23 نوفمبر، 2024 12:19 ص
Search
Close this search box.

تأملات في مصرع علي عبد الله صالح

تأملات في مصرع علي عبد الله صالح

كمٌ كبير من المنشورات واكبر منه من التعليقات في مواقع التواصل الاجتماعي انتشر بعد مقتل الرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح. وكالعادة قيم الحدث من موقف تحزبي فمن فرح لموته كان من معسكر ومن أبدى غضبا او حزنا كان من المعسكر اخر مع إنهما كانا سيتبادلان المواقع لو قتل قبل انقلابه الأخير وهو صاحب التقلبات المستمرة. هذه الحالة المرضية المزمنة في التقييم تعكس واحدة من العلل التي نعاني منها كشعوب عربية او شرقية. بالتأكيد لا يمكن نفي هذه الحالة بالاطلاق في المجتمعات الغربية، انما مقدار النسبة في المجتمعين تنم عن حجم غياب التقييم الموضوعي للأحداث وانجراف المجتمع نحو العصبيات. وهذا يفسر انغماس المجتمع العربي والشرقي في مستنقع الطائفية وسهولة جره اليه، اذ حالة التعصب القطيعي هي التي تحدد موقفه من الأحداث وليس القيمة الحقيقية للحدث. وعندما يرى المتابع العلمي تناقضا في المواقف تجاه قضية واحدة من قبل جماعة معينة فهو لم يدرك بعد ان هذه الجماعة لها معيار مختلف تماما عن معياره العلمي. فهذه الجماعة لا تقيم اي حدث بحساب شامل للسلبيات والإيجابيات ومن ثم تعقد مقارنة لترى أيهما ارجح حتى تصدر حكمها النهائي، بل هي ترى اي حالة سواء كانت شخصا او جماعة او حدثا ما من زاوية واحدة وهي من كان معي فقد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر وأما من كان ضدي فقد حبط كل عمله وهو في الدرك الأسفل ولا توجد منطقة وسطى بينهما. لذلك ليس غريبا ان يتحول العدو الى شهيد وقد رأينا ذلك كيف تحالف العرب كلهم لاسقاط صدام وعندما اعدم اصبح شهيدا عند نفس هؤلاء العرب الذين فعلوا كل شيء لإسقاطه والامر يتكرر مع علي عبد الله صَالِح. ونفس الامر حدث مع بشار الأسد من مطلوب بالتآمر على أمن العراق في وقت ما الى حليف تعد من الكبائر الموبقة اي إشارة اليه بالسلب في وقت اخر. هذه ليست ظاهرة شائعة في أوساط قليلة الحظ من التعليم والثقافة، بل تجدها راسخة في الطبقة المثقفة وأشد من غيرها من الطبقات ومن السهل جدا ان تجد مثقفا لا يُؤْمِن بالدِّين لكنه طائفيا بامتياز وكذا تجد أمميا لكنه قوميا في نفس الوقت.

وفِي نفس تداعيات حدث مقتل علي عبد الله صالح ظهرت تقيمات إيجابية لشخصه مرتكزة على إيوائه للعراقيين ايّام الحصار ولذا صار صاحب يد طولى عليهم استحق بها الترحم والشكر وهذا الموقف يذكر بشخصين اخرين حافظ الأسد وصدام حسين فالأول يراه السوريون دكتاتورا جثم على صدورهم طويلا بلا رحمةوالثاني يراه العراقيون بنفس المنظار ولكن لو سالت فلسطينيا عن صدام لترحم له اكثر من ترحم العراقي على حافظ الأسد او علي عبد الله صالح مع انهم يشتركون بسمة واحدة وقاسم مشترك وهو الحكم الفردي واستعمال كل الأساليب القمعية للحفاظ على الحكم. وكل الرحمات سببها منفعة خاصة وليس لأنهم فعلا يستحقوها لإنجازات قدموها لشعوبهم. الا ان هذا ليس هو الامر الخطير الوحيد ولا هو بالامر المخفي عن الأنظار حتى تتم الإشارة اليه في مقال.

الامر الخطير هو اننا نختزل الاوطان بشخوص الحكام فبدلا من ان يحسب ذلك فضلا من بلد ما ومن شعبه، ترى ان ذلك الامر يحسب للحاكم وحده. ومرة اخرى لا تجد هذا عند بسطاءالناس وحسب، بل تراه شائعا عند الأوساط المثقفة مما يعبر بصورة جلية عن حالة مرضية اخرى في التقييم بل ان ذلك يشكل تفسيرا لتسلط الحكام لان المجتمع باختلاف طبقاته لا يدرك قيمة الوطن الا من زاويةالحاكم وكل الزوايا الاخرى عدم لا وجود لها او هي مهينة لا قيمة حقيقية لها.

اذا كانت هذه ثقافة المجتمع وتجسدها نخبه المثقفة في تقيماتها فهل نلوم حاكما على ظلمه وتجبره اذا قال

أليس لي ملك البلاد كلهاوثرواتها تجري تحت قدمي. وحين يواجه معارضا كائنا من يكون فانه لا يراه أبدا ذَا قيمة لان منطقه منطق فرعون حين قال أَنَا خَيْرٌ مِّنْ هَٰذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلَا يَكَادُ يُبِينُ.

اخطر من ذلك كله ليس تجبر الجبابرة ولا استخفافها بالشعوب المستكينة، بل النهاية المأساوية التي ستغرق الحاكم والمحكوم معا في التاريخ وتجعلهم عبرة ومثلا لمن أراد الحياة.

أحدث المقالات

أحدث المقالات