد من هذا الحديث ما ورد عن النبيّ(صلى الله عليه وآله) أنّه قال: (الإسلام يعلو ولا يعلى عليه ) المقصود من العلوّ العلوّ بجميع معنى الكلمة، وكلّ ما يحتمل فيه من المعاني .
> قال تعالى: {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ}
> ومنها: ما ورد عنه(صلى الله عليه وآله) أيضاً، قال: «كلّ مولود يولد على الفطرة، فأبواه يهوّدانه وينصّرانه ويمجّسانه». ففسر الحديث بأنه يولد على فطرة الإسلام. وهذا واضح من منطوق الحديث . وهنا التفاتة رائعة وجميلة بان كل طفل يولد مسلم وانما ابواه يخرجانه من الاسلام فانما نحن هنا نرد الاصل الى اصله . واخر الاية يشير الى ذلك بأن اكثر الناس لا يعلمون .
> قال الله عز وجل: {مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيّاً وَلا نَصْرَانِيّاً وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفاً مُسْلِماً} . وقال تعالى: {مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ} .
> {أَوْ تَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ} .
> وأنّه لا خلاف في المسألة بين المسلمين، بل قام الإجماع عليها، ذهب جمهور فقهاء أهل السنّة إلى أنّ الولد الصغير ـ ذكراً كان أو اُنثى ـ قبل أن يصل حدّ البلوغ يتبع أباه في الإسلام، وأمّا الاُم فذهب المالكيّة إلى عدم التبعيّة لها، وقال الآخرون بالتبعيّة.
> كذلك ذكر الاخوة اية الاكراه ( لا اكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي ) وبما انكم اوردتم هذه الاية اذن انتم تؤمنون بالقرأن وتدعوننا الى الالتزام به مع العلم ان هذه الاية جاءت ففى تفسير المنار – محمد رشيد رضا يقول ان الاية الكريمة ( لااكراه فى الدين فقد تبين الرشد من الغى .. ) نزلت فى رجل من الانصار من بنى سالم يقال له الحصين كان له ابنان نصرانيان وكان هو مسلما فقال للنبى الا استكرهما فقد ابيا الا النصرانية ؟ وفى بعض كتب التفاسير انه حاول اكراههما فأختصموا الى النبى , فقال يا رسول الله ايدخل بعضى النار وانا انظر , ولم يأذن الرسول الكريم فى اكراههما على الاسلام وقد نزلت الاية الكرية ” لا اكراه في الدين ” فى ذلك ) .
> ثانيا: من الناحية القانونية
> يمكن مناقشة هذا الامر من جانبين الجانب الاول القانون الداخلي وهو الدستور العراقي النافذ لسنة 2005 والجانب الثاني هو القانون الدولي
> اما بالنسبة للجانب الاول : اذ اورد الدستور العراقي في الباب الاول المبادئ الاساسية وفي المادة الثانية تحديدا ذكر عدم جواز سن قانون يتعارض مع ثوابت الاسلام بينما اورد قضية الاكراه الديني في الباب الثاني الحقوق والحريات وفي فصل الحريات تحديدا المادة 42 والتي تنص على ( لكل فرد حرية الفكر والضمير والعقيدة ) وفقهاء القانون الدستوري يفرقون بين المبادى الاساسية التي تكون اعلى درجة من الحريات والتي يعرفونها بانها أي الحرية ( اباحة او رخصة تمنح لممارسة نشاط معين ) كذلك يمكن ان نرد برد اخر على الاخوة من انه حتى لو لم يوجد مثل هذا النص ولكن الاساس الواقعي للشعب العراقي الذي عرف باسلامه يفرض ذلك. ايضا تجد اغلب القوانين العربية احتوت على مثل هذا النص مثل مصر وسوريا.
> اما من الجانب الثاني: وهو القانون الدولي
> فان من الثابت في هذا القانون انه عندما يضع قواعد لتعالج موضوع معين فانه يتعمد ترك مساحة لقوانين البلدان لتعرف ذلك الموضوع ( بعد ان كانت لا تتدخل في كل ما يعرف صميم الاختصاص الداخلي للبلدان ) لذا سنورد هنا اهم ماجاء به القانون الدولي وكيف احال بعض القضايا الى القانون الداخلي وذلك حسب ما يعرف بنظام الاحالة ونبدأ من اتفاقية حقوق الطفل لعام 1989 فقد جاء في البند الأول من المادة 14:( تحترم الدول الأطراف في الاتفاقية حق الطفل في حرية الفكر والوجدان والدين). وجاء في البندين الأول والثاني من المادة 12 من الاتفاقية: ( تكفل الدول الأعضاء للطفل القادر على تكوين آرائه الخاصة حق التعبير عن ذلك بحرية في جميع المسائل التي تمس الطفل…). لاحظ كيف ان المادة اشترطت ان يكون الطفل قادر على تكوين ارائه الخاصة. كذلك نجد ان اغلب القوانين تشترط لممارسة الشخص تصرفاته ان يكون عاقل , مختار , بالغ . والطفل يفتقد هذه الصفات لذلك فهو ممنوع من التصرفات التي ترتب التزامات وحقوق .
> اما ألاعلان العالمي لحقوق الإنسان نصت المادة 18على (( لكل شخص حق في حرية الفكر والوجدان والدين ويشمل هذا الحق حريته في تغيير دينه أو معتقده ، وحريته في أظهار دينه أو معتقده بالتعبد وأقامة الشعائر والممارسة والتعليم ، بمفرده أو مع جماعة ، وأمام الملاء أو على حدة ))
> ونصت المادة 18 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية ((1 ـ لكل إنسان حق في حرية الفكر والوجدان والدين ويشمل ذلك حريته في أن يدين بدين ما ، وحريته في أعتناق أي دين أو معتقد يختاره ، وحريته في أظهار دينه أو معتقده بالتعبد وأقامة الشعائر والممارسة والتعليم ، بمفرده أو مع جماعة ، وأمام الملاء أو على حدة .
> 2 ـ لا يجوز تعريض أحد لا كراه من شأنه أن يخل بحريته في أن يدين بدين ما أو بحريته في أعتناق أي دين أو معتقد يختاره .
> 3 ـ لا يجوز أخضاع حرية الإنسان في أظهار دينه أو معتقده ، ألا للقيود التي يفرضها القانون والتي تكون ضرورية لحماية السلامة العامة أو النظام العام أو الصحة العامة أو الأداب العامة أو لحقوق الأخرين وحرياتهم الأساسية .
> 4 ـ تتعهد الدول الأطراف في هذا العهد بأحترام حرية الأباء ، أو الأوصياء عند وجودهم ، في تأمين تربية أولادهم دينيا وخلقيا وفقا لقناعاتهم الخاصة )) .
> فالحرية الدينية تتمثل في جوانب ثلاث هي : ـ
> 1 ـ حرية الفرد في أختيار دين أو معتقد معين وذلك في حدود أحكام القوانين النافذة.
> 2 ـ الحرية في عدم أعتناق دين أو معتقد أذ لا يجوز أجبار شخص لا يعتنق ديانه معينة على أداء اليمين القانونية على الكتاب المقدس الخاص بها ومن قبيل ذلك أبطال النيابة أو تولي الوزارة دون قسم على هذا الكتاب لشخص لا يعتنق الديانة المستندة على هذا الكتاب المقدس.
> 3 ـ حرية تغيير الديانة أو المعتقد دون التعرض لأكراه أو أذى
> و جاء في الفقرة الرابعة من قرار مجلس حقوق الإنسان التابع للامم المتحدة 14 / 11 في 23 حزيران 2010
> 4 ـ يؤكد أن القيود المفروضة على حرية الفرد في أظهار دينه أو معتقده لا يسمح بها ألا أذا كانت الحدود منصوصا عليها في القانون وضرورية لحماية السلامة العامة أو النظام العام أو الصحة أو الآداب العامة أو حقوق الآخرين أو حرياتهم الأساسية وكانت غير تميزية ومطبقة بطريقة لا تبطل الحق في حرية الفكر والضمير والدين .
> لاحظ القرار واضح بانه يسمح بتقييد حرية الدين اذا كان هناك قانون او كان هناك حقوق للاخرين وقد اثبتنا ان الحاق الطفل باحد ابويه المسلمين هو مقرر لحقوق الطفل ولمصلحته .
> اذن هناك خلط ولبس بين ما جاءت به قوانين حقوق الانسان من حرية الدين وعدم الاكراه وبين الحاق الولد باحد ابويه المسلمين والفرق واضح للمتأمل.
> فإذا كان ما ورد في المادة الثامنة عشر من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ، وكانت المادة الثامنة عشر من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية حول حرية التفكير والضمير والعقيدة قد أجمعت عليه الغالبية العظمى من أعضاء منظمة الأمم المتحدة من خلال الإعلان العالمي قبل ما يقرب من خمسين عاما ، والدول الأطراف في العهد الدولي قبل حوالي 35 عاما ، فإن الدين الإسلامي قد أقر تلك الحقوق منذ أكثر من ألف وأربعمائة سنة ، وعد حرية التفكير والضمير والدين أصلا عقديا ، ولو أراد الخالق جلت قدرته لدخل جميع من على الأرض من الناس دين الإسلام ، ولكن له حكمة في إعطاء الناس الحرية فيما يختارون وما يسلكونه من طريق حيث قال (سورة يونس الآية 99 ) : ( ولو شاء ربك لأمن من في الأرض كلهم جميعا أفانت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين ) ، ولا شك أن الإنسان بما وهبه الله من عقل وسمع وبصر قادر على التمييز بين الحق والباطل حتى يستطيع اختيار الطريق الصحيح . ونقول نحن لا نتباكى على طفل يدخل الاسلام ولا نرتقب زيادة المسلمين من حالة فردية ولكن كل ما نريده هو تطبيق شريعة السماء التي امنا بها ورضيناها دينا لنا .
> لذا نقول بان ما قاله المرجع اليعقوبي بان المادة 26 موافقة لثوابت الاسلام ولقانون حقوق الاسلام هو عين الصواب وان الغاءها ليس فقط خطأ تاريخي وانما يشكل سابقة خطيرة لانتهاك الدستور الذي نص على علوية احكام الاسلام في المادة الثانية منه.لذا نرجوا من السادة النواب الوقوف بحزم ضد تغيير هذه المادة.