كان فكر الامام الخميني منذ ان جاء من ايران بداية الستينات غريبا عن النجف بسبب الوضع العام في العراق الذي كان لا يسمح بتداول افكار لها علاقة بالسياسة او المطالبة بالحقوق من الحكام .
وبعد ان استقر به المقام وشرع في الدرس كان البعض من طلابه يتوقعون درسا مختلفا عن الدروس المعتادة في مدينة النجف الاشرف الا انه بدا تدريس كتاب المكاسب وبطريقة مشابهة للدرس الموجود في النجف .
وبعد مدة تغير الوضع فاخذ الدرس بالتحول الى بحث الولاية الذي تحول بعد ذلك الى كتاب مثير للجدل وهو بحث الحكومة الاسلامية .
وكانت مثل هذه البحوث غير مطروحة بمثل هذا الشكل المستقل والمكثف في ذلك الوقت لكن الوضع المرتبك في العراق ساعد على توجيه الانظار الى اماكن اخرى بسبب الاضطراب السياسي في العراق والصراع المحتدم بين فصائل قيادة البلد في فترة منتصف الستينات .
وكان حضور الدرس في ذلك الوقت غير مقتصر على طلاب السيد الذين جاء بعضهم من مدينة قم المقدسة وانما كان الحضور عاما لكل الطلاب والبعض منهم كان من النجف او من لبنان وغيرها .
وكانت الاوضاع في النجف كغيرها من المدن العراقية تزخر بالتطورات في كل الجوانب الاجتماعية والفكرية بسبب الانشغال السياسي بالوضع الحكومي المتزلزل نتيجة الصراع على قمة الهرم السياسي .
ومنذ انطلاق تلك الدروس الخاصة بالحكومة الاسلامية صار واضحا ان هناك منهجا جديدا قد اخذ بالظهور في الساحة وهو منهج جديد في الطرح لم يكن متعارفا في تلك الازمنة واخذ التفاعل مع هذا الدرس يتصاعد في الاوساط الحوزوية بشكل كبير وهاديء خصوصا بين الطلاب الشباب المتحمس للتغيير .
كما اظهرت الدروس التي اعطاها السيد الخميني في تلك الفترة حجم المهمة التي جاء الامام الخميني لابرازها عن طريق هذه الدروس التي جعلت دستورا فيما بعد عند تشكيل الحكومة بعد انتصار الثورة .
وكانت الشخصية التي تميز بها الامام الخميني قد اثرت كثيرا في طلابه نتيجة الاختلاف الاخر في طريقة ومنهج التفكير الخاص الذي تميز بها في مدرسته الخاصة .
وكانت النجف تحتاج الى وقت طويل حتى تبرز اثار ذلك الوجود في اروقة الحوزة العلمية وكان ذلك الامر يحصل بصورة بطيئة جدا لا يكاد الانسان يشعر بوجوده الا ان يكون حاضرا بين طلاب الدرس الذين يتناولون تلك المباحث وغيرها بالنقد او القبول .
ولما كانت السلطة من اسباب التاثير في المجموع بدا التاثير يكبر مع تطور الاوضاع في النجف وايران حتى بدا الناس عموما يشعرون بتغير ملحوظ في الاسلوب الذي طرا على تناول الاحداث الجارية في الساحة خصوصا ما اثاره التدخل اليهودي في ايران في تلك الفترة من ردود افعال عند كبار علماء النجف ومراجعها وكانت البيانات الخاصة بذلك تتحدث عن امر خطير لايمكن السكوت عليه وقد صارت الانظار متجهة الى ايران بسبب تلك الاحداث وغيرها من حماقات النظام البهلوي الذي عاث فسادا سياسيا وماليا في ايران .
وعندما تصاعدت الاحداث شيئا فشيئا ظهر في العلن وجود شخصية موازية لشخصية الدولة تاخذ دورها ببطء بين افراد الشعب المسلم خصوصا عندما بدات بالاهتمام الكبير بقضية فلسطين ومجيء عدد من قيادات الشعب الفلسطيني لزيارة هذه الشخصية التي بدات الانظار تتوجه اليها بسبب تطور الاحداث على الارض داخل ايران .
وقد كان واضحا ان الزمن القادم ليس زمن التغافل عن وجود شخصية كشخصية الامام الخميني في الساحة سواء في النجف او في غيرها بل ان نظام البعض نفسه كان يرغب في ان يدخل على الخط فيستفيد ن وجود الصراع الداخلي بين السلطة والشعب ليكسب في بعض مواضع الخلاف بينه وبين نظام ايران في ذلك الوقت .
ولما كانت السلطة البعثية في العراق ليست خارجة عن منظومة السيطرة الامريكية –البريطانية اخذ النظام البعثي في التضييق على الامام الخميني مما اثار العواطف بصورة واضحة لان كل الشعوب المستضعفة تشعر بالرغبة الكبيرة في الحصول على الكرامة والعزة التي كان ينادي بهما الامام الخميني في مواجهة ذلك الاستكبار العالمي .
وعندما انتصرت الثورة وعاد الامام الى بلده لاستلام المهمة بصورة مباشرة صار الجمع بصدد اتخاذ موقف واضح من الكيان الجديد الذي بدا بالظهور على الساحو حتى ان القيادة البعثية في ذلك الوقت باركت التغيير الحاصل بمقتضى البلوماسية المعمول بها بين الدول خصوصا بعد ان جاء الاستفتاء في ايران لصالح النظام الاسلامي .
وبدات حقبة التاثير الاخيرة عند نزوح عدد كبير من طلاب العلم الى ايران طوال فترة الحرب مع العراق وبدا التاثر واضحا جدا على كثير من الشخصيات العلمية التي انتقلت طوعا او مجبرة الى مدينة قم المقدسة .
واليوم لايكاد يختلف اثنان في وجود هذا التاثير بعد عودة العشرات من طلاب العلم من مدينة قد المقدسة بعد التغيير وصار الامر اشبه بالواقع منه بالصراع لان فسحة التعامل مع هذه الافكار صارت كبيرة بل ان كثيرا من ابناء النجف صار داعية من دعاة ولاية الفقيه بحسب رؤيته العلمية التي دفعت به ليكون ممثلا لهذه المدرسة في النجف .
والنجف معروفة بعدم وقوفها ضد الافكر عندما تطرح بهدوء وروية وهذا ما يحصل فعلا الان مع شخصية الامام الخميني وافكار مدرسته التي بدا بنشرها في النجف منذ الستينات ثم عادت للظهور على يد بعض ابناء النجف في الوقت الحاضر .
وهذا هو سر تالق مدينة النجف في العالم لقبول الافكار حتى وان كان هناك معارض لها فيها ما دام الطرح الذي الموجود هادئا وعلميا ويبقى التاثر حالة اختيارية بالنسبة للجميع .