على مدى ثلاثة أشهر، ينتظر أبناء الشعب العراقي بصيص أمل من قانون لعله ينصفه، وينال منه ولو جزء بسيط من حقوقه التي لم يحظى بغالبيتها على مدى ١٧ عاما. إلا أن المناقشات والحوارات بين الأطراف السياسية أخذت أبعادها، الأمر الذي ممكن أن يؤدي إلى أن يسود القلق والتوتر والكثير من تحديات الصحة النفسية على غالبية أبناء هذا الشعب وعلى وجه الخصوص الفئات الفقيرة التي خيبت آمالها موازنة العام الماضي، وحطت هذه الآمال رحالها على موازنة العام ٢٠٢١ لعلها ترجو منها خيرا!
إن قلق المستقبل يشير إلى الهواجس والخوف والتوتر الذي ينتاب الأشخاص لما سيحدث في المستقبل من تغييرات، سواء أكانت هذه التغييرات على الصعيد الشخصي (محور الموضوع) أو اللاشخصي، نتيجة الشعور باليأس، وعدم ثقتهم بالنتائج القادمة.
بالتالي، ونتيجة لما عايشته هذه الفئات الفقيرة ومنهم الشباب العاطلين عن العمل من الحرمان من حقوقهم، وللغموض الذي بدأ يسود على موازنة العام ٢٠٢١، يؤدي هذا من الرؤية النفسية إلى ظهور قلق المستقبل لدى هذه الفئات، ومن آثار هذا النوع من القلق لدى هذه الفئات ما يأتي:
١. التوتر والخوف لما ينتظرهم في المستقبل على صعيد تكوين الأسرة والإستقرار المادي، وعلى جانب الصعيد الإجتماعي أيضا حول كيفية نظرة الناس إليهم عندما يكونوا عاطلين عن العمل (الذات الإجتماعية) إذا أن النظرة الدونية لهم من قبل المجتمع ممكن أن تشهد تأثيرا ملحوظا في صحتهم النفسية.
٢. زيادة فترة تعطيل تنفيذ موازنة ٢٠٢١ ممكن أن يؤدي إلى زيادة قلق المستقبل لدى هذه الفئات، فتزداد لديهم الأفكار الخاطئة نتيجة التشاؤم الزائد مقابل التفاؤل القليل دون اللجوء إلى بدائل الحلول، ومحاولة البحث عن سبل النهوض بالقدرات الشخصية ولو بصورة بسيطة رويدا رويدا.
٣. إن زيادة قلق المستقبل سيؤدي إلى زيادة المشاكل الإجتماعية وبالخصوص داخل الأسرة، وفي بعض الأحيان يبتعد الابن عن ذويه نتيجة للواقع المرير محاولا التخلص منه بأكثر من طريقة، وهذا يكون بسبب اليأس والتفكير الخاطئ بصورة لاإرادية الذي يسببه قلق المستقبل الأمر الذي يؤدي إلى ممارستهم لسلوكيات غير سوية قد لا تحمد عقباها ويكون تأثيرها على الذات وعلى الآخرين.
٤. لقلق المستقبل آثاره أيضا نتيجة الخوف من عدم تحقيق الطموحات في موازنة ٢٠٢١ المرتقبة، وتتمثل هذه الآثار بالتأثير السلبي على حياة الشخص بالكامل، فلا يقبل التجديد في حياته خوفا من المفاجأة التي قد لا يتقبلها، فيسوده الخوف طيلة الوقت.
٥. نتيجة للمشكلة الأساسية وهي “الجانب المادي” الذي تفتقر له شريحة الفقراء والعاطلين عن العمل، سيؤدي ذلك إلى ظاهرة “التأخر عن الزواج” لدى هذه الشريحة، فهذه الظاهرة وقلق المستقبل سينعكسان سلبا على هذه الشريحة، الأمر الذي يسبب ظهور الإضطرابات النفسية ومشكلات التوافق السلوكي.
٦. إن تأخر إقرار موازنة العراق للسنة المالية ٢٠٢١ سيتسبب بزيادة جيش العاطلين عن العمل، بالتالي تدني معدل السعادة والرضا لدى هؤلاء، إذ أن غالبية الناس يزداد معدل إحساسهم بالألم النفسي في حال عدم عملهم.
ختاما، فإن التأثير الأبرز لموازنة ٢٠٢١ يتركز في الجانب الوظيفي، وهو ما ينتظره غالبية أبناء الشعب العراقي، فحق العمل هو مطلب أساسي للجميع. هذا الأمر سيولد عدة مشاكل وإضطرابات نفسية وأهمها قلق المستقبل، فهو سيؤدي إلى ركود حاضر ومستقبل الأشخاص، مع ما له تأثير واضح على فاعلية الذات لديهم، إذ تقل ثقتهم بأنفسهم، ويرون أنهم غير قادرين على أداء سلوكياتهم بالصورة المطلوبة. ويحدث كل هذا نتيجة عدم وجود هدف واضح لدى هؤلاء، بسبب تجردهم من العزيمة والإرادة النابع من الوضع السلبي المتمثل بالمستقبل المجهول (تأخر تنفيذ الموازنة)، الذي يؤدي تأثيره إلى ظهور الإضطرابات النفسية وأبرزها قلق المستقبل وما ينتج عنه من عواقب كما أسلفنا ذكرها.