أجد نفسي اليوم ،في لحظة حرجة، للمساهمة في استرجاع الذاكرة عن فعلٍ من افعال ثورة 14 تموز 1958 والكتابة عن منجز من منجزاتها الديمقراطية. اخترتُ موضوعاً حساساً في التذكير عن بعض ما يتعلق بـ(الحركة الطلابية) باعتبارها ، كانت وما زالت، من أكبر الحركات الجماهيرية في بلادنا ،تضم بين صفوفها ، ملايين أو مئات الآلاف من عناصر واعية قادرة على تحديد مسار النضال اليومي، السياسي والاجتماعي والمهني، في مستقبل بلادنا . المسافة تتوسع وتمتد بين الماضي والحاضر، كما أن الاحداث ظلّت تتلاحق، يوما بعد اخر ، منذ قيام تلك الثورة حتى اليوم . هكذا جاءت مناسبة 14 تموز التي استباحها بنو الحرس القومي في شباط 1963 حين جاء انقلابهم صاعقاً، سفّاحاً، فاجعاً ، باغتيال الثورة وأغلب قادتها العسكريين والمدنيين ،مما يجعلني اليوم متجهاً في الكتابة، ليس عن حركة دبابات الثورة يوم 14 تموز وليس عن حركة طائرات الانقلابيين يوم 8 شباط 1963 ، بل تنساب الذكريات في عروقي لأكتب عن جانبٍ من جوانب امتداد الروح الديمقراطية ، التي جاءت بها الثورة، أي عن الدور القيادي للحركة الطلابية في تأسيس التنظيم الطلابي الخالد ،اتحاد الطلبة العام ، بصورة رسمية ، انتخابية، بعد مرحلة طويلة من العمل السري.
كنتُ معنياً بالعمل الطلابي منذ بداية سنوات فتوتي. كان الحزب الشيوعي في البصرة معلمي الأول ومدرباً فائقاً أول لجعل أنفاسي غارقة في الدفاع عن مصالح الكادحين من الطلبة والعمال والفلاحين . كما أن الشيوعيين القياديين في مدينة البصرة ( ناصر عبود وعبد الوهاب طاهر وسلطان ملا علي وسامي أحمد ) أو الكوادر الاخرى القادمة من مدن اخرى ( سلام عادل ، حمدي ايوب، حمزة سلمان، باقر ابراهيم وغيرهم) وجدوا عندي ما هو جدير بالاهتمام ، والتعليم ، والتدريب، فتحمسوا لتطوير وعي وكفاءتي وثقافتي للعمل الرئيسي في الميدان الجماهيري الطلابي. ربما كان الحزب يجد عندي بعض مؤهلات ضرورية في العمل القيادي الطلابي، إذ بعد فترة قصيرة جداً من قبولي عضوا في الحزب، وجدتُ نفسي عضواً في اللجنة الطلابية الحزبية لاستنفر بها كل امكاناتي وطاقاتي، التنظيمية والدعائية والتحريضية ، في ميدان النشاط الطلابي، السري أولاً والعلني لاحقاً. كنت اقوم بواجباتي الحزبية بكل انتظام . كنت أجد نفسي حيوياً في مطالعة الكتب السياسية المتنوعة والمنشورات والتوجيهات الحزبية واستيعابها. كان رفاقي القياديين ( ناصر عبود ، سلطان ملا علي، رجاء عبد الرزاق وغيرهم) مهتمين بأن أمسك ، كل ليلة، بألواح الكلمات المتوفرة في الكتب الشيوعية والديمقراطية والادبية، كي يزداد الوعي الثوري عندي بحالِ وواقعِ مدينة البصرة ، من الاهوار في شمالها (القرنة) وحتى نافذة بحرها في (الفاو). منذ تلك الفترة الأولى عرفتُ كل تفاصيل حياة الكادحين، الذين يبني الاغنياء ثرواتهم وقصورهم وسلطاتهم على اكتاف العاملين الفقراء، الذين تتشقق اقدامهم وأكفهم بعمل يومي دائم ، وبأجرٍ يوميٍ قليلٍ لا يكفي للعيش الكريم . كما تعرفتُ، من خلال قراءاتي، على حرً شمس البصرة واناقتها في خلق أجود انواع التمور بالعالم وعلى اقتصاد هذا الثمر المتميز.
بناء على توجيهات وافكار القيادي الشيوعي (محمد صالح العبللي) تعرفتُ على تفاصيل واسماء شوارع البصرة، وفنادقها ،ومقاهيها ،وانهارها ،ومحلاتها ،ومطاعمها . علمتني الثقافة الشيوعية الواردة في كتب وقصص واشعار روسية وفرنسية وجيكوسلوفاكية وبلغارية وألمانية اهمية قراءة وجه ارض مدينة البصرة وصحرائها وسر الخضرة فيها وما تحمله بواطن اراضيها من ثروات نفطية حتى صارت مقالاتي الاقتصادية المتواضعة تجد طريقها للنشر في (جريدة صوت الكادح ) الدورية التي تشرف على اصدارها اللجنة المحلية للحزب الشيوعي بالبصرة.
انغمرتُ في السفينة الطلابية بمدينة البصرة لمواكبة جميع الرفاق الاخرين من ركابها والتعلم منهم اساليب الانخراط الثوري في هذا المجال ،مما عرضني الى الفصل من المدرسة منذ وجودي في الصف الاول المتوسط ،ثم تلاه فصل اخر في الثاني المتوسط، ثم في الثالث المتوسط ايضاً، مما جعلني وثيق الصلة اكثر واكثر بالعمل التنظيمي – الحزبي – السرّي لاستمد منه قوتي والهامي، والتخلص بصورة تكاد تكون نهائية من سيكولوجية المراهقين. حين اكتب مقالة تأملية اعرضها أولاً على استاذي الشاعر محمد علي اسماعيل.. حين اكتب خاطرة اعرضها على صديقي محمد سعيد الصكَار.. حين اكتب مسرحية بفصل او فصلين اعرضها على الفنان توفيق البصري. منذ ذلك الحين اصبحتُ منتشياً بذات الوقت بالعمل الطلابي، اصغي تماما الى توجيهات رفاقي القادة.
بعد ثورة 14 تموز عدتُ الى مقعد الدراسة في ثانوية التجارة المسائية المرتبطة بجمعية المعلمين. اختارني الرفاق في تلك الفترة مسئولا في اللجنة الطلابية الحزبية لأصهر نشاطي ،كله، في تلك الفترة لتأسيس (اتحاد الطلبة العام في الجمهورية العراقية). تحولتُ على الفور إلى عضو في اللجنة التحضيرية ببغداد لمتابعة عملية خلق اتحاد الطلبة ونشر قيمه وتقاليده وبناء تنظيماته، ليكون مؤهلا لقيادة نضال الطلبة في انحاء العراق كافة .
كان تبادل الحوار المدني اليومي بين الطلاب في المدارس الثانوية والكليات بين الطلاب والطالبات نقطة انطلاق رئيسية، انسانية وقانونية، لتجميع الطلبة في نضال مدني واع . كان الطلبة الشيوعيون يجدون في نشاطهم اليومي حكمة عظيمة بإمكانها أن ترسل صيحة مجدٍ، اولى وكبرى، في الحركة الوطنية العراقية اليسارية. كما ان الطلبة الشيوعيين كانوا يجدون عذوبة حياتهم في هذا النشاط . تركز نشاطنا الطلابي بعد 14 تموز 1958 على ضرورة تأسيس اتحاد الطلبة العام بصورة قانونية – علنية على اعتبار ان (اتحاد الطلبة العام في الجمهورية العراقية) هو الوريث الشرعي والكبير لذلك الاتحاد الطلابي المعلن في 14 نيسان عام 1948 في ساحة السباع. كان الطلاب – بعد ثورة تموز 1958 – من أوائل من ادرك ضرورة الغاء جميع الممنوعات القانونية والمعوقات التنظيمية ،التي وضعتها الدولة الملكية امام الحقوق الانسانية في العراق ومنهم الطلبة . كانت قوانين تلك الدولة وقراراتها واجراءاتها مفهومة بوضوح تام من قبل الحركة الطلابية بأكثر من الحركتين العمالية والفلاحية.
ضربتُ الأرض بقدمي فرحاً إلى حد اقصى حين ابلغني مسئول اللجنة المحلية بترشيحي لأكون عضواً في (اللجنة التحضيرية العليا للمؤتمر الطلابي الاول) الذي سيعقده الطلبة العراقيون في شباط 1959 وبناء على تعليمات لجنة التنظيم المركزية في الحزب الشيوعي يجب ان اكون في بغداد قبل يوم السبت القادم حيث ينعقد اول اجتماع .
في اليوم التالي كان القطار يموج بي متوجها من محطة المعقل الى محطة غربي بغداد بعد أن اخفق الفيترجي حاج محمود في تصليح سيارتي، ناصحاً إياي بالسفر بواسطة القطار والاستمتاع طول الليل بضوء القمر وتحاشي اي عطل محتمل في جوف سيارتي المعذبة بالتصليح المزمن .
كانت الوداعة والهدوء تقليداً لي وأنا اجلس عادة في مطعم الدرجة الاولى بالقطار، تسحرني مشروباته ومأكولاته رغم ان صوت القطار، عادة، ما يدوخني كثيراً . لكنني قضيتُ، تلك الليلة ، في كتابة بعض المقترحات، التي ينبغي تقديمها الى اللجنة التحضيرية التي من مسئوليتها الأولى تحضير وثائق المؤتمر. كان التركيز في التفكير قد دفعني الى الغطس في اعماق المشاكل التي يعانيها طلبة البصرة كنموذج لمعاناة طلبة العراق رغم ان البصرة كانت في تلك الفترة تفتقد التعليم العالي حيث ليس فيها اية كلية .
لم أسأم تلك الليلة لا من صوت القطار ولا من عدم النوم، حيث بقيتُ يقظاً مستخفا بكل شيء من اجل تهيئة اكبر قدر من المقترحات. لم تتعب يدي في تلك الليلة وهي ترسم المقترحات على ورقة بيضاء .
قضيتُ اسبوعين ببغداد وساهمتُ مع أخرين في اعداد وثائق المؤتمر، الذي سيعقد حسب قرار اللجنة التحضيرية في 19 – 21 شباط 1959. كان رئيس اللجنة التحضيرية الرفيق مهدي عبد الكريم يصرّ في كل اجتماع على ضرورة و اهمية ان يكون نشاط اللجنة التحضيرية واستعدادها ليس شكلا روتينيا ، بل ضرورة النشاط بأعلى مستوى وبأرقى مستوى، لأن مؤتمر الطلبة سيكون المبادرة الاولى في ترسيخ اسس المنظمات الجماهيرية على اسس مدروسة وعلمية وفقا للتجارب المشابهة في كل انحاء العالم الاشتراكي الذي كان في رؤيتنا ، أنذاك، انه العالم الاكثر تقدماً.
كان التنظيم الطلابي بعد ثورة 14 تموز يشكل استمراراً للحركة الطلابية ،عموما، التي ظهرت واضحة في وثبة الشعب العراقي في عامي 1948 و1949 وانتفاضة تشرين 1952 وانتفاضة تشرين عام 1956 وغيرها . كان الطلبة العراقيون يشكلون تكتلاً تاريخياً كبيراً في حركة الشعب العراقي المناضلة من اجل الحرية والديمقراطية وقد بلغ النضال الطلابي منذ عام 1929 عمقاً مجيداً في التاريخ العراقي الحديث . كان الطلبة العراقيون بعد ثورة 14 تموز من اوائل الفئات الراغبة في عقد مؤتمر عام لإعلان اتحادهم ،خاصة بعد ان سبقهم المعلمون العراقيون ببضعة أيام في عقد مؤتمر نقابتهم اوائل شباط 1959 .
تشكل الوفد الطلابي في البصرة للمشاركة في المؤتمر العام من 16 عضواً . كان الوفد من ضمن اكبر وفود المحافظات. الوفد متكون من 9 طلاب و7 طالبات وهو الوفد الوحيد من خارج بغداد ضم اكبر نسبة من الطالبات . سافرنا ،جميعاً، بالقطار ليلة الخامس عشر من شباط وقد تم تسكين الطالبات في بيت بالأعظمية بينما اسكن الطلاب في فندق بشارع الرشيد.
انعقد المؤتمر في قاعة الشعب بساحة باب المعظم. كانت الشعارات الطلابية تعمر جدرانه الخارجية . جدرانه الداخلية مزينة بشعارات الترحيب بوفود الطلبة من اعضاء المؤتمر وبممثلي الطلبة القادمين من لبنان وبلغاريا والصين الشعبية وجيكوسلوفاكيا وغيرهم . كان في مقدمتهم رئيس اتحاد الطلبة العالمي. حين بلغت الساعة التاسعة صباحاً كانت عيون الجالسين بالقاعة ملتصقة بأبوابها وشبابيكها بانتظار ورصد قدوم الزعيم عبد الكريم قاسم.
كانت ألوان من القلق والتوتر تسيطر على المؤتمر في جميع مناقشاته للوثائق المعدة من قبل اللجنة التحضيرية بعناية ودقة فائقتين، و قد اخذت المناقشات مأخذاً جاداً، خاصة وان المؤتمر ضم بين اعضائه عدداً غير قليل من الاحزاب العراقية مثل (الحزب الوطني الديمقراطي) و(حزب البعث العربي الاشتراكي) و(الحزب الديمقراطي الكردستاني) رغم ان اكثرية المؤتمرين كانوا من الشيوعيين او اصدقائهم. كانت الآراء المختلفة موضع الاهتمام التام من قبل هيئة رئاسة المؤتمر ، التي وفرت عناصر أول ممارسة ديمقراطية حقيقية في التاريخ المهني والسياسي في العراق الجديد. كان طاقم تنظيم المؤتمر وقيادته في غاية الدقة وكان دور عريف الحفل (عدنان البراك) قادراً بكلماته ان يجعل المؤتمر متوقدا بالنشاط والحيوية .
في أثناء جلسات المؤتمر كان البراك نشيطاً في ادارة العمل ،ساعة بعد ساعة. لا تضيع منه دقيقة واحدة من دون خصوصية صوتية ومعرفية لها تأثيرها على جميع الحاضرين. كان عريفاً نموذجياً لإدارة الميكرفون . احاديثه المتوجهة لا تغيب عن ذاكرتي حتى الآن ، بل كان ذكيا ً في كيفية طرد الملل والسأم في الجلسات الطويلة. كان يحترم جميع الآراء والمقترحات، يضعها دائما موضع الاعتبار، مهما كانت بساطة بعضها أو بساطة المتحدثين بها. لم يهمل اقتراحاً ولم يشجب رأياً ولم يمزق ورقة ، بل ما علق بذاكرتي اننا كنا قبل موعد المؤتمر ذات صباح قد ناقشنا في احدى وثائق اللجنة التحضيرية شمول الطلبة العراقيين بتخفيض اجور القطارات وباصات نقل الركاب وبطاقات السفر على الخطوط الجوية. لكن عدنان البراك اقترح بعد ظهر اليوم التالي اضافة فقرة جديدة عنوانها تخفيض اسعار الوجبات الغذائية للطلبة في (المطاعم العراقية) بعد أن كنا مجموعة من مهدي عبد الكريم وسعود الناصري وكاتب هذه السطور وعدنان البراك وشقيقته (خولة) قد تناولنا وجبة الغداء في مطعم الشباب بباب المعظم . اغتبط كثيرا صاحب المطعم حين تعرف الى اننا نسعى الى عقد مؤتمر اتحاد الطلبة العام في الجمهورية العراقية فقرر منحنا تخفيضا قدره 25% مما جعل عدنان البراك يلتقط هذه المبادرة ليضعها مطلبا في الوثيقة المتعلقة بالوضع الطلابي الاقتصادي حال عودتنا إلى قاعة المؤتمر.
منذ مؤتمر اتحاد الطلبة يرتمي في ذاكرتي ،حتى اليوم ،ان طلبة العراق لم يكونوا يلامسون الديمقراطية الانتخابية فحسب ، بل كانوا تواقين لأن يكونوا اقوياء مسرعين في ممارستها على اكمل وجه ممكن في تلك الظروف. كان اغلب المؤتمرين اذكياء وعالمين بأهمية ونتائج هذه الممارسة . كانت (الحماسة الديمقراطية) تميز وعي المؤتمرين لأن المؤتمر أدرك أن له صوتاً مدوياً في بقية المنظمات الجماهيرية التي تنتظر نتائجه وقدراته على تحريك الديمقراطية وانقاذ الجماهير المهنية كلها من آثار يأس الماضي الصعب في حقبة النظام الملكي.
تابعت الصحافة البغدادية والصحفيون العراقيون جميعا اعمال المؤتمر ومناقشاته وقراراته وكانوا يكتشفون آمال الديمقراطية والحرية من خلالها ، خاصة في الجلسة الختامية بعد مغيب شمس يوم 21 شباط 1959 حين كانت عجلة الامور تدور على ما يرام حول الطريقة الديمقراطية الانتخابية ، حيث موعد انتخاب اللجنة التنفيذية لــ(اتحاد الطلبة العام في الجمهورية العراقية) في جلسته الختامية لاستنهاض كل طاقات العمل المستقبلي وجعل اتحاد الطلبة ورشة عمل دائمة للدفاع عن مصالح الطلبة العراقيين .
كان الطلبة يكرسون انفسهم في قاعة الشعب مالئين ساعاتهم كلها بأحلام الديمقراطية، ممارسين اولى اشكالها بأفكار واقتراحات تناسب اهداف ثورة 14 تموز. نوقشت في المؤتمر الكثير من المشاكل التي تواجه الطلبة بما يتعلق بالشكل العلني المناسب لبناء التنظيمات الطلابية في كل مدارس العراق الثانوية والجامعية . كما نوقشت وثيقة مهمة تتعلق بتحسين الوضع الاقتصادي والاجتماعي للطلبة ،خاصة في ظروف وجود نسبة 85% من الطلبة هم من عوائل فقيرة، كما نوقشت وثيقة تتعلق بتحسين الحياة وتوفير جميع الحاجات المعيشية في بيوت الطلبة (الاقسام الداخلية). كذلك نوقشت قضية توفير اللوازم والكتب والحاجات المدرسية والجامعية، و توسيع المكتبات المدرسية والجامعية، والغاء اجور الدخول الى الكليات، والمطالبة بتخفيض اجور النقل والمواصلات والسينمات والمطاعم . كذلك تم التركيز على ثلاثة مطالب منها:
(1) انشاء النوادي الطلابية العامة.
(2) تشجيع السفرات الداخلية والخارجية.
(3) الاهتمام بالرياضة المدرسية والجامعية وغيرها من القضايا المتعلقة بحياة الطلبة والتعليم خلال سني دراستهم .
كان عدد المصوتين في المؤتمر 281 في أثناء الجلسة الختامية المخصصة لانتخابات اللجنة التنفيذية للاتحاد العام للطلبة في الجمهورية العراقية. شارك جميعهم في الانتخاب ما عدا ورقة واحدة ظهرت بيضاء . كان الانتخاب قد جرى تحت اشراف احد القضاة المنتدبين من وزارة العدل يعاونه اثنان من موظفي الوزارة . خلال عمليات الفرز النزيه تم اعلان نتائج الانتخابات حيث الرفيق مهدي عبد الكريم قد فاز بأغلب الاصوات (274 صوتا من مجموع 281 مشاركاً) وفاز بعضوية اللجنة كل من (فاروق رضاعة، صاحب احمد الميرزا ، احمد العاني ، سهام عجاج ، باسم مشتاق، علي عبد القادر ، ضياء العكيلي ، كارم عبد الرحمن ، سلوى الجلبي، فؤاد جلال ،صلاح الملاك، طارق العمادي ، وجدي شوكت سري، حسن علي غالب، عبد الحسين سلمان، ايوب سبتي، حازم جليل، جاسم المطير، حاجي ملا سعيد، صالح ياسين، مجيد الحاج حمود، شامل النهر ، فرج عبد الله، عبد الجبار شوكت سري).
قبل يومين من موعد الانتخابات، أي في يوم 17 شباط توجه عدد من اعضاء المؤتمر الطلابي في يوم شديد البرد الى ساحة السباع لاستذكار مؤتمر الطلبة الاول عام 1948 كذلك شارك عدد من اعضاء المؤتمر الطلابي مع جماهير عمالية كبيرة احتشدت يوم 20 شباط في ساحة الكشافة في اجتماع جماهيري عام لتحديد مطالب الطبقة العاملة ووضعها امام قيادة الثورة وحكومتها.
انتهت بنجاح تام اول ممارسة انتخابية ديمقراطية في العراق بعد ان كان للطلبة شرف المساهمة بكل الفعاليات النضالية ضد الاستعمار والظلم وقمع الحريات. واذا كانت ثورة 14 تموز قد اكدت على لسان قائدها بضرورة ممارسة الحرية والديمقراطية فأن الحركة الطلابية بقيادة الشيوعيين داخلها كان لهم شرف المساهمة في اعداد ظروف الثورة وقدموا الشهداء منذ وثبة كانون الثاني في أواخر اربعينيات القرن الماضي وفي الانتفاضات الكثيرة عام 1952 وعام 1956 وكان الطلاب في كل مدينة عراقية هم الشعلة التي تنير نضال العمال والفلاحين وكل ابناء الشعب الكادح . اما بعد ثورة تموز فقد كانت تجربة الطلبة العراقيين اضاءة مهمة امام تجارب الفئات الاجتماعية الاخرى المنتظمين في نقابات المعلمين والعمال والاطباء والمحامين والفلاحين ورابطة المرأة العراقية والشبيبة الديمقراطية وغيرها من الفئات الاجتماعية الاخرى.
حين عدتُ الى مدينتي، البصرة الطيبة ، مع جميع اعضاء الوفد كنت اشعر بمهام واسعة وجديدة اولها : مهمة عضويتي في اللجنة التنفيذية لاتحاد الطلبة العام في الجمهورية العراقية، وثانيها مسئوليتي في رئاسة اتحاد طلبة البصرة، وثالثها مسئوليتي في الاشراف على اتحاد طلبة العمارة والناصرية، ورابعها عضويتي في اللجنة المحلية للحزب الشيوعي، مما افرحني وأثارني في ذات الوقت ، فقد ادى كل ذلك الى انحصار هوايتي الادبية في كتابة القصة القصيرة والرواية الى زمن غير قصير .