18 ديسمبر، 2024 7:36 م

تاريخ الحركة السياسية في البصرة

تاريخ الحركة السياسية في البصرة

هناك حقيقة تؤكد ان اغلب الحركات والاحزاب السياسية في الوطن العربي ولدت بعد نكبة فلسطين عام ١٩٤٨ خصوصاً بعدفضيحةالاسلحة الفاسدة التي بلورت شعور وطني للتخلص من الاستعمار وأعوانه وقد أثمرت تلك المشاعر الغاضبة ولادة حركات سياسيةتجسد نضالها في اطار الصراع العربي الاسرائيلي والقت بظلالها على عموم الوطن العربي منها حركة القوميين العرب التي ظهرت فيبيروت والشام وكان من ابرز قادتها هاني الهندي وباسل الكبيسي وجورج حبش وكلوفيس مقصود ونايف حواتمه وايضاً قبل النكبة تأسسحزب البعث في سوريا من قبل ميشيل عفلق وصلاح البيطار وانعكست تلك التنظيمات على المشهد العراقي بالرغم من وجود احزاب راديكاليةتتكون من نخب سياسية تفتقر الى الجماهير لكنها لعبت دور في الحياة السياسية العراقية وكانت تعمل من اجل استقلال العراقضدالاستعمار البريطاني مثل الحزب الوطني الديمقراطي الذي كان من اشهر قادته كامل الجادرجي وحسين الجميل وفي البصرة جعفرالبدر وهاشم بركات وايضاً حزب الاستقلال الذي كان من اشهر شخصياته فائق السامرائي وعبد الرزاق شبيب وصديق شنشل وكان ممثلينالحزب في البصرة الحاج امين الرحماني وعبد القادر السياب وعبد العزيز بركات الذي كان سكرتيراً للحزب في البصرة، بالاضافة الىالحزب الشيوعي الذي كان محظوراً واغلب كوادره في السجون ومن قياداتهم في البصرة احمد العلوان الذي قتل في نقرة السلمانوعبدالمجيد السياب ويوسف جمال التميمي وعبد الدائم ناصر العيادة وفاروق المعراج ورجاء عبد الرزاق، وكذلك حركة الاخوان المسلمين فيالبصرة المتمثلة بقيس القرطاس وخليل العقرب وعبد الحميد الفريح .. مما يعني ان تلك الاحزاب والحركات السياسية التي امتدت الى اغلبمدن العراق ومنها البصرة وقد مارس من خلالها العديد من الشخصيات البصرية العمل السياسي من اجل استقلال العراق ومقارعةالاستعمار البريطاني في اطار العمل القومي والتقدمي لحين انبثاق ثورة ١٤ تموز ١٩٥٨. وقبل الحديث عن الثورة لابد من بيان ابرز العواملالاساسية التي ادت الى قيامها ومنها :

اولاً : الرفض الشعبي لحلف بغداد الذي تأسس في عام ١٩٥٥ وكان يضم العراق وتركيا وبريطانيا وايران وباكستان الذي كان يمثل انحيازكامل للمعسكر الغربي بما يتعارض مع المواثيق العربية ..

ثانياً : الاتحاد الهاشمي بين العراق والاردن وكان الغرض منه محاربة الوحده بين مصر وسوريا ( والمفارقة بعد الثورة، العراق اول من ايدالانفصال بين مصر وسوريا حيث اعلن عبد الكريم قاسم في يوم ٩ تشرين الاول عام ١٩٦١ اعترافه بحكومة الانفصال وتولى القنصل العامالعراقي في دمشق نقل اعتراف العراق الى مأمون الكزبري رئيس حكومة الانفصال في سوريا ونقلت وكالة الانباء العراقية قول الكزبري .. ( انها ليست رسالة اعتراف فحسب بل انها تحتوي على عواطف اخوية ومشاعر سامية ) لذلك العراق كان اول بلد عربي يستقبل دبلوماسيسوري يمثل النظام الجديد في سوريا ..

ثالثاً : العدوان الثلاثي على مصر عام ١٩٥٦ بعد تأميم قناة السويس وموقف الحكومة العراقية المشبوه من العدوان وكان رد الفعل على هذاالعدوان تأليف جبهة وطنية سميت بجبة الاتحاد الوطني مؤلفة من الحزب الوطني الديمقراطي وحزب الاستقلال والحزب الشيوعي وحزبالبعث العربي الاشتراكي واصدروا بيان في التاسع من اذار ١٩٥٧ للعمل من اجل اسقاط الحكم الذي يمثله نوري السعيد وعبد الالهوقداستطاعت الجبهة من تعزيز صلاتها بالعسكريين العراقيين ذوي النزعة الوطنية بهدف تنسيق الجهود لاسقاط الحكم الملكي .. مما يعنيان هذة الاوضاع التاريخية التي مرت على العراق ادت الى انبثاق ثورة ١٤ تموز ١٩٥٨ وسرعان ما تم تشكيل مجلس سيادة في اليوم الاولللثورة بدلاً من مجلس قيادة الثورة خلافاً لما كان متفق علية من قبل الضباط الاحرار، كما تم الاعلان عن تشكيل الوزارة الاولى في العهدالجمهوري برئاسةالزعيم عبد الكريم قاسم اضافة الى وزارة الدفاع وكالة وقائداً عاماً للقوات المسلحة، وعبد السلام عارف نائب لرئيسالوزراء ووزيراً للداخلية وكالةً، وضمت وزراء من بين احزاب جبهة الاتحاد الوطني .. وفي ١٥ تموز اعلن العراق انسحابه من الاتحادالهاشمي، وفي نفس اليوم كانت الجمهورية العربية المتحدة اول المعترفين بالثورة وكان الاتحاد السوفيتي الدولة الثانية التي اعلنت اعترافهابالثورة وذلك في ١٦ تموز ١٩٥٨ على اثر زيارة الرئيس جمال عبد الناصر الى الاتحاد السوفيتي واجتماعه مع نيكيتا خروشوف من اجلالحصول على ضمانات من السوفييت لاجهاض اي تحرك غربي مضاد للثورة العراقية .

ومن اجل الوقوف على توجهات النظام الجديد في العراق قابل السفير البريطاني الزعيم عبد الكريم قاسم في صباح يوم ١٥ تموزبحضور نائبه عبد السلام عارف، وايضاً في مساء نفس اليوم قابل الزعيم السفير الامريكي بحضور ناجي طالب وزير الشؤون الاجتماعية،وكلا السفيران ابلغا حكومتهما ان الارضاع في العراق تسير نحو الاستقرار .. وفي الاول من آب عام ١٩٥٨ طلب السفير البريطاني مرةاخرى مقابلة الزعيم عبد الكريم قاسم وسلمه مذكرة اعتراف بريطانيا بالحكم الجديد في العراق، وايضا في اليوم التالي في ٢ آب قابلالسفير الامريكي وزير الخارجية عبد الجبار الجومرد وابلغه اعتراف امريكا بالنظام الجديد، وفي اليوم نفسه اوفدت امريكا روبرت مورفيالى العراق كمبعوث للرئيس ايزنهاور لاجراء مباحثات مع المسؤولين العراقيين حيث اجرى حوار مطول مع عبد الكريم قاسم حول الرؤياالمستقبلية للعلاقات الثنائية والاقليمية والذي تم تطمين امريكا على مصالحها في العراق وايضاً تم اقناع الادارة الامريكية بأن عبد الكريمقاسم لا يفكر في الوحدة الفورية مع مصر. وكان لهذا الموقف أثر في ظهور بوادر الخلاف بين عبد الكريم قاسم وعبد السلام عارف ذو الميولالقومية والوحدوية الذي لاقى دعم من القوميين مما اثار حفيظة عبد الكريم قاسم والشيوعيين الذين تقربوا من قاسم واعتبروا عبد السلاميشكل خطراً على خططهم وافكارهم خصوصاً دعواته المتكررة للوحدة الفورية مع الجمهورية العربية المتحدة وقد تعمق الخلاف بين القطبينالرئيسيين نتيجة اخطاء ارتكبها عارف وخطاباته الارتجالية في المحافظات العراقية وانتقل الخلاف الى الشارع العراقي بعد التصدع الذياصاب قادة الثورة مما ادى ذلك الى انقسام القوى السياسية في العراق التي كانت مؤتلفة ضمن الجبهة الوطنية قبل الثورة واستقالة العديدمن وزرائها بعد الثورة .. وبعدها توالت الاحداث بشكل سريع حيث تحولت الخلافات الى صراعات دموية انعكست على مختلف المحافظاتالعراقية ومنها الموصل وكركوك وما تلاها من هرج ومرج وسحل واعدامات شملت البعض من الضباط الاحرار المشاركين في الثورة، وايضاً لمتكن البصرة بعيدة عن ذلك التشظي حيث انقسم المجتمع البصري الى طرف متمسك بقوميته وعروبته وطرف آخر مناهض للفكر القومي وهمالشيوعيين وغالباً ما كان يحصل بين الطرفين اتهامات متبادلة هدفها التسقيط السياسي وتؤدي في كثير من الاحيان الى معارك عنيفة حيثكان يوجه الاتهام الى القوميين بأنهم قوى رجعية شيفونيه عنصرية .. وايضا القوميين يتهمون الشيوعيين بحركة شعوبية تمتد جذور اغلبكوادرها الى قوميات غير عربية ومارسوا العمل السياسي وفق النهج الاممي للحزب الشيوعي بسبب إنكارهم للأفكار القومية حتى اعتقدالكثير ان تلك الصراعات تعود بالأساس الى الأصول العرقية اكثر من ما هي خلافات سياسية، ومع ذلك لا احد ينكر بروز نشاط الحزبالشيوعي جماهيرياً بعد ثورة الرابع عشر من تموز خصوصاً في أوساط الطبقات الكادحة من العمال والفلاحين وقد تمكنت القيادة المحليةللحزب في البصرة التي كانت تتمثل بجاسم المطير وكامل سالم الروضان ومحمد رضا الجزائري وسعدي يوسف وعبد الحسن جبار عودةواخرين منهم عبد الوهاب طاهر وسليم إسماعيل وأنور طه ومحمد جواد البطاط من تجييش الجماهير الكادحة واستثمار قرارت الثورة الفتيةضد النظام الملكي في إقامة الاحتفالات والمهرجانات الجماهيرية وكان صوت بشرى الدّول يصدح بالأهازيج والاغاني الشعبية مثل “هلا بيهاالجمهورية – الى الامام ديمقراطية وسلام “مع هتافات التمجيد بحياة الزعيم عبد الكريم قاسم الذي اعتبر بطلاً وقائداً للثورة خصوصا هتاف” ماكو زعيم الا كريم ” لإغاظة الطرف الاخر .. اما الحركة القومية في البصرة فكان يطلق على كوادرها تسمية القوميين لانه لم يظهر بعد فرزفي التسميات في تلك المرحلة فقد كانت متداخلة ما بين البعثيين والقوى القومية، حيث تأسس حزب البعث في البصرة عام ١٩٥٤ من قبلهاشم عبد الرزاق السامرائي الذي كان مدرس في العمارة وقام بنقل التنظيم الى البصرة وايضاً من مؤسسين التنظيم في البصرة شوكتبلايا ( مسيحي ) ووداد الناهي الذي كان مدرس في ثانوية الفيصل وطه الرشيد من الزبير وفتحي حسين، وايضاً من الكوادر الاوائل راضيالركابي واحسان السامرائي ويحيى المناصير وفاروق العمر والدكتور كامل الدوري وموفق جاسم شوقي وعبد اللطيف الحميدان وفاروقبركات ومن الكادر النسائي منال النعمة وسعدية الفرحان وبثينة السواد .. وبعد ثورة ١٤ تموز ١٩٥٨ تولى تنظيمات البصرة فتحي حسينوراضي الركابي وجاسب الامارة واحسان السامرائي وطه الرشيد وجبران خليل وفاروق العمر .. اما القوميين منهم الذين انشقوا من البعث ( جماعة فؤاد الركابي ) .. وجماعة القوميين العرب وممثليهم في البصرة المحامي نوري الوافي وعبد الاله الغالي وكريم جابر وجودت القزويني- الا ان تسمية القوميين كانت تطلق على الجميع بسبب تأثير الثورة المصرية بقيادة الرئيس الراحل جمال عبدالناصر التي بلغ صداها ليسفقط على صعيد البصرة وانما على صعيد العراق والوطن العربي لذلك أمتد الشعور القومي العروبي في مواجهة المد الشيوعي بعد اتهامعبد الكريم قاسم الانفراد في السلطة واصبحت الثورة الفتية لا تخلو من العنف والصدام وغالباً ما كانت تنعكس تلك الصدامات على البصرةخصوصاً خلال فترات الانتخابات النقابية او الطلابية وكانت أشهر معركة حصلت بين الطرفين في انتخابات نقابة المعلمين في عام ١٩٥٩والتي جرت في متوسطة النضال للبنين الواقعة على نهر نظران في منطقة البصرة القديمة وقد اشتدت الاشتباكات بحيث لم تتمكن الشرطةمن فضها الأ بعد تدخل آمر الانضباط العسكري واستمر هذا الحال في تلك المرحلة التي اتسمت مابين الكر والفر لحين حصول ثورة ٨شباط ١٩٦٣ بغض النظر عن التسميات سواء ثورة او انقلاب لان تلك التسميات أمر مرتبط بالانتماء السياسي والفكري للاشخاص الذينعاصروا تلك المراحل التي مرت في العراق، والمهم في ذلك التاريخ تم ازاحت حكم الزعيم عبدالكريم قاسم واستئثار البعثين في السلطة،وبالرغم مما حدث لا احد ينكر عفة الزعيم ونزاهته .. ويذكر محسن الشيخ راضي القيادي البعثي في مذكراته بأن البعثيين بعد ٨ / شباط١٩٦٣ قد نالوا من الشيوعيين قسوة وشراسة من قبل الحرس القومي لم ينالوا مثلها في عهد النظام الملكي كرد فعل انتقامي على ممارساتالتنكيل والبطش التي قام بها عناصر من المقاومة الشعبية، بينما يختلف الحال في البصرة في تلك المرحلة التي كانت الاحداث اقل حدة مماكان يحصل في بغداد حيث كانت قيادة تنظيم البعث في البصرة بعد ٨ شباط ١٩٦٣ تتألف من شعبان جاسم الذي حصل في داره اولمؤتمر قطري للحزب والذي قرر تحويل تنظيم المنطقة الجنوبية الى البصرة وايضاً كان من القياديين في التنظيم راضي الركابي واحسانالسامرائي وعبد الواحد تركي وفتحي حسين الذي اصبح امراً للحرس القومي الذي قام باعتقال كوادر الحزب الشيوعي وايضاً رموز الحركةالقومية الناصرية في ذلك الوقت، وكان من البعثيين البارزين في البصرة في تلك المرحلة مهدي آصف وموفق جاسم شوقي وجهاد العمر .. وبقي الوضع مضطرباً لحين حركة الثامن عشر من تشرين عام ١٩٦٤ التي قادها المشير عبد السلام عارف ومجموعة من العسكريينالبعثيين في ازاحة الحرس القومي ثم ازاحة حكم البعث من السلطة واصبح الحكم بيد القوى القومية الناصرية المتعددة الاطراف والمتشعبةالاسماء والطموحات واستمرت بينهم الحوارات من اجل انبثاق تنظيم موحد يشمل كل القوى الناصرية على غرار تجربة الاتحاد الاشتراكيالعربي في مصر فقد اعتمد المشير عارف في ١٤ تموز ١٩٦٤ على صبحي عبد الحميد في تشكيل الاتحاد الاشتراكي كتنظيم قومي موحدتنصهر فيه الحركات القومية ذات الاهداف المشتركة والتي تعمل من اجل تحقيق الوحدة مع الجمهورية العربية المتحدة وقد حلت اربعةتنظيمات قومية نفسها وانضمت الى الاتحاد وهي حركة القومين العرب، والحزب العربي الاشتراكي، وحركة الوحدويين الاشتراكيين،والوحدويون الاشتراكيون الديمقراطيون، وقد القت تلك التطورات بظلالها على البصرة حيث تم اتخاذ بهو البلدية في العشار مقراً للاتحادالاشتراكي وكان من المقرر ان يكون يوسف الشنقيطي رئيسا للاتحاد الذي كان من رواد الحركة القومية في ذلك الوقت .. ولكن لم يتحققالنجاح لفكرة تنظيم الاتحاد الاشتراكي في صهر القوى القومية في بودقة الاتحاد بسبب الخلافات التي دبت بين الضباط القوميين وعبدالسلام عارف والتي ادت استقالة خمسة وزراء من الحكومة منهم صبحي عبد الحميد وعبد الكريم فرحان وزير الثقافة والإرشاد وأديبالجادر وزير الصناعة وعبد الستار علي الحسين وزير العدل وفؤاد الركابي وزير الشؤون البلدية وعزيز الحافظ وزير الاقتصاد .. ونتيجةفشل تأسيس الاتحاد الاشتراكي تشكلت الحركة العربية الاشتراكية وتم اختيار صبحي عبد الحميد أميناً عاما لها وقد تولى قيادتها فيالبصرة هادي محمد جواد الذي التحق فيما بعد بالتنظيمات الفلسطينية الفدائية في بيروت بعد نكسة حزيران وحل مكانه سلطان التميميوكذلك من ابرز قيادات الحركة مهدي آصف وكاظم الشيخ والخط الثاني لؤي الرحماني وجاسم المعروف وعصام الشريدة وعبد الجبار السوادوعدد من طلاب جامعة البصرة ومنهم قاسم عبد السادة ومعن الشاوي ورشيد العجيل الذي اتهم بتعاونه مع مديرية امن البصرة والذي بررذلك بأن المديرية تابعة للنظام وانه كان يرفدها بنشاط القوى المعادية وبالرغم من ذلك فصل من التنظيم بسبب سلوكه الفردي بدون علم الحركة.. وقد تقلص نشاط الحركة خلال فترة حكم عبد الرحمن عارف وكذلك سائر القوى السياسية التي عاشت مرحلة الخمول السياسي ومنهاالبصرة التي شهدت نفس الخمول ولم يعد فيها نشاط سياسي بارز سوى مناكفات على مستوى الطلبة المشاكسين في جامعة البصرة التيتأسست في عام ٦٤ – ١٩٦٥ وغالباً ما كان يشهد نادي طلبة الجامعة معارك بين الشيوعيين والقوميين والبعثيين واشهرها قيام لؤي الرحمانيالذي كان طالباً قومياً معروف في كلية الحقوق باطلاق النار في الهواء من مسدسه في نادي الجامعة في حادثة لم تكن مسبوقة فيالجامعات لنشر الرعب في صفوف المناوئين وايضا في حادثة اخرى غير مسبوقة في جامعة البصرة قيام الطالب موسى عبد الحميد احدطلاب كلية الهندسة ورئيس الاتحاد الوطني لطلبة العراق في البصرة باغتيال رئيس الجامعة الدكتور خليل الطالب وبعد محاكمة سريعة بأمرمن رئيس الجمهورية احمد حسن البكر في حينه تم شنقه وتعليق جثته في باحة الجامعة بالرغم من ان الحادثة ليست بسبب سياسي .. وهكذا استمر الحال في البصرة مابين مناكفات وجدال ومشاحنات لحين حصول نكسة الخامس من حزيران عام ١٩٦٧ التي كسرت ذلكالجمود وادت الى هياج شعبي في عموم العراق ومنها البصرة التي شهدت مظاهرات عارمة انطلقت من ساحة اسد بابل قرب بهو البلدية فيالعشار نهاية الشارع الوطني متجهة الى شارح الكورنيش حيث القنصلية الامريكية وقد شاركت فيها كل النخب الوطنية والقومية والتقدميةوعند الوصول الى مبنى القنصلية الامريكية قام المرحوم حكمت العبايجي باختراق الحاجز الامني محطماً زجاج لوحة الصور والاعلاناتالتي كانت مثبتة على جدار المبني .. وايضاً من تداعيات النكسة حصلت تطورات في خارطة الساحة السياسية في العراق حيث أتجه بعضالشخصيات القومية نحو أقصى اليسار حيث خرج من الحركة العربية الاشتراكية فؤاد الركابي وخالد على الصالح، وشكل صبحي عبدالحميد حزب الوحدة، وايضاً شكل رشيد محسن الحزب الاشتراكي وكذلك اعلن عبد الاله النصراوي تشكيل الحركة الاشتراكية العربية ذاتالتوجه اليساري وأصدر بيان تشكيلها في ١٦ تموز عام ١٩٦٨ اي قبل يوم من ثورة ١٧ تموز وأيضاً لم تكن البصرة بعيدة عن تلك التطوراتحيث تولى رجاء العبايجي مسؤولية تنظيم حزب الوحدة في البصرة ومعه عصام العبود وشاكر النعمة ورياض الكبان ولؤي الرحماني ومحمدسعيد الكبيسي احد طلاب كلية الهندسة في جامعة البصرة الذي توفي اثر حادث سيارة غامض في عام ١٩٦٩ ورزاق السواد وكثير منالشباب القومي المتحمس .. اما الحزب الاشتراكي فقد تولى سلطان التميمي وحكمت العبايجي وقاسم عبد السادة مسؤولية التنظيم فيالبصرة، بينما لا يخفى على احد ان تلك التنظيمات كانت ضعيفة وتفتقر الى القاعدة الجماهيرية الا ان صداها كان نابع من الفكر القوميالناصري التي كانت الجمهورية العربية المتحدة مركز اشعاع لذلك الفكر، وايضاً من تداعيات نكسة حزيران قيام ثورة ١٧ تموز ١٩٦٨وانفراد حزب البعث العربي الاشتراكي بالحكم بعد ازاحة عبد الرزاق النايف وعبد الرحمن الداود واعتقال رموز الحكم العارفي وقادةالتنظيمات الاخرى في بغداد والبصرة ومدن اخرى من العراق حيث تم اعتبارهم من المناهضين للثورة ومنهم الشيوعيين والبعثيين اليساروالقوميين وكان تنظيم حزب البعث في ذلك الوقت على مستوى الشعبة حيث تولى كاظم جعفر مسؤولية التنظيم ومعه في قيادة التنظيم عدنانالقصاب مدير الموانئ وناصر الحديثي محافظ البصرة واحسان وفيق السامرائي، وعبد الاله خضير ، واحمد شهاب، وصفاء العمر، والملاشاكر عبد الصمد ومن الكوادر المتقدمة في التنظيم محمد خلف الملا، وقاسم شريف، وسيد صالح الموسوي، وهاشم علي، وفاروق مصطفى،وهادي الربيعي، فاروق المعيوف وايضاً من البارزين جهاد العمر وعلاء المنديل الذي اصبح فيما بعد امين سر فرع ام المعارك وكذلك غازيالديراوي وغازي العبيدي ورشيد البدران وغيرهم الكثير وقد شهدت البصرة في تلك الفترة نوع من الاستقرار السياسي بعد الاستفادة منتجربة اخطاء عام ١٩٦٣ وانقلاب عبد السلام عارف التي كانت تعرف بردة تشرين .. وفي عام ١٩٧٢ تم طرح فكرةالجبهة القومية التقديميةلتضم البعض من قادة الحزب الشيوعي ومنهم عامر عبد الله الذي عين وزيراً للدولة وشخصيات تقدمية وقوميةوسرعان ما أنفض تشكيل تلكالجبهة التي لم تستمر طويلاً وبذلك تشتت كل القوى السياسية واصبح حزب البعث الماسك للدولة والذي غير من مفاهيم اللعبة السياسية بعدتنامي قاعدته الجماهيرية بأعتباره تنظيم قومي كان صداه يمتد على ساحة الوطن العربي وحقق كثير من الانجازات في العراق سواء علىصعيد التنظيم الحزبي او على صعيد الدولة منها تأميم النفط والنهوض بالتعليم ومكافحة الامية وتطوير الثروة الزراعية .. لحين اندلاع الحربالعراقية الايرانية وكانت البصرة اول من شهدت حرب المدن واطلاق الصواريخ الايرانية عليها ليل نهار .. ومن ثم حرب الكويت ومعاناتالحصار الاممي .. لحين الوصول الى الاحتلال الامريكي البغيض وهيمنة الدخلاء على تلك المدينة العريقة وبذلك انحسر المد العروبيوالتقدمي في آن واحد وباتت احزاب الاسلام السياسي من الموالين لإيران هم المتحكمين في مقاليد الامور على مستوى محافظات العراقومنها البصرة التي شهدت حركة تهجير لابنائها الوطنيين وتوطين الدخلاء وتسلطهم على تلك المدينة العريقة التي اشتهرت برجالاتها منذ عبقالتاريخ وهي التي انجبت الحسن البصري والخليل بن احمد الفراهيدي والجاحظ ومن المعاصرين من الشعراء والكتاب والمؤرخين والصحفيينمثل بدر شاكر السياب وسعدي يوسف وفاروق العمر ورجب بركات واحسان وفيق السامرائي، ومن المحامين عبد الله يوسف الاسماعيلومهدي الكرناوي وعبدالرحمن العمر وعبد الله فياض وحسن عبد الرحمن وناظم كاظم بريج وكامل السريح وجاسم الريحاني وعبد العزيزالمناصير ودانيال عشو، ومن اشهر الاطباء محمد حسين السعدي واحمد السلمان وشاكر البجاري وعلي فكري ومحمد الحمداني ومصطفىالنعمة وعلي الزهير وصبيحة الراضي وناهد كمال ويعقوب بني وواصف العيسى وتوما هندو وداود الفداغ وياسين الرشيد وعبد الوهابالسلمي وقحطان نوري الموسوي، بالاضافة الى الكوادر العلمية مثل العالم الجليل عبد الجبار البكر ونزار الناصح وعبد الحليم حجاج وفتاحالسياب ونجاح عبود وحسين عباس وحامد السعيدي وغيرهم من الاعلام الذين تركوا بصمات خالدة في تاريخ البصرة، ولم نستخدم كلمةمرحوم للذين فارقوا الحياة لانهم احياء في ذاكرة ابناء تلك المدينة العريقة، وعذراً لمن لم تحضرنا اسماء الكثير من اعلام البصرة لاننا لسنابصدد جرد اسماء الشخصيات البصرية لكثرة عددهم وعظمة انجازاتهم، وايضاً هذا ما تسعفنا الذاكرة خصوصاً ممن عاصرنا البعضمنهم وبقدر ما ان الموضوع ليس عملية احصاء اسماء كما اشرنا وانما توثيق مسار الحركة السياسية في تلك المدينة العريقة التي نأمل اننكون قد ادينا واوفينا حقها بكل امانة وصدق وحيادية كما ان الساحة مفتوحة لمن يريد ان يدلو بدلوه لاغناء الموضوع بالمعلومات او اضافةاسماء شخصيات لم تحضرنا لان البصرة سلة خبز العراق تستحق توثيق تاريخها العريق بعيداً عن الضغينة والغيره والاحقاد والتجريحوالاتهام والمناكفات والتحزبات الطائفية والعرقية المقيته، لذلك لا بد من الاشارة الى ان البصرة المدينة الوحيدة التي كانت سفينة على متنهاكثير من الشخصيات الذين يمثلون قوى سياسية متناقضة ويحملون افكار ورؤى مختلفة سواء من الذين وردت اسمائهم او لم ترد واكيد قدحصلت بينهم خلافات ومشاحنات وزعل وحتى صراعات ومعارك في بعض الاحيان الا ان البيئة العائلية التي كان يتسم بها المجتمعالبصري جعلت المختلفين سياسياً في حالة تآخي ومودة واحترام نظراً لما يميز اهالي البصرة من علاقات يصعب انفصام عراها لان مايجمعهم الطيبة قبل النسب او القرابة او الصداقة الحميمة التي بدأت من ايام الطفولة واستمرت على مدى سنين وتلك هي ميزة غير موجودةفي المحافظات الاخرى.

واخيراً لا يسعني الا ان اقدم بخالص شكري وتقديري للاخوة الذين اسعفوا الذاكرة سواء برفد بعض الاسماء او تأكيد بعض الاحداثلاغناء هذة الدراسة الشاملة لتوثيق مسار الحركة السياسية في البصرة الفيحاء وبنكهة بصرية اصيلة.