18 ديسمبر، 2024 11:11 م

تأويل متاهة الحكي..للناقد محمد صابر عبيد

تأويل متاهة الحكي..للناقد محمد صابر عبيد

(من الجاهزية التأويلية الى النقدية الخرائطية)
ان لانهائية التأويل في الفكر ( النقدي التعليمي) يشكل عبارة عن انزلاق أو انحراف نوعا ما من ( المعنى التضميني ) الى ما لانهاية له بحيث لن يكون بامكاننا ان نتوقف عند معنى معين مقبول لنقول انه (معنى تشخيصي ) وهذا النوع من الواقع الذي يجعل النقد التعليمي يخلص الى ان رؤيا النص يمكنها ان تقول ( أي شيء ) وانه ليس بالامكان ان يراقب هذا الانزلاق على أساس من كيفية المعنى او التحكم من خلاله ، لانه في واقع الامر ليس هناك اصلا أي معنى بل وما دام معنى النص ليس الا (معنى فراغيا) فلن يكون بامكانه – او بامكان – أي اخر من ان يفند معنى او توجها الا من خلال ( معنى فراغيا ) كما وليس بهذا التكون سوى ملازمة ان تكون سيرورة ( التاويل المشخص ) سوى نزهة داخل حدود مجالات الامكان والكيفية التنصيصية المستأثرة بواسطة لمحات مخيلتنا النصية المتعقبة لايحاءات وتداعيات انشطاراتنا الضمنية . ولقد راينا ونحن نطالع كتاب ( تاويل متاهة الحكي) للاستاذ الناقد محمد صابر عبيد ، من ان الممارسة المنهجية في النقد الاجرائي قد انخرطت ضمن فضاء المعاينة اللغوية اكثر مما هي عليه من الجانب الادواتي للناقد ، كما اننا لربما نلاحظ هذا على وجه التحديد تفصيلا من خلال مجموعة كبيرة من كتابات هذا الناقد ، الا اننا والزاما منا على وجه مقادير دراسة الناقد ، قررنا هنا معاينة تجربة هذه الدراسة التي كشفت عن نفسها وعن كل مداراتها في دراسة اعمال بعض الادباء العراقيين والعرب ، وعند مطالعتنا باديء ذي بدء لدراسة الاستاذ ، شخصنا موضع المبالغة الهائلة لطاقات اللغة التشخيصية لدى الناقد في معاينته للمسميات والالقاب التي ابتعدت كثيرا عن حدود انطلاقات المبحث الذي اقتصر في نهاية كل دراسة على تحديد ومضات الوقوع القرائي للنص المنقود … غير ان هذا لربما لايعد بالمعضلة الكبرى ولا بالحجر العثر في طريق كتاب الاستاذ الناقد ، لولا تمسك الناقد الى حد كبير بوضعية ( المحاضر ) أو الأستاذ الجامعي وتلك اللهجة التدريسية التي رافقت الناقد طيلة زمن مباحث الكتاب المنهجية ، وبالاضافة الى هذا فاننا لربما قد لاحظنا ايضا اقتراب معالجات الناقد في دراسته للنصوص الادبية من اسلوب (الزوغان ) كذلك وجود حالة غريبة في الواقع لم نعهد لمثلها في الدراسات النقدية من قبل ، وهي حالة حضور صفة ( التغني ) وتجسيم نوع من تهويل حالات التقدير للشيء ، وهذا بدوره ، قد لا يعد كما اعتقده الناقد ،

يشكل نوعا ما من كفاءة استقرائية ما وراء معنى النص كما وفي الوقت نفسه ، نلاحظ بان الاستاذ الناقد قد ابتعد عن حدود ( الامانة النقدية ) في بعض مباحثه لبعض النصوص الادبية ، ولا اعرف سبب ذلك شخصيا ، بيد اننا قد وجدناه متحمسا في مكان ما لحد ( السطحية) في وقت اخر وجدناه ( متحاملا) كما الحال عليه في مبحث تحت عنوان ( موجهات التفعيل القرائي ) وقد استشعرنا بغرابة لهجة ( التهكم ) الظاهرة في احكام وصفية الناقد كقوله:- ((رسائل غسان كنفاني الى غادة السمان ذات نكهة خاصة – ادبيا وانسانيا – ص15 ))

تدافع غادة ضمن توجيه قرائي معين عم غياب رسائلها الى غسان وهي تمارس في ذالك شتى الذرائع وتنتخب اكثر الحجج اقناعا .. / وفيما يتعلق بفكرة النشر اصلا أنها تطرح مبررا اخلاقيا يستحيل معه تقريبا تفادي نشر الرسائل ولا سيما اذا اقترن الامر بمبرر فني سائد يخرج الرسائل ما فضائها الذاتي العاطفي ../ وتدفع غاده اكثرفي اشاعة مناخ عاطفي موجه توجيها مقصورا قد يتعارض احيانا مع ملاحضات او هوامش وضعتها في مكان اخر .. ص21 ) وعلى هذا الا ساس من (ظنية التشكيك ) السوداوية انطلق الاستاذ الناقد يقيم حسابات المضامين الاخلاقية للادباء والى اقامة قوالب ( برزخية) لمناخات عواقب سلوكيات الاخرين الشخصية , مبتعدا كل البعد عن مهام اليحث في جوهر النص , ناسيا دوره كناقد , ومهما يكن من امر ما فأن دور الناقد يبقى محصورا ومحددا داخل موجهات خطاب ادوات وتقانات النص فقط , دون الجوء لظواهر شخصية لربما لا تتعلق بالنص المنقود لامن بعيد او قريب . وتجدر الاشارة هنا الى ان بعض مباحث دراسات كتاب الاستاذ الناقد ، قد خصصت لها مساحة خاصة من الاهتمام الذي قد يبدو مبالغا فيه نقديا – لاسيما– وان الناقد يبدو متسامحا بشكل الهي مع بعض تجارب الادباء ، وهذا الحال قد ينطبق مع مبحث تحت عنوان ( اقنعة الصوت وانشطار الحكاية /قراءة في مجموعة ( رائحة التفاح ) للقاص نجمان ياسين) ، ونحن بصدد تجربة هذا القاص العراقي قد لا ننكر ما يتعلق بمحاسن جهوده ونضوج تجربته القصصية ، غير ان مالا نتفقق معه ، هو تعامل الناقد مع هذه التجربة ، لاسيما وان الناقد قد شخص مواطن القوة في نصوص القاص ، دون شبه الاشارة لموضع ضعف ما داخل تجربة تلك النصوص ، وفي ضوء هذا نلخص قولنا حول كتاب ( تاويل الحكي) بانه مبحث نقدي مقصور حول ابراز محاسن الاشياء ، دون ولوج حقيقي للغور داخل اعماق ظواهر اخلالات عوارض عيوب النصوص ، ثم محاولة اشاعة ( صيحة اصلاحها ) . من جهة اخرى تبدو اكثر اهمية نلاحظ بان كتاب الاستاذ الناقد يركز – تحديدا – على نوع من الاشادة ما بين عملية توائم منظوره النقدي وما بين فسحة ارتجالاته القرائية النقدية ، مما يشكل عند القارئ ، شعورا بوهمية تلك القراءة النقدية التي اخذت تزعم لذاتها حرية احتواء خلقية الاشياء – أي – انها بعبارة دقيقة ( قراءة متعالية ) بعيدة عن كل افتراضات تحركات النصوص المنقودة . تبقى في المحصلة النهائية جملة مباحث الاستاذ الناقد في كتابه ( تاويل متاهة الحكي ) تاسيسا يحاور مقتربات منهجية في ممكنات التحقق النقدي ومن ثم يشكل تقديرا اضافيا لا يبنى او يكتمل الا بحيازته اشكالية تشخيصية تسمح بضبط مسار الهاجس النقدي عبر منظور يبتعد ولو قليلا

عن ( خرائطية التنصيص النقدي ) كما ونحبذ من نقادنا ( الاساتذة ) الاقتراب ولو- قليلا- من حدود معايير اشكالية المفهوم والتقدير النقدي الحقيقي ، دون الولوج السابق منكم والمتفق عليه من تشغيل الذائقة النقدية لديكم داخل حيز من التعليمية والمدرسية الباردة والتي اندرجت تحت عنوان ( من الجاهزية التاويلية الى النقدية الخرائطية ) . وأخيرا نقول للناقد الدكتور محمد صابر عبيد كاشارة ختامية حول نتائج كتابه النقدي :- ان النظام التعليمي – الجامعي – لديك قد استغرق مرحلة التبليغ والتجذر في بحث ادواتك النقدية بيد ان مرحلة التاويل قد اتخذت لديك وضعا ماساويا يقوم على اساس عملية ( الاستنساخ والتكرار ) دون محاولة المغامرة الذهنية بعيدا عن اليات ( المنهج / المحاضرة / القاعة الدراسية ) كما وانك قد استبدلت اليه آلية النقد المنظومي بتحويلها لمجرد آلية انبهار واستنساخ للقبض على محددات ومقولات المنظومة الاجرائية التي اتخذت في دراسات كتابك شكلا غير كاف من وضوح المشهد النقدي وبالتالي يبقى هذا النقد الذي مارسته في كتابك حول نصوص ادبية لا تشكل بحد ذاته سوى مجرد ( رد فعل ) على الممارسات التي انجزت في سياق ( النقد التعليمي ) والتي اسقطت من حساباتها كل السياقات الفكرية والتاويلية والكينونية امام سطوة ممارساتها الاستنساخية والتكرارية … وهكذا هو الحال يبقى مع كتاب الاستاذ الناقد محمد صابر عبيد اشبه ما يكون بفضاء ( ابلاغيا ) دون علامات او رموز او وظيفة تتناول جملة العلامات كمفاهيم نقدية يرتبط بعضها بالاخر بعلاقات بنيوية متماسكة داخل فضاء معرفي من الانسجام ودقة عملية الاحتواء المقولاتي والمرجعي … وزيادة على كل هذا فان دراسة كتابك المبجل (تاويل الحكي ) لم تقدم شيئا يدعم الانجازات النقدية والمستجدات المعرفية او على الاقل التعرف على مكونات الشهادات والوثائق التي تصور مراحل تكوينية ظروف الكتابة النقدية لديك ، وذلك استنادا لمتمظهرات العناية بالخطاب النقدي كموضوع لدراسة الاعمال الادبية … بل اننا وجدنا بان اهم دراسات كتاب ( تاويل الحكي ) قد جاءت مقتصرة على ذكر الاهتمام باسماء اصحاب الاعمال المنقودة ، اكثر من اهتمامها بالاعمال نفسها ، ولا اعرف مع كتاب الاستاذ شيئا لربما يتعلق بالنوايا والمقاصد ، بل ولربما هذا الكتاب يتعامل مع كينونة الاشخاص والاسماء اكثر من تعامله مع كينونة النصوص …