26 نوفمبر، 2024 4:01 ص
Search
Close this search box.

تأويل ممكن لقصة آدم وحواء القرآنية 3/3

تأويل ممكن لقصة آدم وحواء القرآنية 3/3

وهذا كله يشير إلى إن ثمة بذور خير في الأشرار، وثمة بذور شر في الأخيار، مما يؤكد النسبية عند الإنسان، النسبية في إدراكاته الذهنية، والنسبية في أحاسيسه الإنسانية وأخلاقه. وهنا يأتي الصراع الذاتي في داخل الإنسان، وما الشيطان إلا رمز لتلك القوى التي تُفعِّل نوازع الشر وتُغلِّبها على نوازع الخير، التي هي انعكاس للروح التي نفخها الله من عنده في الإنسان، أو ما يعبر عنها بالفطرة التي فطره عليها. فهناك نفس أمّارة بالسوء والشر، وهي شيطان كل إنسان من لدن نفسه، وليس من خارجها، وإن كانت عوامل خارجية من قبل المجتمع والأسرة والعوامل الوراثية وغيرها تؤثر فيها تقوية أو تضعيفا، إقواءً أو إضعافا. والملائكة هي رمز الطهر والسمو الروحي والألق العقلي، اللذين يمكن للإنسان أن يبلغهما لو سعى حق سعيه في تزكية نفسه وتعليم عقله، ومع هذا فالملائكة هم أنفسهم ليسوا إلا نسبيين، وإن كانت نسبيتهم دونها عند الإنسان، فهم يُقرّون لله أنهم لا يعلمون إلا ما علمهم، فعقولهم وإدراكاتها هي الأخرى ذات حدود، تأكيدا بألّا مطلق إلا الله، وحتى الجانب النفسي أو الروحي أو قل الأخلاقي أيضا ليس كاملا كمالا مطلقا عندهم، فقد ترشحت من كلماتهم ثمة رائحة للحسد، (وَنَحنُ نُسَبِّحُ لكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ)، ثم توحي بقصور في فهم الذات الإلهية، وكأنه مشتهٍ لأن يُسَبَّح ويُعبَد.

هذا التأويل هو من الممكنات في حال اعتبرنا القرآن كتاب الله، ولكن دون دعوى أن هذا التأويل يمثل تفسيرا لتلك الآيات، بقدر ما هو محاولة فهم على نحو احتمال الرمزية لهذه الآيات، ثم احتمال أن ترمز إلى هذه المعاني كواحد من الاحتمالات، وليس الاحتمال الوحيد. أما إذا كان القرآن من تأليف البشر، وهو ما تفرضه الدراسة المعمقة عبر الفهم الدقيق لعقيدة وفلسفة التنزيه الإلهي، فهنا أيضا تأتي مجموعة احتمالات لتأويل ما أراد المؤلف من ذلك، وعما إذا كان مجرد ناقل لأسطورة توارثها، أو وجدها في كتب ملل أخرى أو حكايات أقوام آخرين، ثم أجرى عليها بعض التنقيح، فأضاف وحذف وعدّل حسبما رأى أحيانا، أو اقتُرح عليه أو أوحي به له من البعض أحيانا أخرى، أو حسب ما أملى عليه كل من ذوقه، وفهمه، ونزعته، وميله.

كتبت في فترة سابقة منه 2009 | روجعت في 26/11/2009 ثم في 13/11/2011

أحدث المقالات