17 نوفمبر، 2024 9:56 م
Search
Close this search box.

تاييس

حينما قرر الراهب بافنوس أن يذهب إلى الإسكندرية من اجل الغانية  تاييس التي ذاع صيتها بكل الانحاء. بطلة المسرح الروماني فائقة الجمال ساحرة للعقول والقلوب بإنوثتها .حيث إن الرجال تتسابق على كسب ودها ونيل رضاها .  تعرف  عليها الراهب تاييس أيام ظلالته وظلام روحه .وحين منّ الله عليه بالإيمان قرر أن يذهب من اجل باذخة الثراء وباذخة الجمال حيث تسكن بركن يسمى (كهف العذارى) مملكتها التي تسحر قلوب الرجال .ما أن وصل بافنوس إلى قصر تاييس ليجري معها حوار مطول حول حياتها والخلود ثم علامات الكبر والشيخوخة التي باتت واضحة على ملامح وجهها .
فتدخل إلى قلبها إشارات توحي لها بأن تتبع الراهب وتترك حياة الرذيلة والفساد التي كانت تعيشها وتنتقل الى حياة الحب لله وخدمته. وما إن قررت ترك حياة الفحش والرذيلة  يقنعها الراهب بافنوس إن لا تترك ورائها أدوات الفجور التي كانت لها في أيامها الماضية. فتأمر تاييس مع الخدم بأن ينفذوا أوامر الراهب بلا تردد وان يفعلوا ما يطلبه .فأمر الراهب جميع الخدم أن يأتوا بخشب وسط المنزل ويوقدون نارا ويلقون فيها كل ما موجود في الدار. حيث ارتفع عمود اسود من الدخان لإن النار اندلعت فجأة وزأرت كحيوان مفترس واخذ لهيبها يصل إلى عنان السماء .لكثرة ما تم حرقة في منزل تاييس استيقظ الناس على دخان مرتفع من بيت تاييس وأسرع الجميع ليعرفوا ماذا جرى. فرأى الجميع بأن تايسس قررت ترك حياة الخطيئة والتوبة الى الله وكان سبب تحولها هو الراهب بافنوس . فتسائل التجار بأن توبة تاييس سوف تعود عليهم بالكساد في بضاعتهم بسبب ما كانت تأخذه منهم من أقمشة .وكان هنالك أيضا بعض الشباب الفاسقين قالوا إن تاييس اذا توقفت عن التمثيل والرقص فان الملاهي سوف تُقفر،وبهجة المسرح سوف تذهب فأين يقضون لذاتهم بعد رحيلها .ثم جاء المستعطين من العميان والمقعدين والمشلولين الذين تسألوا إذا ذهبت تاييس من سيطعمهم .وإن فُتات طعامها كان يطعمهم أياما .وكذلك كانوا يحصلون على بعض الأموال من رواد بيتها .وفي هذا الأثناء جاء بعض اللصوص واخذوا يصرخون صراخا شديد واندسوا وسط الناس ليزيدوا الاختلال حتى يتيسر لهم سرقة ما يمكن سرقته .
ثم حدث صخب كبير وامتدت الأيدي الى الراهب بافنوس لقتله لأنه السبب في توبة تاييس وتركها حياتها السابقة التي كانت تدر عليهم المال واللذة والطعام واعتبروا الراهب هو سبب خراب حياتهم وأذيتهم، بسبب ما سوف يمرون به نتيجة اغلاق تاييس لبيتها وتوقف كل ما كان يحصل عليه هؤلاء منها . فيقوم هؤلاء الغوغاء بالهجوم على الراهب بافنوس محاولين قتله والتخلص منه من اجل أن يتخلصوا من سبب خرابهم برحيل تايسس. (تاييس) رواية  للكاتب الفرنسي أناتول فرانس الحاصل على جائزة نوبل للأداب .عمل أدبي رائع ومميز رغم حجم الأفكار التي تحملها صفحات الرواية إلا إن فكرة تحول تاييس الى راهبة ثم كيف يتضرر البعض من حالة التحول أو التغير التي تطرأ على حياة البعض سواء أشخاص أو مجتمعات أو أنظمة. الشغب الذي أثاره المنتفعين من بقاء تاييس عاهرة يذكرنا بالنفعيين والانتهازيين الذين يقفون حجر عثرة أمام أي عملية تحول وخاصة التحولات السياسية بين نظامين يشهدان حالة من الارباك والفوضى.حيث ان المنتفعين من النظام القديم يحاولون وبقوة أن يؤثرون بصورة سلبية على النظام الجديد . فان التغير على مستوى الفكر والسياسة وحتى على مستوى الفن والدين يواجهه عاصفة شديدة من النقد والذم والاستهزاء من قبل حراس الأفكار وكهنة المعابد الذين يرهبون الناس من أي محاولة إصلاح أو تغير على المستوى الفردي أو المستوى الاجتماعي  الغريب إنه مع مرور الوقت تصبح عملية التغير مطلب الجميع  وهذا ما  نقرأ بالتاريخ البشري والإنساني من التحولات الكبرى في المعرفة البشرية .
دعاة الإصلاح والتغير عليهم أن يمتلكون إرادة قوية وصبر كبير . والاهم هو المواجهة مع المنتفعين والفاسدين من بقاء الحال على ما هو عليه, والترهيب من الجديد والتخويف من التقدم .لان الأهداف الكبرى تحتاج الى تضحيات كبرى وبالتضحيات تحيى الأمم وتزدهر . وتصبح عملية التغير ممكنة وأمر حتمي في حركة التاريخ.
 
 
ومضة :
لتحقيق أشياء عظيمة لا يجب أن نفعل فقط، بل أن نحلم كذلك؛ ولا نخطط فقط، بل أن نؤمن كذلك.

أحدث المقالات