بالإضافةِ إلى كونِها أحد مصادر بناء الدخل في كثيرٍ من دولِ العالم، فضلاً عن مساهمتها بخلقِ فرص العمل التي تفضي إلى خفضِ معدلات البطالة وتنشيط حركة التجارة، تنعكس أهمية الآثار بالحفاظِ على هويةِ الأمة وحضارتها التي تميزها عن غيرها من الأمم أو الحضارات الإنسانية، حيث أن لجميعِ الأمم والشعوب موروثاً حضارياً وآثارياً، يفرض على الأممِ الحية الاعتزاز به والعناية بموجوداتهِ التي تعبر عن جزء من تأريخِها. وبحسبِ المتخصصين والباحثين، لا يمكن دراسة التأريخ بمعزلٍ عن الآثار، بوصفِها أدلة مادية توثق أحداثاً وتشهد على وقائع تأريخيه تستدعي البحث والدراسة، بغية فهم تأريخ الأمم والاستفادة من تجاربِها.
وتشكل حضارة وادي الرافدين إحدى أبرز وأقدم الحضارات الأصيلة في العالمِ التي قدر لها أن تؤثرَ على مجرى التأريخ الإنساني، إذا ما أدركنا أن العراقَ بلد قامت على أرضهِ الحضارات عبر مختلف العصور، حيث كان لحضورها أثر فاعل في بلورةِ الثقافة وإنضاج العلوم التي استمدت منها ثقافات الشعوب على مرِ التأريخ الشيء الكثير، ما ألزم مهمة الدارسين في التأريخِ القديم ضرورة إلمامهم بحضارةِ وادي الرافدين، بوصفِها مهد الحضارات البشرية، حيث يزخر العراق بآثارٍ كبيرة ومهمة، تعد أكثر آثار العالم قيمةً وأبرزها مكانةً.
وبالاستنادِ إلى تزايدِ حالات التجاوز على الأراضي الأثرية، إضافة إلى الخسائرِ التي لحقت بالمواقعِ الأثرية نتيجة النهب العشوائي والتخريب المنظم لكثيرٍ من محتوياتِ المتاحف والمواقع الأثرية خلال العقود الأربعة الأخيرة بما في ذلك الموجود منها في المخازنِ المعدة للحفظ الذي أفضى إلى دمارٍ بالغ بآلافِ القطع والتحف الأثرية القديمة التي لا تقدر بثمن، يبدو أن هناك خطة منهجية وبرامج علمية لسرقة الآثار العراقية التي يعود تأريخها إلى العصور القديمة لبلادِ الرافدين. إذ تعرضت ممتلكات العراق من الآثارِ التي تخص الحضارة الإنسانية إلى السرقةِ على نطاقٍ واسع وبشكلٍ مستمر إبـّـان أعوام الاحتلال الأمريكي، حيث جرى تسريبها عبر مختلف الآليات المتاحة التي في مقدمتِها صولات ونشاطات مهربي الآثار، فضلاً عن عناصرِ بعض الوحدات العسكرية الأجنبية المشاركة في قواتِ التحالف الدولي التي انتخبت أماكن انفتاحها في مواقعٍ مليئة بالآثارِ أو اختارت تمركزها بالقربِ من هذه المواقع التي تكتنز روائع من التحفِ الفنية التي تتميز، وربما تتفرد بقيمتِها المادية والفنية العالية، فضلاً عن روعةِ جماليتها، حيث أن بعضَ هذه المواقعِ الأثرية يرجع تأريخها إلى ما يقرب من ثلاثةِ آلاف سنة قبل الميلاد!!. ويضاف إلى ذلك مساهمة حالة الانفلات الأمني التي أعقبت سقوط النظام السابق في سرقةِ وتهريب كثير من كنوزِنا الأثرية، إضافة إلى التدميرِ المتعمد لكثير من موجوداتِ إرثنا الحضاري والتاريخي.
وعلى وفقِ ما تقدم، فإن حمايةَ آثارنا من الضياعِ تفرض على القياداتِ الإدارية توجيه إدارات الوزارات والمؤسسات المعنية بالأمر، ولاسِيَّمَا وزارة السياحة والآثار إلى تبني سياساتٍ جادة بمقدورِها الحصول على مؤازرةٍ دولية عبر منظمة الامم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة ( يونيسكو )، تقضي بوجوبِ إعادة الآثار المنهوبة التي وجدت في مختلفِ المدن والعواصم العربية والعالمية مستقراً لها، إلى جانبِ ملاحقة المزادات التي ترعى وتسوق آثارنا المسروقة، كونها تشكل جزءاً من تأريخِنا، فضلاً عن الشروع بتحكيمِ آليات حماية المناطق الأثرية، والعمل على ملاحقةِ الجناة وإحالتهم إلى القضاء، إضافةً إلى الانفتاحِ على منظمات المجتمع المدني بقصدِ تفعيل مسارات الجانب التوعوي والإرشادي الهادف إلى المحافظةِ على آثارنا وتحسين طرق التعامل معها.
تستقطب آثار العراق المسروقة التي ما يزال مصير كثير منها مجهولاً، اهتمام الحكومة العراقية وإدارة السياحة والآثار العراقية، التي تعمل منذ فترة على إعادةِ الآثار المهربة، بالاستنادِ إلى اتفاقيةِ اليونسكو لحمايةِ المواقع الثقافية التي تؤطر محاولاتها الحثيثة لاستعادتها من دولِ الجوار، فضلاً عن توقيعِ اتفاقيات وإجراء تفاهمات مباشرة مع الأطرافِ ذات الصلة بالموضوع، بغية إيجاد صيغة من التعاونِ بوسعهِ المعاونة في مهمةِ إعادة آثارنا المنهوبة. ويضاف إلى ذلك، ضرورة توجه إدارة الآثار العراقية صوب استعادة أنشطة التنقيب في المواقعِ الأثرية بمساعدةِ فرق أجنبية، إلا أن ظروفَ البلاد الأمنية أفضت إلى تجنبِ كثير من الفرقِ وعلماء الآثار العمل بها. وهو الأمر الذي يحتم على إدارة الآثار، إضافةً إلى الجهاتِ الساندة والحكومات المحلية تشديد إجراءاتها الرقابية على جميعِ الأراضي المؤشرة ضمن قائمة المواقع الأثرية، حفاظاً عليها من نشاطاتِ المهربين لحينِ وصول بعثاتٍ أجنبية بوسعِها معاونة الجهد المحلي في عمليةِ التنقيب، ولاسِيَّمَا المواقع الأثرية الجديدة، حيث اتضح أن هناكَ مواقع جرى سرقة بعض محتوياتها الأثرية بعد اكتشافها من قبلِ الأهالي أو أثناء أعمال الوزارات والشركات من دونِ علم الجهات المعنية، ما يؤكد أهمية تركيز إدارة الآثار في الوقتِ الحاضر على حمايةِ الموجود من مواقعٍ أثرية وعدم إغفال مهمة المحافظة عليها في ظل تنامي سعيها الحثيث لاستعادةِ الآثار المستباحة، بعد أن أصبحنا على يقين من تخطيط بعض الدول لسرقةِ آثارنا لدواعٍ عدوانية تهدف إلى تجريد العراق من الذاكرة التاريخية والحضارية والثقافية التي تعد جزءاً من الأمن القومي.
ومن المهم الإشارة هنا إلى أن سرقةَ تراثنا التاريخي والحضاري لم تكن وليدة اليوم، حيث تعددت طرق تهريب الآثار العراقية وتباينت آلياتها، إلى جانبِ ما هُرب منها بشكلٍ شرعي منذ أيام العهد العثماني؛ بالنظرِ لسماح قانون الآثار حينئذ بخروجها!!. وعلى الرغمِ من استعادةِ ما يقرب من خمسة آلاف قطعة أثرية من أصلِ خمسة عشر ألف قطعة أثرية من مسروقات المتحف العراقي، فضلاً عن أكثر من ثمانية وثلاثين ألف قطعة سرقت من المواقعِ الأثرية، إلا أن كثيراً من المسروقاتِ مثل اللقى الأثرية يصعب التعرف على عددِها، لتعذرِ توثيقها واستحالة حصرها، كونها خرجت من تلولٍ أثرية لم يجر العمل فيها، بخلافِ موجودات المتحف العراقي الموثقة التي اختفت إبـّـان الأحداث التي رافقت سقوط النظام السابق في التاسعِ من نيسان عام 2003 م!!. وهو الأمر الذي يتطلب من الحكومةِ العراقية وإدارة السياحة والآثار تبني برامج تلزم جميع الدول التي تحتفظ بآثار عراقية التقيد باللوائحِ والقرارات الدولية في التعاملِ مع الآثار، ولاسِيَّمَا قرار مجلس الأمن الدولي ذي الرقم ألف وأربعمائة وثلاثة وثمانين الذي يقضي بضرورةِ العمل على اعادةِ الآثار العراقية المسروقة إلى موطنِها الاصلي.
إن وزارةَ السياحة والآثار، تجد صعوبة في حمايةِ المواقع الأثرية المبعثرة على مساحةِ التراب العراقي بحدودِ إمكانياتها الحالية المتمثلة بضعفِ تخصيصاتها وقلة كوادرها المعنية بحماية هذه المواقع، إضافة إلى فعاليةِ عصابات تهريب الآثار، وتكالب جهات إقليمية ودولية على تقويضِ الإرثِ الحضاري لبلادِ الرافدين. إذ ليس بمقدور هذه الإدارة بإمكانياتها المتواضعة مواجهة التجاوزات الحاصلة على المواقعِ الأثرية المنشرة في جميعِ مناطق البلاد التي وصل عددها إلى أثني عشر ألف موقع، فضلاً عما يفرض عليها من التزامات مضنية تقضي بإرسالِ بعثات تنقيب لإنقاذِ المواقع التي تتعرض للتجاوزِ، مثلما حصل بعمليةِ إنقاذ المواقع الاثرية في مناطقِ الأهوار التي تعرضت لغمرِ المياه.
ولا أغالي في القولِ إن وزارةَ السياحة والآثار تقع على عاتقِها مهمات كبيرة في مواجهةِ ما يحتمل من حالاتٍ لسرقةِ الآثار، إضافةً إلى مسؤوليتِها في حمايةِ الذاكرة العراقية بإنقاذ المواقع الأثرية وإعادة ما سلب منها، فعلى سبيل المثال لا الحصر يوجد بمحافظةِ ذي قار ما يقرب من ( 1200 ) موقع آثاري يعود معظمها إلى عصرِ فجر السلالات والحضارات السومرية والأكدية والبابلية والأخمينية والفرثية والساسانية والعصر الإسلامي، خصص لحراستِها مائتا حارس فقط، ما يجعل معظم المواقع الأثرية المنتشرة في عمومِ مدن المحافظة عرضةً لعملياتِ نبش وسرقة منظمة من قبلِ اللصوص ومهربي الاثار!!. وهو الأمر الذي يفرض على الحكومةِ البحث بجديةٍ في مهمةِ وضع ميزانية خاصة لحمايةِ الآثار العراقية التي لم تحصل على ما ينبغي من رعايةٍ واهتمام على الرغمِ من قيمتها الحضارية والمادية، إلى جانبِ تبني وزارة السياحة والآثار برامج إرشادية تعنى بتصحيحِ السلوكيات والممارسات الخاطئة المتبعة في تعاملِ المواطنين، فضلاً عن كوادرِها مع الآثار، لأهميتِها التاريخية.