22 ديسمبر، 2024 8:13 م

تباريح الدعوةِ إلى تجمّعِ السوريين الأحرارِ

تباريح الدعوةِ إلى تجمّعِ السوريين الأحرارِ

إن الدعوة إلى الله، أو الدعوة إلى اتباع الهدى، أو الدعوة إلى الحق، أو الدعوة إلى تكوين جماعة، أو تجمّع ينبني على مبادئ سامية، رفيعة، وقويمة.. دائماً يعترضه عقباتٌ، وصعوباتٌ بالغة. إذ لا يُقبل على هذه الدعوة، إلا أولو العزم من الناس، وألو الشهامة، والرجولة، وذوو النفوس الكريمة، وذوو الهمم العالية.
وقد كانت دعوة الرسل صلى الله عليهم وسلم، تُحارب حرباً شعواء من قبل الناس، وخاصة من ذوي الشاه، والسلطان، وذوي الزعامات، وذوي الغنى، والنفوذ في المجتمع، الذين كانوا يُعَيِّرون الرسل، بأنه لم يتبعهم إلا أراذلُ الناس، وضعفاؤهم، ومساكينُهم، وفقراؤهم ( وَمَا نَرَىٰكَ ٱتَّبَعَكَ إِلَّا ٱلَّذِینَ هُمۡ أَرَاذِلُنَا بَادِیَ ٱلرَّأۡیِ ) هود 27.
إن الناسَ بطبيعتهم، وبجِبِلَتهم، يحبون الدعوة السهلة، البسيطة، اليسيرة، التي لا تكلفهم أي مشاق، ولا تُحملهم إصراً، ولا تُحملهم تبعاتٍ، ولا مسؤولياتٍ، ولا تطلب منهم الوفاء بالالتزامات، التي أخذوها على أنفسهم، ولا تطالبهم بالوفاء بعهودهم، ومواثيقهم، التي قطعوها على أنفسهم، ولا تطلب منهم بذلَ الأموال، ولا قتل الأرواح، ولا تقديم القرابين، ولا الضحايا، ولا تكلفهم أي قتال، أو أي صدام مع الأعداء. فهذا شيء مكروهٌ، ومبغوضٌ للنفس البشرية، بتقرير الله العليم البصير ﴿ كُتِبَ عَلَیۡكُمُ ٱلۡقِتَالُ وَهُوَ كُرۡهࣱ لَّكُمۡۖ َ﴾ البقرة 216.
هكذا هي النفس البشرية! تحب أن تُقبلَ على الأعمال السهلة، اليسيرة، النظرية، والتنظيرية، بدون بذل أي جهدٍ، ولا تعبٍ، ولا نصبٍ، ولا وصبٍ.
ولهذا نرى أن معظم بني قومنا – إلا قليلاً منهم – قد عشقوا حبَ الكلام، والتنظير، والجعجعة الفارغة، والصراخ في الحوارات، والعويل في الندوات، والردح، والندب، ورفع الشعارات الزائفة، وتكرارها في مناسبة، وغير مناسبة، والادعاء الكاذب، بأن النظام الأسدي قد سقط منذ الوهلة الأولى لانطلاق الثورة. ثم يعيدونها، ويكررونها على الملأ، بأن النظام الأسدي ساقط.
هذا هو الغرورُ القاتلُ، والأوهامُ الجامحةُ، المحلقة في أجواء الأحلام الوردية، الخيالية، المدمرة، والمهلكة لمن يسير وراءها.
يا ترى! هل يريد هؤلاء القوم، أن يستغفلوا الناس، أم يريدون أن يستهبلوهم، أم يستخفوا بعقولهم، أم أنهم يعيشون في كوكب آخر، لا يبصرون، ولا يسمعون، ولا يشاهدون.
فمال هؤلاء القوم لا يكادون يفقهون حديثاً؟! إذا كان النظام الأسدي قد سقط منذ أكثر من عشرات سنوات، لماذا هؤلاء المنظرين، لم يستولوا على الحكم إذن؟! ماذا ينتظرون؟! ولماذا القتلُ مستمرٌ في صفوف المدنيين، والاعتداءات تتكرر يومياً تقريباً، على المناطق المسماة محررة؟!
هذا نموذجٌ مصغرٌ، لنمط التفكير الطفولي، لدى أكثر بني قومنا – إلا قليلاً منهم – يجعل من الصعوبة بمكان، تحويل تفكيرهم، وتغيير طريقة نظرتهم للأمور، واقناعهم بقصور هذه النظرة الضيقة، وعجز هذا الأسلوب التفكيري، عن تحقيق أهداف الثورة، التي قدمت مئات الآلاف من الضحايا، والجرحى، والمعاقين، وملايين من المهجرين، والمشردين، في كل بقاع الدنيا المترامية الأطراف.
إن تجميعَ السوريين في كيان واحد، أو تجمع واحد، وحشد طاقاتهم كلها، لتصب في مكان واحد.. لهو من الأمور العسيرة، الشاقة، الصعبة المنال، التي من دونها خَرْطُ القَتادِ، والتي تتطلبُ جهوداً جبارةً وكبيرةً جداً، تفوق الجهود المبذولة لتفتيت الجبال، ونقلها من أمكنتها، وإزالتها من على وجه الأرض نهائياً.
لماذا هذه الصعوبات الكبيرة في جَمْعِ السوريين على طريق واحد؟!
جِبِلَةُ السوريين الفريدةُ من نوعها في البشر أجمعين. إذ لهم طبيعةٌ استثنائيةٌ لا يماثلها، ولا يُشابها أي طبيعة أخرى، لدى البشرية جميعاً.
مواصفاتُ هذه الجِبِلَةِ
أنهم لا يؤمنون بالعمل الجماعي – إلا قليلاً منهم -.
وإذا عملوا، فإنهم يتنازعون، ويتصارعون منذ اللحظة الأولى، على الرئاسة. إذ أنهم يعشقون الرئاسة، عشقهم للحياة، ولذلك تروى طرفة عن الرئيس شكري القوتلي، الذي سلم سورية، بقضها وقضيضها، أرضاً، وشعباً، وأنعاماً، ودواباً، إلى عبد الناصر بذريعة الوحدة بين سورية ومصر، فقال له: سلمتك أربعة مليون رئيس، حيث كان عدد سكان سورية في عام 1958 أربعة ملايين نسمة.
يتحاسدون، ويكرهون بعضهم البعض، بشكل شنيع، ومقيت – إلا قليلاً منهم – حتى في بلاد المهجر، التي من المفروض فيها، أن يتحابب المهجرون مع بعضهم البعض، ويتعاونون مع بعضهم البعض، ويتلاحمون، ويتعاضدون مع بعضهم البعض، إلا أن الجِبِلَةَ السورية النشاذ، تأبى ذلك. فتجد أنهم في بلاد المهجر، يتقاتلون، ويذبحون بعضهم البعض، لأتفه الأسباب. وقد حدثت مئات أو آلاف المرات في خلال العشر سنوات الماضية، من الصراعات العنيفة بينهم، وكأنهم لم يسمعوا نهي الرسول الأكرم صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح عن أبي هريرة ( لا تَحاسَدُوا، ولا تَباغَضُوا، ولا تَجَسَّسُوا، ولا تَحَسَّسُوا، ولا تَناجَشُوا، وكُونُوا عِبادَ اللهِ إخْوانًا.) أو كأنه لا يهمهم معصية الرسول صلى الله عليه وسلم، التي هي معصية لله تعالى.
لا يتورعون – إلا قليلاً منهم – أن يسرقوا بعضهم البعض، ويتحايلون على بعضهم البعض، ويتآمرون ضد بعضهم البعض، ليحصلوا على غنيمة متدنية، حقيرة، تافهة.
يكيدون لبعضهم البعض – إلا قليلاً منهم – ويكرهون كره الموت، أن يروا واحداً منهم ناجحاً، وبارزاً.. فيتآمرون عليه مباشرة، ويسعون سعياً حثيثاً، ودؤوباً، لا ينقطع، لإسقاط هذا الرجل الناجح، وتحطيمه، وتدميره. فهم لا يحبون، بل يبغضون، كل من يعلو عليهم، من بينهم، فنار الغيرة! تُحرق أكبادهم، وتُمزق أفئدتهم، فلا يرتاحون حتى يحطموا الشخص الناجح تحطيمأ، ويهشمونه تهشيماً.
وإذا حصل أحدُهم على جنسية بلد المهجر، فإن بعضهم يتحول – إلا قليلاً منهم – إلى صعلوك، خادم، ذليل، مهين، لمخابرات ذلك البلد، ليتجسس على أبناء بلده، ينقل أخبارهم بالدقيقة. والبعض الآخر يصبح ملكياً أكثر من الملك، ومطواعاً لسياسة بلد المهجر، يأتمر بأمرها، ولو كان ضد شعبه، وأهله، وعشيرته.
وبسبب وجود مئات المنظمات، والهيئات، والتجمعات، التي أغلبها وهمية، وأغلبها لا يمثلها إلا من يتحدث باسمها، أو قد يساعده بعض الأشخاص، أصبح لدى معظم السوريين، تشككٌ، وريبةٌ، في أي دعوة جديدة، وحذرٌ شديدٌ من الاستجابة لها.
تَسًرُبُ الوَهْنَ، والضعفَ، والخَوَرَ،ِ والاستخذاءَ، والتَضَعْضُعَ إلى نفوس كثيرٍ من السوريين – إلا قليلاً منهم – وميلُهم إلى انتظار الفرج، على يَدِ ماما أمريكا، أو بابا القيصر الأرْثُوذوكْسي، أو تطبيق ما يُسمى قرار جنيف 2، الذي مات منذ أمد بعيد، أو تطبيق ما يُسمى قرار هيئة الأمم المتحدة الأخير، الذي تَفَسَخَ، وتَحَلل، ودُفِنَ في التراب منذ ولادته.
نفورُ معظمهم – إلا قليلاً منهم – من العمل الجدي، الذي يدعو إلى القتال، والجهاد في سبيل الله، وعكوفُهم على الردحِ، والندبِ، على وسائل التدمير الاجتماعي، للتنفيس عن غيظهم، وغضبهم، وانتظارُهم الحل السلمي السياسي، واستجداؤهم التحالف الدولي، والتسول على أبوابه، لتحقيق ذلك، أو حدوث معجزة، تقتلع بشار ومن حوله، وتقول لهم تفضلوا اجلسوا مكانه.
اكتفاءُ بعض الطيبين، الدراويش، السطحيين، بالدعاء فقط، بالتوفيق، والنجاح للداعي، وكأن لسان حالهم، يردد، ويُكرر مقولة بني إسرائيل لموسى عليه السلام (فاذْهَبْ أنْتَ ورَبُكَ فَقَاتِلا إنا هَا هُنَا قاعِدُونَ) فهم لا يريدون المشاركة، ولا العمل، ولا أن يكون لهم شرف تحرير أرضهم، فهم أغنياء عن هذا الشرف – كما يظنون – إذ يكفيهم الالتصاق بالأرض، والركون إليها، ولتطبق بعد ذلك السماوات على الأرض.
جهالةُ الناس بطبيعة الداعي، فهو ليس من المشهورين في عالم التواصل الاجتماعي، وليس له متابعون بالآلاف، أو الملايين، علماً بأنه مدافع شرس، عن الثورة منذ انطلاقتها، عبر كتابته للمقالات التي تجاوزت الخمسمائة مقال حتى الآن، وتنشرها مواقع إعلامية عديدة في كل مرة، قد تصل إلى عشرة مواقع، للمقال الواحد. كما أن الدعوة لا تتم عبر التواصل العضوي، أو عبر المقابلة الشخصية للناس، وإنما عبر شبكة افتراضية، قد لا تمكن الناس، من الثقة بالداعي، والاطمئنان إليه.
ومن أجل ذلك! نضع نبذة تعريفية قصيرة عن الداعي، لعل وعسى أن تُدخل الاطمئنان إلى قلوب قومنا، فيصدقوا ما يدعوهم إليهم، ويلتفوا حول دعوته. وقد كتب حتى الآن خمسة عشر مقالاً، تدور كلها حول نفس الموضوع، بأساليب متنوعة، متأسياً بالمنهج القرآني في طريقة التكرار والعرض.
(هذا جواب للذين يسألون عن السيرة الذاتية للداعي إلى مشروع عملاق، فريد من نوعه على الساحة السورية، والرائد في تحرير سوريا.
وهو ينذر الجميع، بأنهم على خطرٍ كبيرٍ، وفناءٍ ماحقٍ، إن استنكفوا وتغافلوا، وبقوا يسرحون، ويرتعون، ويمرحون، لاهية قلوبهم، ومتثاقلين إلى الأرض.
وهذا الإنذار ليس من الداعي، وإنما من رب العالمين..
﴿ إِلا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلا تَضُرُّوهُ شَيْئًا وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٣٩) ﴾ التوبة.
فهو جراح أسنان منذ خمسين سنة، وفي الوقت نفسه جراح فكر وسياسة، ويشرح الأحداث السياسية، وكأنه يشرح الجثة، ويحللها برؤية المنهج الرباني، وليس المنهج البشري الذي يعتمد عليه معظم المحللين السياسيين، فيَضلون ويُضلون. ومفكر إسلامي، وكاتب.. له مقالات كثيرة منذ انطلاقة الثورة، قد تزيد عن 500 مقال.
همه الأوحد هو: رضاء الله تعالى، والفوز بجناتٍ ونهرٍ، عند مليكٍ مقتدرٍ.
وجريءٌ غاية الجرأة، وصريحٌ منتهي الصراحة، في طرح أفكاره، لا يخشى في الله لومة لائم.
ولا يهمه أن يغضبَ عليه الحجرُ والبشرُ، أو زيدٌ أو عمروٌ.
ثم همُه الثاني تحرير بلده سورية، من كل المحتلين الداخليين والخارجيين.. وإقامة دولة، تُحكم بشرع الله فقط.. وله في هذا الخصوص مقالاتٍ عديدةٍ تثبت بشكل منطقي، وعلمي أن شرع الله هو الأفضلُ طراً، وهو يَعلو على كل الأنظمة البشرية، ولا يُعلى عليه ..
وهو من الأشراف من ولد الحسن بن علي رضي الله عنهما..
وهذا كله عبارةٌ عن توصيف للداعي.. وليس مدحاً، ولا تزكية، ولا تمجيداً، ولا تعظيماً له.. لأنه هو أعلى وأسمى من تلك الأساليب الرخيصة، التي يركض وراءها ضعافُ النفوس، ومرضى القلوب..
والهدفُ من هذا التوصيف هو: طمأنةُ المدعوين، إلى طبيعة الداعي الذي لا يريد من وراء ذلك، لا جاهاً، ولا سمعةً، ولا سلطاناً، ولا شكراً، ولا مالاً. وإنما يريدُ جمعَ الكلمة على هدف واحد، والعملَ ضمن فريق واحد.
والذي يأبى، ويستنكفُ، فلا يلومن إلا نفسه، حينما يقف أمام ملك الملوك، ذليلاً، صاغراً، نادماً على تقصيره، وتخلفه عن الالتحاق بركب العاملين على تحرير سوريا.(.
الخلاصة الخاتمة
سأبقى أدعو إلى هذا التجمع، ما بقيت على قيد الحياة، لن أقنط، ولن أيأس، ولن أتذمر، ولن أتشكى، لأني موقن يقيناً راسخاً، أن طريق الدعوة العظيمة، طويلٌ، وعسيرٌ، ومحفوفٌ، بالمخاطر، ومفروشٌ بالحجارة الكأداء، والأشواك التي تدمي الأقدام، وهي نفس دعوة الأنبياء قديماً.
وسأبقى رافعاً اللواء، ومرددأ قول نوح عليه السلام ﴿ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلاً وَنَهَاراً * فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِي إِلاَّ فِرَاراً * وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِم وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّواْ وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَارًا * ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهَاراً * ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنْتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَاراً﴾ نوح 5-9.