23 ديسمبر، 2024 5:45 ص

تعتمل في داخلي غصتان، قد لا يربطهما رابط سوى انهما من تأملات العراق الجريح.

الغصة الأولى: الأطباءُ تحت مجهر الإنسانية.
الطب ليس مهنة تجارية يراد بها في آخر المطاف استحصال الأموال وتجميعها، هذا نراه عند التجار بمختلف المهن، يخططون ثم يشرعون بالعمل وبالتالي يربحون أو يسعون إلى الربح المادي بغض النظر عن التعاملات الأخلاقية والإنسانية التي تصاحب عملية التجارة، هناك بون شاسع بين هؤلاء وهؤلاء.
الطب قبل كلّ شيء وضع إنساني متقدم على كل شيء، وبكلّ شيء، بالحديث والابتسامة والتعامل، الطب هو ملامسة روح الألم عند الإنسان.
بالنسبة لبعض الأطباء الجشعين ( وأقول بعضهم وليس جميعهم ) منهم من يتعامل مع هذه المهنة بطريقة لا تمت للإنسانية بصلة، فقط همهم الوحيد والأساس هو الكسب المالي حتى ون كان على حساب حياة المريض وما يعانيه من ألم وعوز، ناهيك عن بعض الطارئين على هذه المهنة والذين صاروا عبئاً ثقيلاً على كاهل هذا البلد، من أطباء وصيادلة، واتفاقات في الخفاء فيما بينهم من أجل امتصاص أكبر كمية من جيب المريض، بحيث يقوم الطبيب بوضع علامة فارقة لا يفهمها سوى صاحب الصيدلية الذي تم الاتفاق معه مسبقاً.
وحتى لا نبخس حق هذه المهنة، وحتى لا يقال بأننا فقط ننتقد، لذلك وعلى الرغم من وجود الكثير من التشوهات اللاانسانية، فإننا نجد الكثير من الأطباء والصيادلة ومن الذين تعاملنا معهم بشكل مباشر يمتازون بعلميةٍ ممزوجةٍ بأخلاق متقدة،
وهم أكثر إنسانية ورحمة للمريض ونلمس إنسانيتهم اليوم بشكل واضح وجلي،
ربما عدم ذكر الأسماء يجنبنا الكثير من المشاكل التي نحن في غنى عنها.
الغصة الثانية: ترك الواجبات والتشبث بالمستحبات
في كل الأنظمة الوضعية هناك اتفاق مسبق وغير قابل للاختراق والتسويف بين العامل ورب العمل، بين الموظف والدولة، وهذه القوانين هي من تنظم الحياة، على هذا الأساس يتحتم على أحدهم توفير السبل الناجعة للقيام بأيّ عمل بيسر وسهولة وكذلك على الآخر أن يقوم بأداء عمله ووظيفته على أكمل وجه وبالتالي يستحصل على أجرهِ جرّاء إتمام ما كُلّف به، فإذا ما قصر أحدهم وجبَ التعويض أو المحاسبة، من هنا ندخل إلى موضوع مهم ومفصلي، ألا وهو الزيارة الأربعينية للإمام الحسين ( ع ) وما يترتب عليها من قصور من قبل موظفي الدولة، من خلال تركهم الوظيفة لمدة زمنية أكثر من اللازم، تاركين خلفهم مسؤوليات جمة وفراغ كبير، مما يؤدي إلى تأخير عجلة التقدم بالمكان الذي يعملون به.
وسبب ذلك ــ باعتقادي ــ هو عدم وجود رادع قوي لهذه الفوضى، وعدم الإحساس بالمسؤولية من قبل الموظف، التسيب والإهمال صفتان متلازمتان للكثيرين من موظفي دوائر الدولة، حتى بات من يلتزم بالدوام بشكل يومي استثناء وحالة نادرة، وينظر له الآخرون بدونية واستهزاء.
من أفتى بترك الدوام وتعطيله، من يتحمل مسؤولية هذا الاستهتار؟ الحسين انتفض من اجل الحق والإصلاح ومحاربة الجهل، الحسين أمانة وفكر وعقيدة، ثورة الحسين عمل وتواصل وبناء، وليس تهديم وخراب.
كلّ شعوب الأرض استفادة من تجارب ثوراتها ومن خبرات الرجال الذين قادوا تلك الثورات، إلاّ نحن تركنا اللبّ وتمسكنا بالقشور.
نحن من قتلنا ثورة الحسين، وحولناها إلى بكاء وطعام فقط، قتلنا مضامينها الفكرية والعقائدية، جففنا بئرها الذي كان يتدفق ماءاً عذباً، وبعثنا برسائل كثيرة إلى العالم بأننا شعب لا يعشق الحياة.
لنتعلم تعلم الحسين ونتأدب تأدب الحسين ولنسير كما سار الحسين ولنحترم تعاليم الحسين، الحسين دين وفكر ونهضة ونور وأخلاق.