قد يكون بالأمكان القبول ان يكون رجل السياسة متدينا ولكن من غير المقبول والمستساغ ان يكون رجل الدين المعمم متسيسا في مجتمع مثل المجتمع العراقي له تشكيلة بنيوية هشة متعددة الاتجاهات والمكونات دينيا وطائفيا وقوميا… فمن الأسباب التي أدت الى الحالة المأزومة و غير المنضبطة سياسيا في العراق هو وجود رجال الدين في العملية السياسية كعنصر فاعل ومؤثر…. فرجل الدين مهما كان منطقيا ومتوازنا ووطنيا يبقى رمزا طائفيا مستفزا لأنتماءات مخالفيه …. …فرجل الدين المعمم يمتلك صفة مهنية تمت بأختياره لمنهج فئة محددة من المجتمع وليست امتياز و تكليف الهي للجميع لذلك لا يمكن تعويمه وطنيا ويصبح عابرا لمربع الأنتماء الطائفي التكويني للمجتمع الى المربع الوطني الشمولي لأنه لا يستطيع الأندماج والتماهي عمليا مع باقي الأجزاء المكونة للمجتمع بصفته الدينية في كل العراق حيث انه لايجد نفسعه عمليا الا في بودقة بيئته والحاضنة الدينية و الطائفية له … لأنه يمثل الأنتماء الخاص دون الوطني لا العام الوطني للمجتمع فهو يستفز عند المواطن العراقي جزء فيه لا ينتمي الى كل العراق بل لطائفته ودينه لذا يكون غير مؤتمن وغير مؤهل لكسب الثقة من وجهة نظر المخالف له على مصالحه العامة والوطنية …فالعراقي في كل مكان من العراق يتقبل ويندمج ويتعامل مع العراقي الآخر بأي صفة كان فلاح معلم تاجر طبيب حلاق عامل مادام تجمعه هويته العراقية الجمعية لا الهوية الدينية الطائفية الفرعية التي يمثلها رجل الدين …
اضافة لذلك فالدين قضية مباديء مرتبطة بثوابت اخلاقية ومنهجية وعلاقة روحية بين العابد والمعبود ضمن مفاهيم وضوابط تفرض على رجل الدين ان يجسدها عمليا بكل تصرفاته ليقتدي به من يتبع منهجه … اما السياسة فهي قضيية ربحية مطلبية مرتبطة بالمصالح وعلاقة مادية طردية بين السياسي ومؤيديه وعكسية مع مناوئيه.. و الذي يمتهن السياسة يجب ان يكون أمينا على مصالح من يمثلهم لذا وجب ان يكون براغماتيا ان لم يكن انتهازيا لتحقيق مكاسب ومصالح انصاره وهذه الأشكالية تخرج رجل الدين عن ثوب التقوى والمثالية والتوازن وبالتالي تؤدي الى تشويه الدين الذي يمثله…. لذلك من الأولى برجال الدين اما ان ينزعوا العمامة لينخرطوا في معمعة السياسة واما أن ينسلوا من الساحة السياسية ليبقوا محرضين ومراقبين فهذا أحفظ لهيبة العمامة وما تمثله…