23 ديسمبر، 2024 5:56 ص

تاريخ العلاقات العراقية – السعودية .. الدور التخريبي لآل سعود في العراق

تاريخ العلاقات العراقية – السعودية .. الدور التخريبي لآل سعود في العراق

من يراهن على شهر عسل عراقي – سعودي، فهو مخطأ وبعيد عن الواقع، أو أنه يعيش في عالم افتراضي وغير واقعي، فالعلاقات العراقية – السعودية لا تشبه في حيثياتها، العلاقات الودية والطبيعية بين أي بلدين متجاورين، أو شقيقين، فهي علاقة قٌدّر لها أن تكون مبنية على العقيدة أكثر منها على المصالح والأخوة، وكانت هذه العقيدة المتناقضة في طرفيها بين المذهب الوهابي التكفيري، وبين المذهب الشيعي الإمامي، الذي كان وسيظل يمثل ثقل الأغلبية في ميزان القوى العراقية، يعتبر السبب الرئيسي لتذبذب العلاقات السعودية – العراقية، بل وكان من الأسباب التي أسهمت بتأخير وتعطيل التغيّير الذي كان من الممكن له أن يحدث في وقت مبكر قبل عشرون عاماً حين أمر الطاغية صدام باجتياح دولة الكويت، وما ترتب عليه من نتائج كارثية بعد التدخل الأمريكي- الدولي، الذي إئتلف لإخراج العراق من الكويت، حيث تقدمت طلائع جيوش التحالف الدولي حينها في العام 1991 داخل الأراضي العراقية، وكانت في طريقها إلى بغداد لإسقاطه، لولا التدخل السعودي والنصيحة التي قدمتها السعودية من خلال وزير خارجيتها المخضرم سعود الفيصل، للإدارة الأمريكية في حينها بعهد الرئيس بوش الأبن، بأن بقاء نظام صدام مع العقوبات الدولية سيكون أفضل من تغيّير يقود لوصول حكومة شيعية تحكم العراق، وتكون على حدود المملكة السعودية.

وحين شاءت السياسة والأقدار أن تحين لحظة الحقيقة بسقوط الطاغية في العام 2003 ويدخل العراق عالم الديمقراطية، التعددي والإنتخابي، وتنفرز المكونات كلا حسب حجمها وتأثيرها بالساحة العراقية، لم يطق عميد السياسة الخارجية السعودية سعود الفيصل صبراً فقالها مريرة معاتبة خلال محاضرة له في معهد نيو كروكر الامريكي : انكم اعطيتم العراق لايران على طبق من ذهب وجعلتم الايرانيين على حدودنا.

وكان التحشيد السعودي لإسقاط التجربة العراقية، لايحتاج إلى خبير وبراهين لكثرتها وتنوعها وإفراطها في التعبير عن النوايا السيئة للمملكة اتجاه العراق، بما كانت تقوم به المملكة من إرسال الاف المقاتلين السعودييّن للعراق، وبما يصدر من علماء السعودية من فتاوي بتكفير شيعة العراق، والحظ على مقاتلتهم وحربهم، وكذلك ما رصدته من ميزانيات مهوّلة لدعم الارهاب والجماعات المتطرفة بالعراق، لزعزعة استقراره وإسقاط تجربته الديمقراطية.

ولقد كان أصدقاء المملكة في أمريكا، هم أول من تصدى لفضح هذه التدخلات المشبوهة للملكة بالشان العراقي، ورعاية الإرهاب في كل المنطقة، وكانت سببا من أسباب اشعالها وادخالها في اتون الحرب الاهلية كما حدث في سوريا والعراق واليمن حين صرح جو بايدن نائب الرئيس الأمريكي أوباما : بأن السعودية تعتبر من الدول الرئيسية الممولة للإرهاب بالمنطقة.

أن موضوع التدخل السعودي بالشأن العراقي قديم وليس بالجديد، وكان على الدوام مرتبط بالحالة العقدية في المملكة مع ظهور محمد ابن عبدالوهاب وتحالفه مع ابن سعود، في العام 4417 كما يذكر السفيرالأمريكي السابق لدى كوستريكا كورتين وينزرفي دراسة نشرها في مجلة ميدل ايست مونيتر-MidEast Monitor في عدد يونيو- يوليو2007 : والذي مكن الأخير من بسط نفوذه، مقابل دعمه لأتباع عبدالوهاب في رسالتهم “لتطهير الأرض من الكفار”.

ولقد كان من نتيجة هذا التحالف السياسي- الديني، ثمار خطيرة كان لها الأثر البالغ في بسط نفوذ آل سعود في نجد والحجاز، وتأسيس المملكة العربية السعودية في سبتمبر 1932 وفي عودة قصيرة للوراء، يظهر للمتبع تاريخ العداء السعودي للعراق من خلال الغزوات التي كانت تشنها القبائل التابعة لآل سعود، كما تذكر كتب التاريخ حيث حصل الصدام الأول في العام 1799 حين قامت قافلة من أعراب الوهابية، بمهاجمة قبيلة الخزاعل في النجف الأشرف وقتل زعيمها خلال تأديته مراسم الزيارة، واستمرت تلك المعركة لساعات طويلة، ثم تلتها غزوة أخرى في العام 1800 كان القصد منها مهاجمة الضريح المقدس في النجف ونهب الأموال، فتصدى لهم أعراب البصرة وكسروا شوكتهم وغنموا منهم أكثر من ألف وستمائة جمل.

وكانت أقسى تلك الغزوات وأشنعها، تلك التي حدثت في كربلاء في 18 ذي الحجة 1802 المصادف عيد بيعة الغدير، حيث هاجم آل سعود الوهابيون في عهد سعود بن عبد العزيز بن محمد آل سعود، مدينة كربلاء المقدسة، وهنا يذكر الكاتب البريطاني همسلي لونكيرك ماحدث في كتابه (أربعة قرون من تاريخ العراق الحديث) : ولقد دخل الوهابيون البلدة على حين غرة وهم شاهرين سيوفهم، يذبحون كل من يلقونه في طريقهم، ولم يستثنوا أحداً من الشيوخ والاطفال والنساء.

اختلف المؤرخون في أعداد الضحايا ففي حين قدره البعض ب8000 الاف قتيل قدره البعض الاخر بأقل منه، وقيل أنهم قتلوا عند ضريح الأمام الحسين 50 شخصاً، وفي الصحن 500 ونهبوا الدور والحوانيت، والمرقد المقدس وحاولوا قلع الصفائح المذهبة من الجدران ولم يفلحوا .

بعد غزو مدينة كربلاء المقدسة توجهت قبائل آل سعود إلى النجف الأشرف، لكنّهم فشلوا في الدخول الى النجف لشدة دفاع أهلها عنها، لما شاهدوه من قتل وتدمير لحق بمدينة كربلاء على أيدي هؤلاء الوهابية، ولم يقتل من أهل النجف سوى خمسة أشخاص بتبادل الرصاص بين المهاجمين من بعد . المصدر جعفر محبوبة ( ماضي النجف وحاضرها ) النجف 1958 الجزء الاول ص 326 .

وحاول آل سعود مرة اخرى غزو النجف وكربلاء في العام 1807 لكن تلك الغزوة فشلت أيضاً، لاستبسال أهل المدينتين في الدفاع عنهما.

أما في العهد الملكي فلقد حاول الملك فيصل الأول تأمين حدود العراق مع الجزيرة العربية ممثلة بسلطنة نجد، التي كان يحكمها عبدالعزيز آل سعود قبل قيام المملكة، فعقد اتفاقية

(العقير)في العام 1922 مع عبدالعزيز آل سعود، والتي رسمت بالطريقة التي وضعها المندوب السامي البريطاني في العراق بيرسي كوكس، على شكل خط أحمر بين العراق ونجد.

وفي نوفمبر 1927 عقدة معاهدة ثانية بين المملكة العراقية ومملكة نجد والحجاز، سميت اتفاقية (بحرة)، ووضعت تلك الإتفاقية حداً للتجاوزات التي كانت تقوم بها قبائل آل سعود الوهابية على الأراضي العراقية، من خلال إلزام المملكتين بمنع مواطنيها من التجاوز على حدود الأخرى، وكذلك تأسيس لجان ومحاكم مشتركة لغرض البث في التجاوزات والإعتداءات التي تقع بين البلدين.

وكانت تلك الإتفاقية بداية لعهود من الاستقرار الأمني بين البلدين، استمر لعقود من السنين حتى سقوط نظام البعث في نيسان 2003 وربما يكون سبب ذلك، هو شكل النظام الذي استقرت عليه المملكة وكذلك التحالفات الدولية، التي جرت بعد الحرب العالمية الثانية والتي ألزمت المملكة السعودية، باحترام سيادة الاخرين بالإضافة إلى التطور الذي شهده العراق خلال تلك المراحل، وتحوله من مملكة صغيرة ضعيفة الإمكانيات، إلى دولة مدنية معاصرة بمؤسسات حديثة كان الجيش أهمها.

بعد 2003 وما حصل من متغيّرات، في الخارطة السياسية العراقية والإقليمية، وقفت المملكة السعودية بالضد من العراق، وبصورة سافرة ومعلنة من خلال تبني سياسات ممنهجة كان الغرض منها إسقاط التجربة العراقية الوليدة، وإرجاع العراق إلى ماكان عليه قبل 2003 وكان تتويج ذلك التدخل المباشر بالشأن العراقي، هو تلك الفتوى الشهيرة التي صدرت من 26 عالم سعودي يقودهم رئيس المحكمة العليا بالسعودية محمد اللحيدان، في نوفمبر 2004 والتي دعت الشباب السعودييّن بالذهاب إلى العراق، والإنخراط في المجاميع المسلحة بحجة محاربة القوات الأمريكية، فيما أكدت دراسة اعدها معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى في عام 2006 نقلاً عن صحيفة الوطن السعودية، أن عدد القتلى من الجهادييّن السعوديّين منذ 2003 بلغ 2000 مقاتل، وكانت وسائل الإعلام التي تسيطر عليها المملكة، من قنوات فضائية وصحف ومجلات ومواقع الكترونية، قوة داعة في التحريض على الإرهاب وتكفير طائفة كبيرة من الشعب العراقي، ذنبها الوحيد أنها لم تكن في توافق مع الفكر الوهابي، الذي كانت هويته وعقيدته تكفير الجميع، بدون استثناء لكن حسب الدرجات والمستويات التي تراها هي مناسبه لظرفها، وكان تدفق المئات من المقاتلين من نتائج هذه الحملة الإعلامية المرافقة للدعوات والفتاوي، التي تحرض على العنف في العراق، وفي تقرير نشرته صحيفة نيويورك تايمز في العام 2007 نشرت: أن قوة أمريكية كانت هاجمت موقعاً للقاعدة، قرب سنجار قد عثرت على بيانات تضم أسماء ومعلومات عن أكثر من 700 مقاتل سعودي وعربي، كان معظمهم من السعوديّين، كان قد تم تجنيدهم وتنظيمهم، في المساجد والجامعات وأماكن العمل وارستلهم إلى العراق.

أن الدور السعودي والعلاقات السعودية – العراقية خلال عقود من تأسيس الدولة العراقية كان يتماشى مع المصالح السعودية، بالأساس وليس المصالح المشتركة لكلا البلدين، وما الموقف السعودي من الحرب (العراقية – الإيرانية) 1980 والحرب(العراقية- الكويتية)1991 إلا خير

مثال على تلك السياسة، فالسعودية كانت عقدت خلال عهد النظام السابق اتفاقيتين، الأولى في 1975 والثانية في العام 1982 لتحديد الحدود بين البلدين، لكن الغريب في الأمر ان كلا الإتفاقيتين ظلت في أدراج السرية، ولم تٌسلم منها نسخ إلى الأمم المتحدة كما هو المعمول بالإتفاقيات الدولية بين البلدان المتعاهدة، وكان للموقف السعودي المساند لنظام صدام الأثر الكبير في استمرار حرب الثمان سنوات بين العراق وإيران، بما كانت تمده به من أموال وسلاح ودعم دولي في كل المحافل الدولية والأممية، وكانت السعودية ومعها دول الخليج النفطية تعتبر نظام صدام شرطي المنطقة وحارس مصالحها النفطية والأمنية، من نفوذ الدولة الطامحة والناشئة تواً، الجمهورية الإسلامية الإيرانية، بخلفيتها العقائدية التي لا تنسجم مع النظام السياسي المتأدلج وهابياً، في معظم دول الخليج آنذاك، وكان شعار صدام الذي رفعه ( حماية البوابة الشرقية للأمة العربية)، ينسجم مع السياسات الخليجية التي كانت تقودها السعودية، لكن بعد غزو صدام للكويت في آب 1990 تغيرت سياسة المملكة السعودية ومعها دول الخليج، اتجاه العراق ونظام صدام، فلقد اجتاز الطاغية الخطوط الحمراء بتعامله مع اصدقائه واشقائه، لذك كان عليه أن يدفع الثمن دون ان يتسبب ذلك في إسقاطه حين تصدت السعودية، لتشكيل تحالف دولي تقوده الولايات المتحدة الأمريكية أولا : لإخراج العراق من الكويت وثانياً: لتدمير المؤسسة العسكرية العراقية، وإضعاف الجيش وتحويل النظام في بغداد، إلى نظام هزيل يحقق ما تطلبه السعودية وأمريكا، وحدث هذا خلال الإنتفاضة الشعبانية في ربيع 1991 حين كانت تتقدم القوات الأمريكية، بقيادة شوارزكوف باتجاه بغداد لإسقاط نظام صدام، لولا التدخل السعودي وإيقاف هذا الزحف، الذي كان لو حصل فإنه سيجيء بحكومة شيعية، تهدد مصالح وأمن الخليج على حد قول وزير الخارجية سعود الفيصل.

الآن يحاول بعض عرابوا السياسة العراقية، بناء نوع جديد من العلاقة بين العراق والمملكة تساعد على استقرار الأوضاع الأمنية في العراق، على حد تفكيرهم ورأيهم لكنهم نسوا أو تناسوا أن أمريكا ومع كل علاقاتها الاستراتيجية مع السعودية، وخلال أكثر من 10 سنوات فشلت في اقناع المملكة في فتح سفارة لها في بغداد، وفشلت فشلاً ذريعاً في تحجيم الدور التخريبي للملكة في العراق، لأسباب لم تعد خافية على الجميع، فكيف بهؤلاء وفي ظرف مثل هذا سيتمكنون من تغير سياسة سعودية، عمرها يمتد لما يقارب القرنين تقضي بتكفير الطائفة الشيعية أينما كانوا، فكيف بهم إذا كانوا يقودون دولة بحجم العراق وعلى حدود المملكة! أن الوعود السعودية بتغييّر سياسة المملكة اتجاه العراق، قديمة ومكررة ولم تعد تنطلي على أحد، وهي نتيجة واقع لا يمكن الخلاص منه أو حتى التأسيس عليه، فهناك نظام ملكي رجعي يستمد قوته وديموته من فكر ظلامي إقصائي، يعتبر كل من يخالفه كافر ويبيح دمه وأرضه وعرضه، وماحدث في العراق وخصوصاً، بعد يوم 12 حزيران 2014 لهو أكبر دليل على همجية هذا الفكر الظلامي، الذي تأسس في أقبية ودهاليز المؤسسات الدينية والجمعيّات الخيرية السعودية، من مساجد ودوائر الفتوى التي تستنسخ الفتاوي التكفيرية القديمة لأبن تيميه وابن الجوزية، التي اباحت دماء المسامين لمئات من السنين وعاثت في الأمة الفساد والخراب، وهذا ماحصل في الموصل وسنجار وتلعفر من قتل وذبح للرجال والشيوخ والأطفال وسبي للنساء، وبيعهن في أسواق نخاسة آل سعود، ولم يسلم منهم حتى

أبناء جلدتهم في مدن غرب العراق في الأنبار، حين ارتكبو فيهم افظع المجازر لا لشيء سوى لأنهم لم يعلنوا البيعة لخليفتهم الوهمي الذي لم يره ولا يعرفه احد.

إن الضمان الحقيقي لاستقرار العراق، وتحقيق سيادته وأمنه، ليس باستجداء علاقات مشبوهة ووعود لن يوفى بها، بل بدعم الجيش الوطني العراقي، والحشد الشعبي التي استلمت زمام المبادرة، وهي في طريقها لتحرير كل أرض العراق من دنس داعش الوهابية.