مقالة نشرت باسمي المستعار (تنزيه العقيلي).
لنتساءل في حال التسليم بأن القرآن كتاب الله، حتى لو على قاعدة أن فرض المحال ليس بمحال، ألا يمكن يا ترى تأويل قصة آدم وحواء على أنها قصة رمزية؟ فآدم يرمز للإنسان الذكر، وليس هو شخصا محددا يمثل الإنسان الذكر الأول، وحواء تمثل الإنسان الأنثى الأول، وهما باعتبارهما الإنسان الأول بطرفي الزوجية الجنسية (ذكر/أنثى) لا يمثلان فعلا أول إنسان على وجه الأرض، بل يرمز الإنسان الأول هنا إلى النوع الإنساني الأول، إذا ما سلّمنا بنظرية التطور؛ هذا النوع الإنساني الأول، الذي يكون قد بلغ من الرشد العقلي ما يؤهله أن يكون مسؤولا بحكم عقله وضميره؛ هذه المسؤولية التي تنعت بالمصطلح الديني بالتكليف، أي إن الإنسان الأول يمثل بداية تحول الإنسان من حيوان بشري غير مسؤول وغير مكلف، إلى إنسان مسؤول ومكلف، مسؤول أمام ضميره، مكلف من الله بتكاليف الوجوب والحرمة والإباحة والاستحباب والكراهة؛ هذه المسؤولية التي تتجسد بالرقابة الذاتية، التي يصطلح عليها على وفق المصطلح الديني بالتقوى، وبالمصطلح العام بالضمير، وتارة بالرقابة الاجتماعية (الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) على وفق المصطلح الديني، وبالتناصح على وفق المصطلح المدني، والرقابة القانونية (الأحكام)، وكل ذلك في عصر قيادة الرجال للمجتمع الإنساني، أو قوامة الرجال على النساء، أي قبل عصر المساواة الذي نعيش مخاضات ولادته، دون أن تكتمل بعد هذه المخاضات بشكل نهائي. أما الجنة، فليست جنة الثواب بعد الحياة الدنيا، بل جنة آدم وحواء المشار إليها في القرآن، فهي ترمز إلى ما أودع الله في الطبيعة من إمكانات تتمثل بالمواد الطبيعية والقوانين الطبيعية، وفي الإنسان من ملكات عقلية، وميل فطري للجمال والإبداع، ومن غريزة حب الذات الميالة لتحقيق أكبر قسط من السعادة، ومن نزعة إنسانية في حب الخير للآخر كما للذات، والميل إلى قيمة العدل؛ كل ذلك يجعل بالإمكان تحويل الإنسان لموطنه الأرض نفسها إلى جنة نعيم خالد، يرفل الإنسان فيها بالسعادة والرفاهية، ويتمتع بالأمن والسلام، ويسود بين أفراده ومجموعاته الوئام والمحبة، لولا ظلم الإنسان للإنسان، وبالتالي ظلمه لنفسه. والشجرة الممنوعة عنه هي ليست شجرة تفاح، أو أي ثمرة أخرى، ولا هي شجرة الممارسة الجنسية، بل هي «الشجرة الخبيثة»، شجرة الجشع والطمع والحسد والأنانية، وشجرة العداوة والبغضاء، والظلم والعدوان، والإفساد في الأرض وسفك الدماء، وكل ما يترتب على ذلك وما يتفرع عنه.