13 أبريل، 2024 7:43 م
Search
Close this search box.

تأخّر السحل العراقي هل اختلفت الجّينات ام تمرّسَ الحاكمون

Facebook
Twitter
LinkedIn

المعروف عن العراقيين-سياسيا كشعب- اختلافهم عن بقية اخوانهم العرب او شعوب المنطقة في جزئية التعامل مع الحكام الفاسدين او المستبدين “والحقيقة ان هذا هو طابع حكام العراق دائما” منذ نهاية العصر العباسي الاول ، وقبله ايام الامويين ايضا ، بل حتى من تولى العراق في العصر الراشدي -الاكثر صلاحا- كانت عليه مؤشرات وشكي بعضهم الى الخليفة و اتهم بعضهم بنزاهته .
وفي ذلك العصر لم تختف تلك الميزة تماما من طبع العراقيين فقد حصبوا بعض الامراء بالحصى على المنابر و ضربوا بعضهم وضغطوا على بعضهم حتى اضطر الخليفة الى استبدالهم ، كذلك شارك العراقيون بل شدوا الرحال الى المدينة المنورة ليشاركوا او ليقودوا في الحقيقة اقبح خروج على الحاكم الشرعي في تاريخ المسلمين وهو سيدنا عثمان رضي الله عنه وقتلوه بنفس الطريقة المعروفة ، ولم يكن ليتجرأ اهل الجزيرة ولا غيرهم التلطخ بدم صحابي جليل ومجهز جيش العسرة و صهر النبي مهما قصر في أداء عمله لولا جرأة العراقيين الذين وجهوا من كان قادما من مصر ومن كان مقيما في الجزيرة ، وخلص من الاشتراك في هذا الذنب من كان في الشام لوجود المتمكن من حكمه “معاوية”.
وبعد هذا الحدث الصادم من قتل خليفة المسلمين المبايَع ، نقلت الخلافة الى العراق ، و استمرت البلابل ولم يهدا للدولة الاسلامية بال طالما العراقيون في المشهد السياسي ، فحدثت معارك و محن منها مقتل الامام علي عليه السلام غيلة في الكوفة ثم مقتل ابنه حفيد النبي عليه الصلاة والسلام في كربلاء و معه نفر من اهل بيته وانصاره وسالت دماؤهم الطاهرة على ارض العراق ،
ثم قتل العراقيون بعض ولاة الامويين وسحلوهم على فترات و طردوا البعض الآخر ، و كان يّستبدل لأهل العراق كل شهر وال -وهذه كانت وصية الخبراء من الخلفاء- دونما رضا او استقرار او سكينة حتى مع قدوم الحجٌاج ، فهو الآخر لم يسلم -كما يعتقد الناس خطأ- من المضايقات والثورات والانتفاضات من قبل العراقيين بل سجّل التاريخ اشرس الانتفاضات ضده من العراقيين فقد ثار على الحجاج جنده من اهل البصرة سنة 76 هجرية بقيادة عبد لله بن الجارود.ثم ثار عليه جنده من اهل الكوفة سنة 77 هجرية بقيادة مطرف بن المغيرة.ثم ثار عليه جنده من العراقين في البصرة والكوفة بقيادة عبد الرحمن بن محمد بن الاشعث سنة 81 هجرية ولم يستطع الحجاج اخضاع
التمرد الاخير الا بواسطة جند اهل الشام الكثيري العدة والعدد “المعروفين بالولاء المطلق” وبقي محتفظا بهم ليضبط ولايته، وبنى لهم مدينة واسط لكي لا يختلطوا بالعراقيين فيتأثروا بهم ، وعطفا على هذا لابد ان نذكر عرضا ان “الخلفاء في صدر الاسلام وبعده كانوا يصدرون تعليمات مفادها منع اختلاط العراقيين الوافدين الى الحجاز والمدينة او الشام للتجارة او الحج او الزيارة من الاختلاط بالاهالي هناك خوفا من البلبلة والتأثير السياسي ويعاقب من يخالف بعقوبات شديدة”* وهذا يعطيك صورة عن التمرد الجيني في ابدان العراقيين ونفوسهم،
و عودا فقد كان التمرد الاول ضد الحجاج محدودا وكان يستهدف الحجاج خاصة دون خلع بني امية، وانتهى التمرد بقتل ابن الجارود، ولما كتب الحجاج الى عبد الملك بخبره أجابه: (اذا رابَكَ من أهل العراق ريب فاقتل أدناهم يُرعَب منك أقصاهم) ، وحاول مطرف في ثورته ان يحيي منهج ابن الزبير بشكل عام، فقد اعلن ثورته عام 77 هجرية وخلع عبد الملك والحجاج، ويروي البلاذري عن ابي عبيدة وابن الهيثم ان مطرفا سمع الحجاج يقول :”أرسول أحدكم أكرم أم خليفته؟ فوجم وقال :كافر، والله والله ان قتله حلال.”
وكان مما خطب به مطرِّف اصحابه: “وإني أشهد الله أني قد خلعت عبد الملك بن مروان والحجاج بن يوسف، فمن أحب منكم صحبتي وكان على مثل رأيى فليتابعني ومن أبى فليذهب حيث شاء، فاني لست أحب أن يتبعني من ليست له نية في جهاد أهل الجور،” وانتهت بمقتله قرب اصفهان .ثم ثورة عبد الرحمن بن محمد بن الاشعث بن قيس 81-84 هجرية فبعد قصة نتجاوزها وثب الناس إلى عبد الرحمن فبايعوه.
فقال :تبايعوني على خلع الحجاج عدو الله وعلى النصرة لي وجهاده معي حتى ينفيه الله من أرض العراق، فبايعه الناس.
ولما دخل الناس فارس اجتمع الناس بعضهم إلى بعض، وقالوا :إنا إذا خلعنا الحجاج عامل عبد الملك فقد خلعنا عبد الملك، فاجتمعوا إلى عبد الرحمن فبايعوه وكانت بيعته: تبايعون على كتاب الله وسنة نبيه وخلع أئمة الضلالة وجهاد المحلين، فإذا قالوا : نعم، بايع.
فلما بلغ الحجاج خلعه وكتب إلى عبد الملك يخبره خبر عبد الرحمن بن محمد بن الاشعث، ويسأله أن يعجل بعثه الجنود إلمدد.
قال أبومخنف حدثني فضيل بن خديج ان مكتبه كان بكرمان وكان بها أربعة آلاف فارس من أهل الكوفة وأهل البصرة، فلما مر بهم ابن محمد بن الاشعث انجفلوا معه” انتهى. * من تاريخ البلاذري.
و حدث مثل ذلك قبله مع زياد بن ابيه وبعده مع كل الولاة فلم يرضخ العراقيون يوما ولم يرضوا على والٍ ولم يهادنوه ، حتى صدّام الحاكم الاقوى والاذكى والاكثر استبدادا في تاريخ العراق والعرب ، لم يطوّع -وبكل هيبته وسلطته- كلّ العراقيين او كل الوقت فقد حصلت ضده تمردات في الغربية وانتفاضات في الجنوب وقُتل من خاصة حرسه الكثير،
ولا يُنسى من قبله من الحقبة الحديثة من قتل الملوك الهاشميين وسحلهم في الشوارع وتعليق جثثهم للطير ، وعبد الكريم قاسم وعبد السلام عارف وهلم جرا ، الكل قتل و سّحل و لو بعد حين ولم يسلم حاكم من ذلك الا المسالم المهادن الخادم لشعبه مثل البكر وعبد الرحمن عارف الذين انتهى حكمهما بسلام ، و هذا ينسف النظرية القائلة ان العراق لايحكم الا بالاستبداد والقوة ، على العكس تماما فان الذين استخدموا القوة او الترهيب او الفساد او العمالة مع الاجنبي او التعاون معه نعم حكموا ولكن سُحلوا بعد حين ، بل ان الاستعمار البريطاني وغيره لم يستطع ان يحكم العراق لأكثر من بضع سنوات ، فقد كان العراق اخر المحتلين و اول المستقلين من بلدان العرب والشرق ، وقتل العراقيون كبار القادة الاجانب على ارضه ولم يقر لهم قرار الى ان هربوا ، بينما بقوا في بلاد اخرى عشرات العقود او مئات السنين ، ولم يعتبر العراقيون العثمانيين استعمارا لانهم يحكمون بالاسلام والخلافة كمثل بقية اقطار العرب .
الى ان دخلت هذه الطغمة الاخيرة منذ 2003 الى اليوم و الشعب يُخدع مرة بفتوى فينتخب فيُستغَل ويُنهب فيثور فيُخدع مرة اخرى بالدين فيهدأ ثم ينهب ويجوع فيثور ثم يخدع بدعوى الاصلاح فيهدا ثم ينتفض ،وهكذا مناوبة بين الحكام التابعين والشعب المرتبك .ويبدو ان تخطيط ايران المتمرس والخبير بشان العراقيين ،الى جانب نصائح بريطانيا ذات التجربة في العراق ، و امريكا الفاشلة في العراق التي استعصت عليها مدينة عراقية واحدة فاستنزفتها في معركتين كبيرتين فضلا عن تمرد كل مدن العراق الاخرى وحرق الارض تحت اقدام الغازين ، فاليوم يقف علم النفس والسياسة والاجتماع مذهولا امام سكوت العراقيين على عصابة نجحت لعشرين سنة في النهب والسلب وانتهاك الاعراض وتخريب البنية التحتية وتهريب الاموال وافقار الناس والاثراء على حسابهم والعمالة للاجنبي وانعدام الخدمات وقتل الابناء واستحياء النساء وغور الماء واختفاء الكهرباء.
كل هذا لعقدين كاملين والى الان لم ينفذ صبر العراقيين ولم يظهر السحل المعروف والموعود ، فالامر بحاجة الى وقفة بحثية ايديولوجية اطول من مقالي هذا ، ومعرفة الاسباب العجيبة والغامضة وراء تأخر السحل لهؤلاء الحكام الضعفاء اصلا والمعدومي الذكاء والدهاء تقريبا ، والمفتقرين للهيبة او الكارزما او اي مقوم مقومات النجاح او السيطرة على حكم شعب شرس مثل هذا.
فهل ياترى تغير الجينات الوراثية العراقية ادى الى ظهور جيل اضعف كهذا ام تمرس ايران وامريكا وبريطانيا ومن يدعم هؤلاء الحثالة من سياسيي الغفلة المستمرين دون سحل عراقي تقليدي ،، في الافق.

مقالات اخري للكاتب

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب