23 ديسمبر، 2024 12:20 ص

تأثير الانسحاب الأمريكي المذل من أفغانستان على أمنها الداخلي وهل ما يحدث في أفغانستان سيحدث في العراق؟

تأثير الانسحاب الأمريكي المذل من أفغانستان على أمنها الداخلي وهل ما يحدث في أفغانستان سيحدث في العراق؟

واهم من يعتقد إن التحالف مع المحتل أيا كان؛ والارتماء في أحضانه والعمالة له؛ يمكن إن يحقق ويوفر له الحماية سواء للنظام الدولة أو للحركات أو للأحزاب التي ليست لهم شرعية مستمدة من الشعب؛ لان الاحتلال والمحتل مهما طال لن يطول إلى ما لا نهاية، والذي يراقب الأوضاع في (أفغانستان) علية إن يدرك ويفهم هذه الحقيقية بكل أبعادها، فالنظام السياسي الذي تم تكوينه وتشكيله وفرضه على (أفغانستان) من قبل المحتل (الأمريكي) وحلف (ناتو) والذي استمر لعشرين عام؛ انهار وانتهى بشكل دراماتيكي بفشل وانسحاب وترك أسحلتهم الثقيلة على ارض (أفغانستان) وهروب رئيسها وسقوط الحكومة التي رعتها (الولايات المتحدة الأمريكية) والتي كانت تهيمن هيمنة مطلقة على كل مجريات الحياة في (أفغانستان)؛ ليكون انهيارها وعودة (الطالبان) إلى الحكم كما كانت قبل 2001 ليس باعتباره مجرد سقوط عادي لنظام سياسي ليحل بدل عنه نظام سياسي أخر؛ بل إن أمر ما حدث في (أفغانستان) يحمل في طياته جملة من الدلالات يجب كل الأنظمة في منطقتنا اخذ دروس وعبر منها .

 

أمريكا لم تأتي إلى منطقتنا من اجل بناء الديمقراطية

 

فـ(أمريكا) التي جاءت إلى منطقتنا لتغزي (أفغانستان) و(العراق) لم تأتي من اجل بناء الديمقراطية وتعزيز مفاهيم الحرية والتعددية وتجفيف منابع الإرهاب والتطرف من الشرق التأسيس نظم جديد مختلف وكبديل لنظم الشمولية والمتشدد التي تصدر الأفكار الظلامية، بل جاءت (الولايات المتحدة الأمريكية) لتدمير شعوب المنطقة ونهب خيراتهم، فبعد عشرين عام من احتلال (أفغانستان) و(العراق) كشف قناعها وزيف ادعائها بما قاله رئيسها (جو بايدن) بان ((…هدف الأمريكان في (العراق) و(أفغانستان) ليست بناء الديمقراطية بل القضاء على الإرهاب لإبقاء أمريكا بعيدا عنهم؛ وكذلك من اجل الحفاظ على أرواح جنود الأمريكان…. ))؛ فهذه الادعاءات التي اليوم تتشبث بها (أمريكا) ما هي لا أوهام خادعة بان مهمتها قد استكملت في (أفغانستان) والتي جاءت أساسا – كما تدعي (أمريكا) – اثر الهجمات الإرهابية التي حدث في التاسع من أيلول عام 2001 ؛ التي كانت السبب الأول المعلن وراء قرار الرئيس الأمريكي السابق (جورج بوش، الابن) باجتياح (أفغانستان) وإنهاء حكم (الطالبان) التي كانت تأوي زعيم تنظيم القاعدة الإرهابية (أسامة بن لادن) المنفذ الحقيقي لهجمات تنظيم القاعدة ضد مصالح (الأمريكية) في قلب مدنها (نيويورك) و(واشنطن)، فبعد عشرين عاما من التواجد في (أفغانستان)؛ تحت دعاوى مواجهة تنظيم القاعدة والتنظيمات الإرهابية الأخرى بعد هجمات التاسع من أيلول في (أمريكا)؛ تنسحب بإذلال مهين تترك ورائها معدات حربية لا تعد ولا تحصى وتلوذ هاربة من ساحة (أفغانستان)، وقد فعلتها (أمريكا) في (أفغانستان) فهل من إذلال أقسى من هذا الإذلال…..؟

ويقيننا بان هذا الأمر سيعاد سيناريو ذاته في (العراق) بعد إن قرروا (الأمريكان) الانسحاب منها في نهاية هذا العام .

 

لم تحصد أمريكا من غزوها لأفغانستان والعراق سوى خيبة وفشل

 

فبعد عشرين عام من الاحتلال والغزو وبما أنفقته خلال عقدين من الزمن من مليارات الدولارات وقتل الملاين من الأبرياء في (أفغانستان) و(العراق)؛ ولم يحصدوا سوى خيبة أمل وفشل ولم يثمر غزوهم في بناء دولة لا في (أفغانستان) ولا في (العراق)؛ لينهار كل شي في اقل من يومين في (أفغانستان) بسرعة مذهلة مستسلمة لإرادة حركة (طالبان) التي هي وحدها كحركة والتي تعتبر نفسها حرك وطنية (أفغانية) ستقرر شكل الحكم القادم وطبيعة النظام؛ وسيكون الأمر كذلك لا محال في (العراق)؛ لان ما بني على باطل فهو باطل، فلم يتمكنوا (الأمريكان) من بناء دولة لا في (أفغانستان) ولا في (العراق) ولا من تكوين مؤسسات أمنية وعسكرية قادرة ومتمكنة من مسك زمام الأمور في الدولة لا هنا ولا هناك؛ ليتم استبداد الأمن والأمان والسلام والاستقرار وتنعم شعوبها بخيرات الوطنية بضرب الفاسدين والمفسدين وتجفيف منابع الإرهاب والاستغلال؛ ولم ينشئوا اقتصاد حقيقي لا في (أفغانستان) ولا في (العراق)؛ وكل ما فعلوه هؤلاء (الأمريكان) المحتلين هو مجرد مجيء بحكومات موالية لـ(أمريكا) ادعيا بأنها منتخبة ولكن في الخفاء تم تزكيتها مسبقا وأعطيت الموافقة عليها من قبل الإدارة (الأمريكية)؛ بعد إن ضمنوا هؤلاء بأنهم سينفذون توجيهاتها.

 

أمريكا لم تتعظ من أخطائها في العراق عام 2011

 

والعجيب ما في الأمور بان (أمريكا) لم تتعظ من أخطائها في (العراق) حين أعلنت في عام 2011 الانسحاب من (العراق) لتخلق فراغا امنيا في مؤسسات الأمنية والعسكرية (العراقية) التي لم تتهيأ تهيئا جيدا؛ وهذا ما استغلته (إيران) في تأسسي فصائل موالية وعززتهم بالذخيرة والأسلحة لتقوض الأمن الداخلي باستغلال التوترات الطائفية بما تمكنت الدولة الإسلامية لتنظيم (داعش) السيطرة واحتلال مدن عراقية في (موصل) و(الانبار) و(صلاح الدين) و(ديالى) وبعض من قصبات في مدينة (كركوك)؛ ونظرا لصعود دور التنظيم (داعش) في المنطقة وتحديدا في (العراق) و(سوريا) إعادة (أمريكا) في عام 2014 ترتيباتها بإبقاء ألفين وخمسمائة عسكري في (العراق) وبنفس عدد في (أفغانستان)؛ لتعود (أمريكا) في عهد (بايدن) الانسحاب منهما، ليعاد سيناريو (العراق) عام 2011 في (أفغانستان) عام 2021 ؛ اثر قرار الانسحاب (الأمريكي) المذل؛ لينهار كل ما تم تأسيسه من قبل المحتل (الأمريكي) في (أفغانستان) لتسيطر حركة (الطالبان) على العاصمة (كابول) وتسقط نظام الموالي لـ(أمريكا) بعد سيطرة الحركة على كل أجزاء البلاد بشكل سريع ودراماتيكي؛ لتهزم (أمريكا) كما سبقت لها إن هزمت في (فيتنام)، ليكون اندحارها في (أفغانستان) اندحار مثقلا بمرارة الهزيمة كما جاء على لسان رئيسها (بايدن) المهزوم .

 

هل العراق مقبل إلى لحظة انهيار مفاجئة بعد الانسحاب الأمريكي……؟

 

ومع كل هذه الأخطاء (الأمريكية) في (أفغانستان) و(العراق) فان الظرف التي يمر بها (العراق) اليوم ليس أفضل حال من (أفغانستان) قبيل انهيار حكومتها وهروب رئيسها؛ اثر الانسحاب المذل لـ(أمريكا) منها؛ لذلك فان التجربة (الأفغانية) بكل تداعياتها ربما سيحدث في (العراق) بعد الانسحاب الأمريكي نهاية العام – إذ لم يؤجل – لان الميليشيات الموالية لـ(إيران) وخلايا (داعش) النائمة لا محال سيحاولون استثمار الانسحاب (الأمريكي) لتحقيق مارهم سواء من جانب (إيران) لفرض هيمنها على الدولة (العراقية) عبر ميليشيا موالية لها أو من قبل الفصائل الإرهابية لـ(داعش) ما لم تستثمر هذه الأوضاع الشاذة التي يمر بها (العراق) من قبل تيارات وحركات (عراقية) وطنية تقلب طاولة على رؤوس الفاسدين والمحتل (الأمريكي) للإطاحة بكل ما جلبته (أمريكا) من ديمقراطية زائفة الذي هو من أنعش الفساد والمال السياسي في كل أركان ومؤسسات الدولة والذي بدوره ساهم في انهيار الخدمات العامة من الكهرباء.. والماء.. والصحة.. والتعليم.. والزراعة.. وانهيار الاقتصاد.. وتدهور العملة الوطنية.. والى أخره من انهيارات في كل مؤسسات الدولة المدنية والأمنية والعسكرية .

إننا في (العراق) مقبلون في ظل ظروف (العراق) الحالية إلى لحظة انهيار المفاجئ في حالة إدراك الفصائل المسلحة المنفلتة والموالية لدول إقليمية وما أكثرها؛ بان قوات التحالف تم انسحابها من (العراق) وان ليس هناك من قوة تردع طموحاتهم في استيلاء على السلطة ومنابع الثروة في (العراق) نتيجة ما تشهده الساحة (العراقية) من فوضى في امتلاك السلاح الخفيف والثقيل وتغولهم نتيجة لعدم معالجة – لا من قبل (الأمريكان) ولا من قبل الحكومات المتعاقبة على إدارة السلطة – أسباب انفلات الميليشيات السائبة والخارجة عن القانون والتي تعبث عبر المال السياسي في شراء الذمم والانفلات من المحاسب القانونية لتعبث وتفعل ما تشاء هذه لميلشيات مع الأحزاب ذات الأجنحة المسلحة والعصابات الإجرامية المنفلتة وفصائل الإرهاب في طول البلاد وعرضها مع تراجع قوة الأجهزة الأمنية نتيجة عدم بناء قدراتها القتالية وتسليحها تسليحا حديثا؛ بل عمدت قصدا كل الحكومات إلى تحجيم دور القوات المسلحة الأمنية والعسكرية وذلك بتأسيس وبتكوين حشود موازية لها وتأخذ دورها؛ ولهذا فان وجود هذه القوى المتشيطنة على ارض (العراق) التي تسرح وتمرح في طول وعرض البلاد دون محاسب؛ لا محال يشكل وجودها بيئة مواتية لانهيار سريع لنظام الدولة كما حدث في (أفغانستان) .

ومما يسارع أكثر الانهيار السريع للنظام في (العراق) الذي رسمته (أمريكا) للعراق ما بعد 2003 هو إن المجتمع (العراقي) يعاني بصورة عامة من انتهاك واسعة النطاق لحقوق الإنسان والمواطنة؛ لذلك نجد بان (العراق) في ظل السياسة الأمريكية التي تنفذ من قبل حكومات المتعاقبة التي توالت على إدارة الدولة تعتبر (العراق) من أسوء دول التي تطبق (الديمقراطية الأمريكية) وتنتهك فيها حقوق الإنسان، حيث يسود في (العراق) وعلى نطاق واسع التميز الطائفي والعرقي والديني واغتيالات والتهجير القسري بحق مكونات أصيلة وخطف وتكمم الأفواه والاعتقالات العشوائية التي تأتي على خلفية طائفة ودينية وقومية مقيتة، وان النظام في (العراق) عبر كل حكوماته دون استثناء لم يستطع توفير حياة كريمة وامن واستقرار للشعب (العراقي)؛ في وقت الذي بات يدرك المواطن البسيط الذي يكدح ليل نهار باحثا عن فرصة عمل لسد رمق عيشه العسير نتيجة غلاء وارتفاع الأسعار وتذبذب حالة العملة الوطنية والبطالة وتدهور الاقتصاد (العراقي)؛ في وقت الذي تجاوزت صادرات النفط (العراقي) عن ستة ملاين برميل يوميا في ظل أسعار النفط لم تقل طوال الفترة الماضية عن خمسين دولار للبرميل الواحد لنستشف حجم الفساد المستشري في إدارة الدولة (العراقية) وكيف إن الحكومات تبدد الثروة الوطنية على بناء ميلشيات وحشود مسلحة محمية وأحزاب بفصائل مسلحة تقاسم الكعكة مع الحكومة لتكون الحكومات أداة لإذلال الشعب (العراقي) بتسليط هذه الفصائل المنفلتة لمعاقبة الشعب (العراقي) ومحاسبة كل فرد بطريقتها الخاصة، ومع كل ما يحدث للشعب (العراقي) وما يرتكب بحقه من جرائم فظيعة – يندى له الجبين – من قتل وخطف واغتيالات وسجن دون محاكمة وإعدامات ميدانية وتهجير قسري ومعاقبة المتظاهرين الذي يطالبون بمطالب مشروعة كما حدث للمحتجين من (ثوار تشرين) حيث قتل أكثر من ثمانمائة شهيد وإصابة أكثر من عشرين ألاف ومن بينه بحدود ثلاثة ألاف شخص أصيبوا بإعاقات دائمة وخطف وتهديد المئات؛ كل ذلك حدث ويحدث إمام أنظار العالم والحكومة (العراقية) بصورة عامة وأنظار (أمريكا) التي تدير ملف (العراق) منذ 2003 والى يومنا هذا، فهل هذه هي الديمقراطية التي جاءت (أمريكا) بقوتها لتحتل (العراق) وتطبيقها في (العراق) …………؟

أين هي الديمقراطية (الأمريكية) التي لم نجد أو نلمس أي تدخل منها باعتبارها هي من تدير ملفات الأمنية في (العراق) وبإشراف قواتها التي تمركزت في أكثر من موقع داخل مدن (العراق)……….؟

وأين هي المنظمات الأممية والمجتمع الدولي والتي اغلبها تباشر عملها تحت الرعاية (الأمريكية)، لماذا لم تتدخل ولم تندد بهذه الانتهاك التي تمارسها الحكومات (العراقية) بحق الشعب (العراقي) ………..؟

أين هي الأمم المتحدة التي مبعوثة الأمين العام للأمم المتحدة (بلاسخارت) في (العراق) لا تفعل شيء بقدر ما تمارس (تملقها) المتشيطن مع كل الجهات والتي يثار حولها شكوك بكونها هي الأخرى تم شراء ذمتها بالمال السياسي مقابل سماح لها بتصريح وتنديد شكلي كتغطية إعلامية لا يقدم أو يؤخر من شيء ليتم إرضاء جميع الإطراف…………!

……………….؟

إما كانت باستطاعة قوات (الأمريكية) المنتشرة في (العراق) منذ 2003 والى يومنا هذا من ردع الحكومات (العراقية) وميليشياتها المسلحة على هذه الانتهاكات الخطيرة……………؟

…………….؟

نعم إن الشعب (العراقي) طول هذه الحقبة وقع تحت حكم حكومات لم يكن نظامهم إلا نظام استبدادي وقمعيا بامتياز؛ جميعها دون استثناء انتهكت المواثيق الدولية وحقوق الإنسان وحق المواطنة؛ وجميعها حكمت (العراق) بقوة السلاح والجريمة المنظمة واغتيالات وخطف وابتزاز منتهكة كل القيم الإنسانية، بل إن هذه الحكومات المتعاقبة على أدار الدولة وضعت قوانين صارمة بيد قوات الأمن والمليشيات لترتكب بشكل يومي انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان من إصدار عقوبات بالإعدامات ومحاكمات غير عادلة؛ وخطف وقتل وتعذيب واعتقالات عشوائية وتعسفية بنفس طائفي وإعدامات بإجراءات موجزة، واختطافات يليها احتجاز في السر واختفاء قسري وتعذيب واغتصاب واعتقالات تعسفية ومحاكمات غير عادلة أمام المحاكم التي تصدر أحكاما قاسية بالسجن وعقوبات بالإعدام، ونظرا لعدم توجيه تحذير إلى الحكومات (العراقية) من قبل القوات (الأمريكية) والمنظمات الدولية التي تعلم علم اليقين بكل ما يحدث في (العراق) من شاردة وواردة، وبما يلزمها حماية المواطن (العراقي) المغلوب على أمره؛ وهذا عدم المبالاة من قبل (أمريكا) و (الأمم المتحدة) اعتبرته الحكومات (العراقية) ذريعة لتفعل ما تشاء وتعبث كما تشاء لتعطي الضوء الأخضر للأجهزة الحكومية والمليشيات الحق في التجاوز على حقوق المواطن (العراقي)، ولهذا فان الشعب (العراقي) تذمر تذمرا شاملا من الوضع القائم في (العراق)؛ لذلك فان أي اختلال في توازن قوى هذه الحكومات التي كانت تكسب شرعيتها وقوتها من المحتل (الأمريكي) بصورة مباشرة وغير مباشرة؛ وحين يجد الشعب بان هذا الدعم عنها زال في ظل ظروف (العراق) الحالية لا محال وكما قلناها سابقا سيدخل النظام في (العراق) إلى لحظة انهيار المفاجئ كما حدث في (أفغانستان) .

 

الحركات الوطنية العراقية ما لم تعي خطورة الأوضاع ما بعد الانسحاب الأمريكي سيهدى العراق لإيران على طبق من ذهب

 

وهنا ولخطورة أوضاع (العراق) الحالية؛ وحالة عدم الاستقرار الأمني وضعف الأجهزة الأمنية نتيجة تعدد القرارات الإدارية والانتماءات و والولاءات وخضوعها لجهات حزبية ومليشياتية موالية لدول الإقليم؛ فان منظورنا لصراعات الداخلية يتجه بان (العراق) بخروج قوات (الأمريكية) سيكون بمثابة إهداء الساحة (العراقية) على طبق من الذهب لميلشيات الموالية لـ(إيران) كما كان لاحتلال (العراق) في 2003 وإسقاط النظام فيه هدية منح على طبق من ذهب للنظام (الإيراني) الذي دخل إلى الأراضي (العراقية) وتدخل في شؤونه الداخلية بشكل مباشر وغير مباشر بل أصبح هو من يأمر ويدير الكثير من الملفات الأمنية والاقتصادية في (العراق) عبر ميلشيات وأحزاب شيعية موالية التي هي من تحكم (العراق)؛ والنظام (الإيراني) الذي كان يحلم لمجرد إن تطآ قدميه على الأرض (العراق) الطاهرة والذي ظل طوال ثمانية سنوات من الحرب القادسية 1980 – 1988 ؛ يحلم بغزو (العراق) ولكنه فشل ولم يتمكن إن تطآ قدميها ارض (العراق) ليذق كاس السم كما قالها زعيمهم آنذاك (الخميني)، ولا محال فان انسحاب (أميركا) في نهاية هذا العام ستخلو الساحة العراقية مجددا لهم؛ وسيفرضون وجودهم بكل ما أتى لهم من وسيلة وقوة وسيحاولون عبر ميلشيات وأحزاب شيعية موالية لهم الهيمنة على مؤسسات الدولة بشتى طرق ووسائل؛ ما لم تعي القوى (العراقية) الوطنية والحركات التقدمية الوطنية مخارج الأزمة وتدخلها في الوقت المناسب لإدارة الأزمة ومالأتها وفق مقاربات تحليلية لكل المواقف وبدراسة متعمقة على طبيعة الصراعات الدولية المؤثرة على الساحة (العراقية)، لان تغيير النظام ومجيء نظام وطني جديد حالة صحية طالما يكون الولاء للشعب لبناء الدولة وليس لتقوية الحاكم؛ رغم إن التغيير في هذه المرحلة من بعد خروج المحتل (الأمريكي) يعتبر مرحلة بالغة الحساسية والخطورة في بيئة (العراق) الحالية موبوءة جيوسياسية نتيجة تعدد مصالح الأقطاب المتصارعة لمسك السلطة، لان في هذه المرحلة يتطلب من القوى الوطنية الغيورة على مصالح الشعب واستقرار (العراق) تنقية الشروط الموضوعية بمعطيات واقعية لخلق بيئة مجتمعية (عراقية) خالصة لها قوة مؤثرة وقادرة بفعاليتها على تفكيك النظام المبني على المحاصصة والطائفية إلى بنية جديدة تنسجم مع طبيعة المرحلة التحريرية داخليا وخارجيا لانتقال إلى سلطة (عراقية) وطنية حقيقية يقودها الشعب بعيدا عن (النظام البرلماني) المعتمد على (الديمقراطية الأمريكية) في تعدد الأحزاب وتقاسم السلطة وفق المحاصصة والطائفية؛ بكون كل النظم التي عملت بهذا النظام فشلت فشلا ذريعا كما هو الحال في (العراق) في ظل الاحتلال الأمريكي وكما هو الحال في (لبنان)، ليتم رسم السيادة الوطنية بـ(نظام رئاسي) وبقرارات مجلس رئاسي ثوري النزعة ووطني الإرادة قادر على الدفاع عن سيادة الوطن واستقلال قراره الوطني الحر ووقوف بوجه التحديات الخطيرة بعد إن يتم بناء قوات مسلحة وطنية تحارب الإرهاب والتطرف الإسلامي السياسي وضبط السلاح بيد الدولة ومنع تشكل فصائل مسلحة وتأميم الثروات الوطنية من النفط والغاز والشروع ببناء الصناعة الوطنية واهتمام بالثروة الحيوانية والزراعية والمساواة بين إفراد المجتمع دون تميز ونبذ المحاصصة والطائفية .

 

أمريكا لم تنشر في أفغانستان والعراق سوى فساد إداري ومالي

 

لان يقيننا بان أمريكا وبعد عشرين عام من الاحتلال (الأمريكي) بكل صفحاته المأساوية تركت (أفغانستان) غارقة في بحر من الفساد الإداري والمالي وانتشار السلاح بين فصائل منفلتة هنا وهناك في عموم (أفغانستان)، فان هذا السيناريو هو ذاته في (العراق) فان غادرت (أمريكا) من (العراق) في نهاية هذا العام؛ لن تغادر إلا وقد تركت (العراق) غارق في الفساد المالي والإداري وانتشار السلاح المنفلت والميلشيات المسلحة وعدم تجفيف منابع الإرهاب المتمثل بدولة (داعش) وأذيالها التي اغلب خلاياها نائمة تنفذ جرائمها في مدن (العراق) بين حين وأخر؛ ليبدأ مجددا الصراع مع قوى الإرهاب والتنظيمات الإرهابية، فبعد إخفاق الإدارة (الأمريكية) وفشلها تنسحب من (أفغانستان) وكما تنوى الانسحاب من (العراق) بعد إخفاقها؛ لتترك الحكومة (الأفغانية) السابقة قبل سقوطها غارقة في الفساد كما هي حكومة (العراق) غارقة بالفساد إداري ومالي لا مثيل له في المنطقة؛ وان أجهزتها الأمنية والدفاعية لا تمتلك مقومات الدفاع عن الشعب لا في (أفغانستان) ولا في (العراق)؛ ليترك الشعب (الأفغاني) لقمة سائغة غير قادر على حماية نفسه من الفصائل الإرهابية كما سيترك (العراق) لقمة سائغة لميلشيات مسلحة موالية لـ(إيران) وللإرهاب (الداعشي) الذي تغذية (إيران) بهذا الشكل وذلك لتمرير أفعالها الشريرة في (العراق) ليهدى لها (العراق) على طبق من ذهب ليعود مجدد الشعب (الأفغاني) و(العراقي) يدفع فاتورة الحرب (الأمريكية) الطائشة من خلال إعادة صناعة الإرهاب بترك الساحة بعد إن أخفقوا (الأمريكان) خلال عشرين عام من تجفيف منابع الإرهاب في (أفغانستان) و(العراق)؛ ليعود كما عادة (داعش) و(الطالبان) إلى (أفغانستان) أكثر شراسة من قبل عام 2001 ؛ حينما كانت تحكم البلاد بقبضة من الحديد والتي كانت تأوي كل المتطرفين فيها من تنظيم القاعدة والتنظيمات الإرهابية والتكفيرية الأخرى، وها اليوم تعود (الطلبان) كما كانت؛ لتعود كل الفصائل والمنظمات الإرهابية هناك، وهناك – لا محال – سيتجدد الصراع بين هذه المنظمات المتطرفة ليكون الشعب (الأفغاني) ضحية هذه الأوضاع الشاذة التي خلقتها أمريكا في (أفغانستان)؛ إن لم نقل اشد قسوة وشراسة من قبل، ليدفع الشعب (الأفغاني) المغلوب على أمره ثمن فساد وهروب الحكومة (الأفغانية) المهزومة – كما قلناها سابقا – والتي سلمت الأمور بيد (طالبان) دون أية مقاومة تذكر؛ وهو مشهد الذي سيتكرر رؤيته في (العراق) لان كل المعطيات الميدانية تؤكد بان بانسحاب (أمريكا) سيكون (الانهيار السريع) كما حدث في (العراق) صيف 2014 عندما هربت قطعات الجيش التي كانت (الولايات المتحدة الأمريكية) قد دربتها وصرفت على تسليحها المليارات وعند المواجهة الحقيقية مع (داعش) هرب الجنود المدججون بأحدث الآليات والأسلحة والطيران والمدربون تدريبا (أمريكيا) صرفا؛ لتسقط مدن الشمال الغربي من (العراق) الواحدة تلو الأخرى بيد التنظيم الإرهابي (داعش)، وهو سيناريو ذاته الذي حدث في (أفغانستان) حيث انهيار الجيش وسقوط مدينة تلو أخرى بيد (طالبان) وجنود الأفغان المسلحين تسليحا (أمريكيا) يهربون من المواجهة .

وكل مؤشرات في (العراق) توحي بإعادة هذا السيناريو في (العراق) وستهرب الطبقة السياسية والميلشيات الموالية التي حكمت منذ 2003 كما حصل مع الرئيس (الأفغاني) وحكومته، لان الفساد الذي كانت حكومة (أفغانستان) غارقة فيه هو ذاته الذي تغرق به الحكومة (العراقية) لان المجتمع كما كان في (أفغانستان) مثقل بالاضطهاد واللامساواة وهو الحال المجتمع (العراقي) المثقل بالتعسف والإذلال والقهر نتيجة ظروف الاحتلال التي رسمت خارطة طريق مشوهة بفرض نظام سياسي يستند إلى قوى فاسدة عبثية عبثت بمستقبل البلاد امنيا وسياسيا واقتصاديا واجتماعيا لتكون مساوئهم حاضرة بتداعياتها السلبية لنشر الغوغاء و حضورها في مقومات السلطة التي تبنتها؛ بكونها ليس لها اطر موضوعية وبعيدة عن الديمقراطية؛ بقدر ما تسود المحاصصة كل مخرجاتها كما رسمها المحتل (الأمريكي)؛ لان مصالحه تلتقي في مثل هذا التكوين الشاذ لتحقيق مأربهم في استغلال الثروات الوطنية وتدمير قدرات الشعوب باستشراء الفساد دون المحاسبة والذي يغذي الإرهاب ويعشش ويبني أوكاره في مفاصل الدولة؛ لتكون على دوام بؤر جاهزة لإنتاج الإرهاب وتدمير المجتمع .

والمحتل (الأمريكي) يدرك جيدا ما فعله ويفعله في (أفغانستان) و(العراق) من زرع الميلشيات وتركها لتسلح ذاتها وتكوين فصائل مسلحة بشتى أصناف ومسميات لتكون على الدوام جاهزة ولتكون أيضا بؤر توتر وخلق أزمات وتهديد النظام لإسقاط الدولة متى ما أرادوها لخلق فراغ امني يمكن لهم في أية لحظة إعادة ترتيب أوراقهم وفق توازنات ومصالح من خلال جلب العملاء والمعارضين لفرض أنظمة موالية بمقاييسهم وإخضاعهم لاملاءات خاصة ووفق أفكار فوضوية غير متجانسة مع بيئة هذه الدول لا اجتماعيا ولا سياسيا ولا تاريخيا، لذلك نجد بان المحتل (الأمريكي) ل(أفغانستان) و(العراق) وطول عشرين السنة الماضية من حكم الاحتلال المباشر والغير المباشر لم يتمكنوا من بقاء بكامل قواهم فيهما ولم يستطيعوا من إقامة دولة بالمعنى الحقيقي ذو سيادة واستقلال؛ ولم يتمكنوا من بناء اقتصادياتهما بقدر ما فرضوا لهم نظام حكم و رؤساء ينفذون أجندتهم وتوجيهاتهم فحسب .

 

الانسحاب المذل لأمريكا من المنطقة سيكون لها تداعيات خطيرة على أوضاعها الداخلية والدولية

 

فالانسحاب المذل لأمريكا من (أفغانستان) والخسائر الفادحة التي قدمتها في حروبهم الطائشة في (أفغانستان) و(العراق) مع سقوط ألفين وخمسمائة جندي أميركي على ارض (أفغانستان) فحسب ومثيلهم سقطوا على ارض (العراقية) وإنفاقها تريليونات الدولارات في هذه الحروب العبثية وترك معداتهم الحربية من عربات ومصفحات ومروحيات وطائرات فيلوذوا جنود (الأمريكان) بانسحاب مهين هاربين من (الأفغان)، فالهزيمة (الأمريكية) في (أفغانستان) وتداعياتها وما ستليها من عواقب لا محال ستضعف (الولايات المتحدة الأمريكية) ليس على الساحة الدولية فحسب بل على الساحة المحلية التي أساسا تعاني من مشاكل ورغبة الكثير من الولايات الانفصال عن (الاتحاد الأمريكي) بعد إن تنامي الحس الشعوبي وارتفاع نبرة التميز والعنصرية والشعوبية في مؤسسات (الولايات المتحدة الأمريكية) والتي تتفاقم يوما بعد أخر؛ هو الأمر الذي يجعل من (الاتحاد) بين الولايات أمر صعبا إن لم نقل مستحيلا؛ بعد تزايد حدة الاستقطاب السياسي والفكري في (الولايات المتحدة الأمريكية) خلال السنوات الأخيرة؛ ولعلا ذلك يأتي كواحد من الأسباب – الغير المعلن – لقرار (أمريكا) الانسحاب من (أفغانستان) والعراق)؛ ومن هنا نجد تنامي حدة التجاذبات والصراعات الفكرية غير مسبوقة في عديد من (الولايات الأمريكية) وخاصة بعد السلبيات وما تركته جائحة (كورونا) من تداعيات مس صميم هذا الاتحاد القائم بين الولايات التي لا ترتبط بينها روابط متينة تدعم وحدتها؛ إضافة إلى تراجع اقتصادها وعدم إمكانيته من منافسة اقتصاديات (الصين)، وهذا ما أدى إلى تراجع النمو الاقتصادي في (أمريكا) ما اثر سلبا على الأيدي العاملة ليتصاعد معدل البطالة والكساد الاقتصادي في الداخل (الأمريكي) وهبوط سعر صرف العملة؛ وهذا ما شجع بعض الولايات التي ينشط فيها النمو الاقتصادي مثل ولاية (كاليفورنيا) – على سبيل المثال وليس الحصر – إلى مطالبتها الانفصال لاستثمار نموها لرفاهية مواطني الولاية؛ بدلا من إن يذهب حصة إنتاجها وجهودها الإنمائية إلى الميزانية الفيدرالية؛ فلا تستفد الولاية من نموها الاقتصادي، ولهذا فان تراجع (الولايات المتحدة الأمريكية) خلال الحقبة القادمة واقع حال سيشهده عالمنا وسيكون استقلال ولاياتها أمرا واقعيا سترضخ (أمريكا) له كما حدث في (الاتحاد السوفيتي) السابق حين انهار عام 1990؛ رغم ما كان يمتلك من قوة وسلاح، ولهذا فان نظام القطب الواحد الذي تهيمن عليه (أمريكا) اليوم؛ لم يعد يجدي رغم ما تملكه من القوة التي هي الأكبر في العالم؛ ولكن (القوة) بحد ذاتها لا تستطيع إن تتحكم وتهيمن على العالم اجمع كما تفعل اليوم بمفردها؛ لان هناك قوى تنافسها منافسة حقيقية مثل (الصين) و(روسيا)؛ فـ(أمريكا) اليوم بعد كل الانتكاسات التي تصيبها وكما حدث لها في (أفغانستان) و(العراق)؛ مقبلة لا محال إلى التفكيك والزوال؛ وإن أول الغيظ قطرة .