9 أبريل، 2024 1:11 م
Search
Close this search box.

تأملات في ألكون وألخلق وألأديان-2-ألعدالة ألإلهية

Facebook
Twitter
LinkedIn

” لو كنت إلها لوجدت في الأعمى الذي يحاول أن يبصر طريقه بعصاه إحتجاجا عليّ أقوى وأقسى من أن تتجمع كل لغات العالم وبلاغاته وأفكاره لتتحول إلى إحتجاج واحد دائم مركز يصوغه كل ما في التاريخ والكون من غضب ضدي ” ………………. عبدألله ألقصيمي.
 
هل توجد عدالة في الارض؟ سؤال حيّرَ عقل الانسان منذ القِدَم.
حسب ألأديان فإنّ ألله خلق الناس متفاوتين في العقل والثراء والبيئة الاجتماعية الّتي يعيشون فيها، كما أنَّ بعض البشر يُخلقون بعاهات عقليّة او جسديّة، لذا يرِدُ على عقل الانسان تساؤل مُلِحٌّ: أين العدالة في هذا النظام؟
لحل هذه المعضلة تَعِد الشريعة الاسلامية المؤمنين المظلومين في الحياة الدنيا كالفقراء والمصابين بالعاهات البدنية بالتعويض في الآخرة عن الظلم الّذي لحِقَ بهم ، ففي حديث روي عن النبّي محمد أنَّه وصف مشاهداته اثناء الاسراء والمعرا ج فقال بأنَّ غالبية اهل الجنّة من الفقراء، وقد ذكرَ الشيخ القرضاوي على محطة الجزيرة حديثا نبويا حول البلهاء: (البلهاء غالبية اهل الجنّة)، ومهما يكن صحّة هذه الاحاديث المنسوبة الى النبّي محمّد فإنَّ الشريعة الاسلامية تعد المظلومين بالتعويض في الآخرة.
بعض الشعوب توصَّلت الى حل لهذه المعضلة الفكرية بايجاد فكرة تناسخ الارواح فهم يؤمنون بأنَّ روح الانسان الميّت يعود الى الارض ويدخل في جسم أنسان آخر وتتكرر هذه العملية عدّة مرات.
 
فكره تناسخ الارواح بدأت فى الشرق الاقصى وخاصة فى العقيدة البوذية والهندوسية التى تؤمن بأن الروح تعود في اشكال اخرى او كمجرد روح بذاتها غير ظاهرة في جسد مرئي واذا حصرنا عدد هذه الفئات التى تضم  الملايين من الهندوس والبوذيين فسندرك ان هذه الافكار موجودة فى عالمنا بشكل لا يمكن تجاهله وفكرة التناسخ مضمونها ان الروح بعد وفاة الجسد لا تنتهي وإنما تعود لتعيش في اجساد واماكن وازمنة مختلفة عن تلك التي عاشت فيها من قبل، لذا تشعر الروح فى حياتها الثانية بحنين جارف لمكان لم تره في حياتها من قبل او لاشخاص لم تلتق بهم البتّة.
 
ألإختلاف هي سنة ألطبيعة، إنّ إختلافنا في بصمات أصابعنا، ووزن أجسامنا، ومقاييس أبعادها وفي قوة الرؤية والسمع، وضعفهما لا يعني أن نتقاتل، أو نتشاتم، أو نتعادى، فكذلك إختلافنا في العقول، والظروف، والتاريخ، والإستجابات الذاتية الذي يعني أننا لا بد أن نختلف في تحديد صفات أوثاننا، وفي أساليب صلواتنا وفي إختيارنا لحماقاتنا ألسماوية والمذهبية – لا يعني أو لا ينبغي أن يعني أن نتقاتل أو نتباغض، أو نتعادى.
 
 
توجد قصة مثيرة، وقد تكون غريبة جداً في تقدير كثير من الناس، وقد تُروى للتدليل على قيمة الإختلاف، وعلى ما له من معنى في منطق ألإله وسلوكه، أو في سلوك الطبيعة ومنطقها، أو في تفسير المفسرين للإله والطبيعة.
روى الراوون أو تخيل القصاصون أنّ أبا لهب – ذلك الشريف القرشي الذي رفض الإيمان بالنبي فهجاه القرآن هو وزوجته في سورة ألمسد المشهورة ” تبت يدا أبي لهب وتب * ما أغنى عنه ماله وما كسب * سيصلى نارا ذات لهب * وإمرأته حمالة ألحطب * في جيدها حبل من مسد * ” – أستطاع بعد أن مات باسلوب من الأساليب التسلل  أن يلقى الله وأن يدخل معه أو ضده في حوار، فيه كل الإثارة والغرابة والقوة والجسارة في مكان تموت فيه كل الجسارات وتصمت كل الكلمات ويهون فيه كل العقل والشموخ.
وقد جرى الحوار بينهما خاطفا عاصفا منتصرا منهزما، كمعركة كونية رهيبة تقع بين الشمس والأرض.
قال أبو لهب:
يا ألهي لماذا اخترت محمداً نبياً ولم تخترني أنا نبيا، ولست أفهم، أنّ في هذا نقضا لحكمتك، أو إستعلاء على قدرتك؟ فرد الله قائلا:
لقد اخترت محمداً لأنّ فيه مزايا ليست فيك، قال أبو لهب:
لقد أجبت بما كنت أرجو وأتوقع أن تجيب به، إذن لقد وقعت أيها الإله العظيم في المأزق الذي أردته لك أو أردته أنت لنفسك. فمن الذي أعطى محمداً تلك المزايا التي جعلتَ منها أيها الكائن العادل سببا لإختياره؟ أليس الذي اعطاه إياها هو أنت يا إلهي الكبير؟
إذن لقد أعطيت محمدا مزية، ثم جزيته عليها بالنبوة، ثم جزيته على النبوة بأن فضلته على العالمين، أما أنا فقد حرمتني من تلك المزية ثم عاقبتني على حرمانك لي بحرمان آخر، أي بأن منعت عني النبوة، وجعلتني كافرا، ثم جعلتني من أهل ألنار.
إنّ إختيار محمد لهذه المحاباة المبتدئة ظلم بقدر ما إختياري لهذا الظلم المبتديء ظلم.
تقول القصة:
وهنا ازداد صوت أبي لهب وحماسه ارتفاعا وفحيحا وحشرجة صاعقة، بينما غمرت الإله الإبتسامات التي فيها كل تعبيرات الشعور بالإقتناع والتواضع والإستحسان والحرج الباحث عن اي اسلوب من أساليب الإستغفار والتراجع الزاخر بالحياء الطيب النبيل.
وقد قال بعد الإفاقة من الصدمة الهائلة بلغة فيها من النبل ما جعل الشموس ترتجف رهبة وحبا وحياء، وفي بعض الروايات أنّ الدموع هنا قد تسللت من قلبه إلى عينيه إلى خديه حتى لقد شعر أبو لهب بالرثاء والإشفاق على خصمه، وبأنّه قد قسا عليه كثيراً:
اسمع يابني، اسمع يا أبا لهب:
لقد صنعتك وصنعت محمدا وصنعت مبتدئا فضائلكما ورذائلكما بلا اي سبب منكما أو فيكما، وقد صنعتكما مختلفين لأنّ الإختلاف غرض من أغراضي وتدبير من تدابيري وضرورة من ضروراتي، فالإختلاف بينكما ليس عقوبة لأحدكما، وتفضيلا للآخر.
لقد خلقت الجنة والنار والحقول المثمرة والصحارى والنهر والبركان والاسد  والفأرة، فهل أثيب هذا لأنّي خلقته أفضل وأعاقب ذاك لأنّي خلقته أسوأ أو أقل؟ بل العدل والمنطق أن أفعل العكس، فالذي خلقته أقل مزايا يستحق عطفي وجزائي أكثر من الذي خلقته أفضل أو اقوى أو أعظم مزايا لأنّي قد ضحيت به وقبل التضحية بفدائية صابرة.
فأنت إذن يا أبا لهب جدير بأن تنال من الثواب والإعجاب لدي أكثر مما يجب أن ينال محمد، لأنّ حكمتي قد ضحت بك واختارت أن تجعل منك فدائيا يتعذب لكي يكون عذابه متمما لمنطقي في هذا الكون.
أي ابا لهب، أيها الصديق:
إنّي لن أعذب أحدا لأنّي جعلته مختلفا عن الآخرين أو مخالفا لهم. كما انّي لن اعذبك لأنّي لم اهبك المزايا التي حابيت به محمداً، بل لن أسوي بينكما في المكان عندي، بل سيكون مكانك أعلى وأجمل لأنّك قد تعذبت وظلمت في سبيلي، في سبيل تحقيقي لذاتي، فمن العدل أن تنال التعويض.
أما محمد فلم يتعذب عذابك في سبيلي، بل لقد نال المجد والتفضيل بلا سبب منه أو فيه، بل بإرادتي التي لا سبب لها غير إرادتي.
وهنا ضجت الملائكة قائلين: كلا، كلا أيها الرب الطيب، إنّ هذا سيغري بالفساد ويجعل الناس يرفضون الإيمان والإستقامة، إذ لا شيء حينئذٍ يخافونه أو يرجونه بالإستقامة والإيمان.
فرد الله عليهم قائلا – وكأنّه يفشي سره لأول مرة في التاريخ:
أي ملائكتي ومستشاري عرشي الطيبين، وهل الناس يؤمنون أو يفعلون الفضيلة خوفا من العذاب أو بحثا عن الثواب – أو هل يكفرون أو يفسقون رفضا للثواب أو جهلا أو إنكارا للإيمان به؟ إنّ الناس يفعلون هذا أو هذا بحثا عن التلاؤم مع أنفسهم ومع ظروفهم، وخضوعا لظروفهم.
إنّ الإيمان بالعقاب والثواب لن يصنع الناس، وإنّ إنكار الثواب والعقاب لن يهدم الناس، إنّ الناس يفعلون الشيء أو نقيضه كما يحبون ويبغضون، إنّ تصرفاتهم ضرورات أو إستجابات ذاتية.
من المحتوم أن يمل الله الإمتداح المنافق الدائم، وأن يسعد بالحوار ضده، ولعل الذين يمارسون هذا الحوار هم أقرب إلى قلبه من جميع الراكعين بأعضائهم وأفكارهم تحت قدميه.
ليست جميع الاشياء إلا حواراً مستمراً ضد السلوك الآلهي، فكل العبث والآلام والمظالم والأخطاء والتفاهات التي يعيشها كل شيء حوار مستمر ضد هذا السلوك ولكن بلغة أخرى غير لغات الإنسان.
إنّ المريض والبليد والتافه والظالم والمظلوم هم أكثر حواراً ضد منطق الإله وأخلاقه من جميع الزنادقة، بل أكثر حواراً ومعارضة للإله من إبليس الذي رفض السجود حينما أمره الله به!
 
المصادر:
–         هذا ألكون ما ضميره …. عبدألله ألقصيمي.

مقالات اخري للكاتب

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب