غريب امر هذه الامة الاسلامية الغارقة في نرجسيتها ورومانسيتها الفكرية حد الثمالة , تريد ان ( تشخبط) ما يحلو لها كما الطفل دون ان يعترض عليها الاخرون , بينما تلزم الاخرين للتصرف وفق ما تؤمن هي لا كما يؤمن ويحب الاخرون , وعندما تخطا لا تعترف بخطاها بل ترمي بها على شماعة الاخرين .
فقد بدات الاقلام ( المدافعة) عن الامة الاسلامية واخطاءها تشمر عن سواعدها لتبرير ما حصل من عملية ارهابية في فرنسا والقاءها على شماعة المؤامرة , متناسية ان العالم الاسلامي كله وقبل سنوات كانت تشحن هذه الجماعات عندما خرج عن بكرة ابيه في تظاهرات احتجاجية على رسوم مسيئة للرسول صلى الله عليه وسلم ( مع استنكارنا للاساءة للرسول عليه الصلاة والسلام ) , فحولت بوصلتها الان في لاتهام اجهزة مخابرات غربية وامريكية في الوقوف وراء هذه العملية . وجندت كل ما يخطرعلى بالها من سيناريوهات موغلة في الخيال والسطحية لاثبات ذلك . فقد طرحت اسئلة من قبيل .. كيف تمكن المسلحان من التسلل الى الصحيفة على مراى ومسمع من المخابرات الفرنسية والامريكية ان لم يكن هناك تنسيق مسبق لما نفذ .. خاصة وان كاميرات المراقبة كانت تسجل ما حصل … ولماذا انتهت العملية بقتل المجرمين ولم يلق القبض عليهما احياء … ونقاط كثيرة تصيب المرء بالغثيان وتثير عنده الرغبة في التقيء , وان دلت هذه السطحية على شيء فهي تدل على ان ازمة المجتمع الاسلامي تعدت شارعه ووصلت الى مثقفيه ومحلليه حتى من الذين لا يؤمنون بالتطرف .
لو نزلنا عند رايي هؤلاء الكتاب والمحللين وفرضنا جدلا وجود جهات خارجية سهلت لهذه العملية لتشوه صورة الدين الاسلامي وتمرر اجندات معينة من خلالها, فسوف يواجهنا السؤال الاتي …. لماذا تنجح هذه الجهات الدولية دائما في تمرير مخططاتها على الشعوب الاسلامية (التي لا تمثل تهديدا يذكر للدول الكبرى) , بينما تفشل في تمريرها على شعوب اخرى تمثل تهديدا حقيقيا لها صناعيا وسياسيا وحتى عسكريا مثل كوريا الشمالية و الصين او اليابان وحتى الهند ؟ الا يعني هذا اننا نعاني من افكارا وتوجهات غير طبيعية ومرضية تتسبب في خلق ثغرة تمكن الاخرين الدخول من خلالها لتنفيذ ما تريده على حساب هذه الامة التي ( كانت خير امة) ؟
ان وجود جهات اجنبية وراء هذه العملية لا ينفي ان الاداة المباشرة فيها كانوا مسلمين منتمين او متعاطفين مع تنظيمات اسلامية متشددة , يمغنطون عشرات الالاف من الشباب المسلم , ممن يلتحق بهم وينجذب اليهم اعتمادا على اراء فقهية , لا نستطيع نكران وجودها في مصادرنا , وفيما نسميها بامهات الكتب الاسلامية . فاما ان تكون هذه الاراء تعبر عن حقيقة الدين الاسلامي فنعترف بها , ونتحول كلنا الى ارهابيين . كي ندخل جنة عرضها السماوات والارض وننعم بالحور العين , واما ان نقولها صريحة بان هذه الروايات و الاحاديث باطلة , وهذه المصادر كاذبة , ولا تمثل الفكر الاسلامي , ونضرب بكل هذا الهراء الثقافي وراء ضهورنا, كي نتخلص من التناقض الذي يعيشه هذا العالم الاسلامي المتخبط .
قد تكون هذه المصادر الاسلامية تزخر باراء وافكار كانت سامية وقمة في الرقي مقارنة بما كان عليه حال البشرية في تلك الحقب السحيقة من التاريخ , اما اليوم فان جمود ووقوف الاجتهاد الاسلامي عند تلك الحقبة , مقابل تطور الفكر الانساني الى حالات راقية عند الشعوب
الاخرى , قلبت ما كان سائدا حينها ووضعت المسلمين في غير المكان الذي اراده الله لهم , فالاسلام كما اراه يفترض ان يختزل كل ما في التجارب الانسانية من رقي وتطور على مر العصور والدهور , حينذاك ينطبق عليه قول الله ( كنتم خير امة اخرجت للناس تامرون بالمعروف وتنهون عن المنكر ) والا فسوف يتحقق المغزى الالهي من وضع كلمة كنتم في بداية الاية .
لقد وصلت الحركات المتطرفة الاسلامية الى مستويات وضيعة من الفكر والتوجه للحد الذي اصبحوا يستغلون الحالة الديمقراطية التي تنعم بها اوروبا ليهاجروا اليها ويتحركوا في ظلها احرارا في نشر افكارهم , وينعتوها بالظاهرة الكافرة التي لا يجب على المسلم تبنيها , مع انهم يندفعون لاستغلالها بشكل فوضوي ويقوموا بهذه الاعمال الارهابية مستغلين انفتاح تلك الدول ( الكافرة) , بينما لا يتجرئواعلى اخراج رؤوسهم وممارسة نشاطاتهم في دولهم التي هربوا منها بسبب الدكتاتورية التي ترزح تحتها بلدانهم .
مع ادراكنا بان العالم الغربي لا يمارس همجية الحكومات الشرق اوسطية مع شعوبها , ولكن .. ماذا لو مارست الدول الاوروبية اللعبة القذرة التي تمارسها حكومات المنطقة الاسلامية مع المتطرفين والمشتبه بهم في الضغط عليهم او تهديد حياتهم , او حتى معاقبة عوائلهم على جريرة ما يرتكبه هذا الارهابي او ذاك ؟ ماذا لو قررت الدول الاوروبية بترحيل كل المشتبه بهم مع عوائلهم لحكوماتهم الشرق اوسطية ؟ هل سيتجرء بعد ذلك أي ( مجاهد) القيام باي عملية ( جهادية) ؟
اليس من العار ايها الاخوة ان نستغل تحضر الاخرين لنمارس همجيتنا ونقتل الناس ثم ناتي بعد ذلك ونقول نحن خير امة اخرجت للناس؟ تبا لها من امة .