كنت صغيرة حين طالعت رواية (الامير والفقير ) للكاتب الامريكي مارك توين …تلك الرواية التي يتبادل فيها الادوار ولد فقير من طبقة العامة مع الامير الذي يشبهه تماما بطلب من الأمير الذي رغب بتجربة العيش مع الشعب كنوع من التسلية ، وهكذا ذهب الفقير الى القصر وحل الامير محله في الشارع ليمارس مهنة التسول ويعيش تفاصيل حياة الفقراء ..لم يقض الأمير اكثر من يوم بلباس الفقير ليشرع في البكاء محاولا العودة الى قصره حيث العيش الرغيد والراحة ، وبعد ان اعاد اليه الولد الفقير ملابسه غير آسف عليها ، ادرك الأمير انه كان بعيدا عن شعبه فقرر ان يحكم بالعدل ويذلل مصاعب حياة الفقراء ….
تذكرت هذه الرواية حين مررت بالقرب من المنطقة الخضراء في ذلك الصباح البارد وشاهدت امهات وآباء شهداء وضحايا سبايكر يفترشون الارض مطالبين بعودة ابنائهم او معرفة مصيرهم ..تمنيت – محض امنية – ان تنزل احدى النائبات لتتبادل الدور مع احدى الامهات فتشعر بلوعة فقدان الابن وتقاوم البرد والاهانة وهي تتوسل الآذان الموصدة ان تسمع نداءاتها …ربما ستكون تجربة جديدة تعيشها النائبة وتدفعها للمطالبة بفتح ملف سبايكر ومحاكمة المسؤولين عنه واعادة المفقودين الى اهاليهم سواءا كانوا احياءا او اموات اذ يكفي المرء احيانا ان يضع شاهدة قبر يزورها ويقرأ عندها سورة الفاتحة بعد ان يتأكد من وفاة ابنه …
امنية اخرى راودتني وانا اشاهد شيخا يبكي صعوبة العيش في خيمة للنازحين لاتصلح حتى لمعيشة الحيوانات –حسب تعبيره- فماذا لو جرب احد المسؤولين عن ملف النازحين العيش في تلك الخيمة يوما واحدا ليخترق البرد عظامه وتصيبه الحيرة في كيفية تدفئة واطعام صغاره ..هل
تراه سيخرج منها ليثير قضية النازحين بشكل جدي مطالبا بعودتهم الى ديارهم وتوفير كافة الخدمات لهم …
ولأن دموع العراقيين باتت رخيصة جدا فقد شاهدت عاملا يبكي بحرقة وهو يصرخ في احدى التظاهرات معلنا عدم استلامه راتبه منذ اربعة اشهر …فهل سيضحي احد النواب براتبه كل هذه المدة ليعيش حياة مواطنا من شعبه ويتعرف على معنى الجوع والعوز والذل ..انها –محض امنية حتما – …
آخر امنية تمنيتها وربما كانت الاصعب هي ان يتبادل احد المسؤولين الادوار مع احد الجنود الرابضين الآن في الثلج متلفعين باغطية بالية وهم يحتضنون اسلحتهم ليكونوا على اهبة الاستعداد لمقاتلة داعش …فهل يمكن ان يترك احد المسؤولين فراشه الوثير ودفء منزله الذي انفق عليه الملايين من اموال العراقيين ليعيش حياة الجنود مواجها البرد والموت من اجل ان يحيا الآخرون وهل سيصحو ضميره لو عاش التجربة فيخرج منها مناديا بالسلام ونبذ العنف وضرورة اخراج داعش وبناء البلد من جديد …امنيات ..محض امنيات …راودتني في هذه الايام المثلجة ..وتمنيت ايضا ان اتبادل الادوار مع مواطنة فقيرة ومتضررة ولكن ماالذي ستفعله اذا حلت محلي …لست مسؤولة لأقدم لها حلولا ..ستفعل ماأفعله حاليا ولن يصدر عنها الا محض امنيات …ومجرد كلام !!!