وهم القسم الخاص من الامة الإسلامية ، يكاد يجمعهم – لا سيما لاحقا – اصل مشترك ، انهم في الغالب ورثة الامة الآرامية ، او المتأثرون بها . وهي الامة التي فصلّنا شيئاً من احوالها ومسيرتها في بحث خاص ، وأنها خلاصة التاريخ السومري والحضارات الإبراهيمية . ولهم خصائص تكشفها مواقفهم النبيلة قبل الإسلام وبعده ، وعند الشدة وعند الرخاء ، فهم كانوا سادة قومهم او اجودهم او اتقاهم او أعلمهم ، وكذلك كان علي . عن أبي قيس الأودي قال ( أدركت الناس وهم ثلاث طبقات أهل دين يحبون علياً وأهل دنيا يحبون معاوية وخوارج )[1] .
حين نزلت الرسالة الإسلامية ما عبد الله بشرعتها يومئذ الا محمد وعلي وخديجة ، علناً ، ولم يكن من رابع[2] . وفي مجلس لأعيان بني هاشم من ال عبد المطلب ، فيهم أبو طالب والحمزة وأبو لهب ، قال النبي وهو يأخذ برقبة علي ( إن هذا أخي ووصيي وخليفتي فيكم فاسمعوا له وأطيعوا )[3] . وعن ابن عباس عن النبي قال ( يا علي ، أنت سيد في الدنيا ، سيد في الآخرة ، حبيبك حبيبي ، وحبيبي حبيب الله ، وعدوك عدوي ، وعدوي عدو الله ، والويل لمن أبغضك بعدي )[4] ، وعن ابن ابي الحديد عن رسول الله قال لعلي ( لا يبغضك مؤمن ولا يحبك منافق )[5] ، وعن البخاري: حدثنا قتيبة، حدثنا يعقوب بن عبد الرحمن، عن أبي حازم قال: أخبرني سهل بن سعد: أن رسول الله قال يوم خيبر: «لأعطين هذه الراية غدا رجلا يفتح الله على يديه، يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله». قال: فبات الناس يدوكون ليلتهم أيهم يعطاها، فلما أصبح الناس غدوا على النبي كلهم يرجو أن يعطاها، فقال: «أين علي بن أبي طالب؟» فقالوا: هو يا رسول الله، يشتكي عينيه. قال: «فأرسل إليه» فأتى، فبصق رسول الله في عينيه، ودعا له فبرأ، حتى كأن لم يكن به وجع، فأعطاه الراية. فقال علي: يا رسول الله أقاتلهم حتى يكونوا مثلنا؟ فقال : «انفذ على رسلك، حتى تنزل بساحتهم، ثم ادعهم إلى الإسلام، وأخبرهم بما يجب عليهم من حق الله تعالى فيه، فوالله لأن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من أن يكون لك حمر النعم»[6] . وقال النبي لعلي ايضاً ( وقال لعلي: « أنت مني وأنا منك >> و قال << وأما أنت يا علي فأخي وصاحبي >>[7] ، وبالتالي فمن اهتدى بعلي كان من رسول الله ورسول الله منه . وقد آخى رسول الله بين نفسه وعلي لعلو المقام والرتبة . وكانت اليه راية رسول الله في كل المشاهد[8] ، رغم تعويم الكتّاب لاحقاً لهذا الامر . وقد شهد له أبو ذرّ الغفاري عند ابن عباس انه مصداق قوله تعالى ( إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا )[9] . لذلك أنفذ رسول الله علياً خلف ابي بكر لمنعه من تبليغ سورة براءة حين أمره الله انه لا يؤديها الا رجل منه[10] . وعن ابن ابي الحديد أيضا : انه لم يدون لاحد من فصحاء الصحابة العشر ولا نصف العشر مما دون له[11] – أي علي بن ابي طالب .
يقول ابن أبي الحديد – في مقارنة بن علي بن ابي طالب وبين سعد بن ابي وقّاص – : شتان بين علي وسعد هذا يداحش على السلب ويتأسف على فواته وذلك يقتل عمرو بن عبد ود يوم الخندق وهو فارس قريش وصنديدها مبارزة فيعرض عن سلبه فيقال له كيف تركت سلبه وهو أنفس سلب فقال كرهت أن ابز السري ثيابه ، فكأن حبيباً عناه بقوله:
إن الأسود اسود الغاب همتها * يوم الكريهة في المسلوب لا السلب [12]
عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، رضي الله عنهما ، قال : لما نزلت : ( إنما أنت منذر ولكل قوم هاد ) قال : وضع رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يده على صدره ، وقال : ” أنا المنذر ، ولكل قوم هاد ” ، وأومأ بيده إلى منكب علي ، فقال : ” أنت الهادي يا علي ، بك يهتدي المهتدون من بعدي “[13] . وعلي بن ابي طالب من قتل كل حملة لواء قريش يوم بدر[14] . وحين نعلم من علي واصحابه نعي لماذا ثبتوا وحدهم حول رسول الله يوم احد وفرّ الباقون[15] .
لذلك كان الرسول حين يريد معالجة امر او قضية بنحو يكون هو طرف فيه بشخصه كان يرسل عليا ، ولهذا ارسله لأداء حق بني جذيمة الذين قتلهم خالد بن الوليد بلا ذنب بعد ان اعطاهم الأمان ، فجعل علي لهم الدية بما يرضون وزيادة ، لهم ولأنعامهم[16] .
لقد جاءت قبائل العراق التاريخي الكبرى ، مثل مذحج والنخع وزبيد وعبد القيس[17] ، وقد كانوا نصارى ، طائعين في اسلامهم الى رسول الله ، ولو شاءوا لقاتلوا عن دينهم النصراني كما قاتلوا بعدئذ عن الإسلام بشراسة ، لكنهم كانوا مختارين باحثين عن الحق ، لا كما يدعي المدعون من إجبارهم بالسيف على الإسلام ، فهل السيف الا سيفهم . لكن ارادت أقلام بني امية الا يجعلوا لهم فضلاً دينياً على الحاكم ، كما ارادت الخلافة العمرية من قبل الا يكون لهم فضل على قريش . هذا فضلاً عن اهل العراق من ربيعة ومضر والنبط في جزيرة الشمال العراقية حتى حدود تكريت التي كان اغلب أهلها نصارى[18] .
قال المسعودي في مروج الذهب: كان ممن شهد صفين مع علي بن أبي طالب ع من أصحاب بدر سبعة وثمانون رجلا منهم سبعة عشر من المهاجرين وسبعون من الأنصار وشهد معه ممن بايع تحت الشجرة وهي بيعة الرضوان من المهاجرين والأنصار ومن سائر الصحابة تسعمائة وكان جميع من شهد معه من الصحابة ألفين وثمانمائة اه . وفي السيرة الحلبية: قال بعضهم شهدنا صفين مع علي بن أبي طالب ثمانمائة من أهل بيعة الرضوان وقتل منهم ثلاثة وستون منهم عمار بن ياسر اه . وفي مروج الذهب أيضا أن علياً ع خرج إلى حرب الجمل في سبعمائة راكب منهم أربعمائة من المهاجرين والأنصار منهم سبعون بدرياً وباقيهم من الصحابة إلى أن قال: ولحق بعلي من أهل المدينة جماعة من الأنصار فيهم خزيمة بن ثابت ذو الشهادتين. ثم ذكر في مروج الذهب صفة دخول علي ع البصرة فقال: فيما حدث به أبو خليفة الفضل بن الحباب الجمحي عن ابن عائشة عن معن بن عيسى عن المنذر بن الجارود قال لما قدم علي البصرة خرجت أنظر إليه فورد موكب نحو ألف فارس يقدمهم فارس على فرس أشهب عليه قلنسوة وثياب بيض متقلد سيفا معه راية وإذا تيجان القوم الأغلب عليها البياض والصفرة مدججين في الحديد والسلاح فقلت من هذا فقيل أبو أيوب الأنصاري وهؤلاء الأنصار وغيرهم ثم تلاهم فارس عليه عمامة صفراء وثياب بيض متقلد سيفا متنكب قوسا معه راية على فرس أشقر في نحو ألف فارس فقلت من هذا فقيل خزيمة بن ثابت الأنصاري ذو الشهادتين ثم مر بنا فارس على فرس كميت معتم بعمامة صفراء تحتها قلنسوة بيضاء عليه قباء أبيض مصقول متقلد سيفا متنكب قوسا في نحو ألف فارس معه راية فقلت من هذا فقيل أبو قتادة بن ربعي ثم مر بنا فارس على فرس أشهب عليه ثياب بيض وعمامة سوداء قد سدلها بين يديه ومن خلفه شديد الأدمة عليه سكينة ووقار رافع صوته بقراءة القرآن متقلد سيفا متنكب قوسا معه راية بيضاء في ألف من الناس مختلفي التيجان حوله مشيخة وكهول وشباب كان قد أوقفوا للحساب في جباههم أثر السجود فقلت من هذا فقيل عمار بن ياسر في عدة من المهاجرين والأنصار وأبنائهم. ثم مر بنا فارس على فرس أشقر عليه ثياب بيض وقلنسوة بيضاء وعمامة صفراء متنكب قوسا متقلد سيفا تخط رجلاه في الأرض في ألف من الناس الغالب على تيجانهم الصفرة والبياض معه راية صفراء قلت من هذا قيل قيس بن سعد بن عبادة في الأنصار وأبنائهم وغيرهم من قحطان. ثم مر بنا فارس على فرس أشعل ما رأينا أحسن منه عليه ثياب بيض وعمامة سوداء قد سدلها بين يديه بلواء قلت من هذا قيل عبد الله بن العباس في عدة من أصحاب رسول الله ص . ثم تلاه موكب آخر فيه فارس أشبه الناس بالأولين قلت من هذا قيل قثم بن العباس أو سعيد بن العاص. ثم أقبلت الموكب والرايات يقدم بعضها بعضا واشتبكت الرماح، ثم ورد موكب فيه خلق عليهم السلاح والحديد مختلفو الرايات كأنما على رؤوسهم الطير في أوله راية كبيرة يقدمهم الطير كأنما كسر وجبر نظره إلى الأرض أكثر من نظره إلى فوق عن يمينه شاب حسن الوجه وعن يساره شاب حسن الوجه قلت من هؤلاء قيل هذا علي بن أبي طالب وهذان الحسن والحسين عن يمينه وشماله وهذا محمد بن الحنفية بين يديه معه الراية العظمى وهذا الذي خلفه عبد الله بن جعفر بن أبي طالب وهؤلاء ولد عقيل وغيرهم من فتيان بني هاشم وهؤلاء المشايخ أهل بدر من المهاجرين والأنصار[19] .
عن ( عبد الرحمن بن ابزي الخُزاعي ) قال : شهدنا مع عليّ ممن بايع بيعة الرضوان تحت الشجرة ثمانمائة نفس بصفّين، فقتل منّا ثلاثمائة و ستون نفسا[20] . ومن ثم لا نتوقع ممن تربى في الحضن القرشي المعادي لرسول الله ان يوفق لمعرفة حق علي . فهذا ( عبد الله بن عمر بن الخطاب ) من الذين لم يبايعوا أمير المؤمنين (عليه السلام)، و قعد عن بيعته مع جماعة عثمانية لم يروا إلا الخروج عن الأمر. و قال حين حضرته الوفاة: ما أجد في نفسي من أمر الدنيا شيئا إلا أنّي لم أقاتل الفئة الباغية مع عليّ بن أبي طالب[21]. و لما ولي الحجاج الحجاز من قبل عبد الملك بن مروان، راح إليه عبد اللّه ليلا ليبايعه و قال: مد يدك لأبايعك، فقال له الحجاج ما أعجلك، فقال: سمعت رسول اللّه (صلّى اللّه عليه وآله و سلّم) يقول: من مات و لم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية[22] . فأخرج الحجاج رجله و قال: إنّ يدي مشغولة عنك، و كان يكتب فدونك رجلي، فقال ابن عمر: أ تستهزئ منّي؟ قال الحجاج: يا أحمق بني عدي، ما بايعت مع عليّ، و تقول اليوم من مات و لم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية، أو ما كان عليّ إمام زمانك؟ واللّه ما جئت إلي لقول النبي (صلّى اللّه عليه وآله وسلّم) بل جئت مخافة تلك الشجرة التي صلب عليها ابن الزبير، فمسح على رجله و خرج[23] .
[1] الاستيعاب في معرفة الاصحاب / ابن عبد البر / دار الكتب العلمية / ج ٣ / ص ٢١٣
[2] تهذيب خصائص الامام علي بن ابي طالب / احمد بن شعيب النسائي / دار الكتب العلمية / ص ٢٠-٢١
[3] تاريخ الأمم والملوك / محمد بن جرير الطبري / دار الكتب العلمية / ج ١ / ص ٥٤٣
[4] المستدرك على الصحيحين / الحاكم النيسابوري / دار المعرفة / كتاب معرفة الصحابة ح ٤٦٩٥
[5] أصحاب الامام امير المؤمنين والرواة عنه ١ / الأميني / دار الكتاب الإسلامي / الطبعة الأولى / ص ٣٤
[6] البداية والنهاية / الجزء الرابع / سنة سبعة للهجرة معركة خَيْبَر
[7] البداية والنهاية / الجزء الرابع
[8] أعيان الشيعة / ج ١ / ص ٢٦٨
[9] تفسير مجمع البيان / الطبرسي / مؤسسة الاعلمي / ج ٣ / ص ٣٦١ – ٣٦٢
[10] إقبال الاعمال / ابن طاووس
[11] اعيان الشيعة \ ج 1 \ ص 539
[12] أعيان الشيعة / ج ١ / ص ٢٥٥
[13] تفسير القران العظيم / ابن كثير / دار طيبة / ج ٤ / ص ٤٣٥
[14] أعيان الشيعة / ج ١ / ص ٢٥٦
[15] الدر التنظيم / ابن حاتم العاملي / مؤسسة النشر الإسلامي / ص ١٥٧
[16][16] البداية والنهاية / الجزء الرابع / بعثه عليه السلام خالد بن الوليد الى جذيمة بعد الفتح
[17] تاريخ الطبري / دار الفكر / ج ٢ / ص ٢١٤ – ٢١٦
[18] تاريخ التمدن الإسلامي 2 \ جرجي زيدان \ ص 47
[19] أعيان الشيعة / محسن الأمين / دار التعارف / ج ١ / ص ٢٤
[20] الإصابة في تمييز الصحابة / ابن حجر العسقلاني / دار الكتب العلمية / الجزء الرابع / ص ٢٣٩
[21] الاستيعاب في معرفة الاصحاب / ابن عبد البر / دار الكتب العلمية / ج ٣ / ص ٨٣
[22] نثر الدر في المحاضرات / الوزير الابي / دار الكتب العلمية / ٢-٣ / ص ٦٦
[23] أصحاب الامام امير المؤمنين والرواة عنه / الأميني / دار الكتاب الإسلامي / ج ٢ / ص ٣٧٧