قديما كان هناك سقراط ، يؤسس لمنطق الأخلاق في فلسفة تجمع ما بين الروح والتخيل ، وكان يقول لتلاميذه : الحاكم إن كان لصا تلاشى ، وأن كان عنيفا أجرم . وفي غير أمكنة سقراط وفلاسفته كان الأنبياء في الشرق يؤثثون العالم برسالاتهم الإيمانية وكانت في سعتها إنها تدعوا الى الابتعاد عن الملك والتقرب الى الله ، ولمكان للموبقات في الدين ومن موبقات الحياة : أن تكون لصا أو سفاحا تقتل الآخرين بدون ذنب.
وعليه أسُست نظم العدالة لتشرع منطق العدل في مواجهة هكذا أفعال شائنة ، وفي نصوص مسلة الملك الاموري ــ البابلي ( حمورابي ) تشريع يردع اللص والقاتل ، ثم أتت الشرائع الأخرى وانتهجت ذات المنحى ، ومنها الإسلام والمسيحية وكل النظم السماوية والوضعية لأن مايكافيلي يقول : الأسس المجتمعية تقوم على الحزم في مواجهة الشواذ .
في العصر الحديث بقينا نعيش ذات التراث في تعاملنا مع تلك الشواذ فكانت لنا الدساتير الحديثة والأنظمة القضائية ومعها أتت سلطات الملوك والرؤساء في استثناءات أنهم يقررون مع القضاء ما يمنحهم الصلاحية ليعفوا أو يسجنوا أو يعدموا وتلك هي من بعض إشكالية النظام العالمي الجديد الذي توارث في عقيدته القيم القادمة من المشاعر الإلهية التي يعتقد الملوك أنها مجسدة فيهم ، لكن الثورات وأهمها تلك التي شهدها القرن العشرين ونجاح النظام الاشتراكي قد اوجد مقاومة لتلك الأفكار والشرائع ومع هذا حتى الثورات وهاجسها اليساري والعادل شذت في تطبيقات أفكارها وبقيت فكرة القتل والنهب حتى ولو بشكلها الارستقراطي تمثل مشهدا يراه الجميع حتى لو كان من خلف الكواليس.ويبدو ان الذات المتعالية في صاحب الشأن لاترضى أن تغادره حتى لو كان هو آت الى منصبه بتواقيع الفقراء وصناديق الاقتراع ، وتلك المعضلة هي من بعض إشكاليات التفكير البشري إذا ترى البعض يبشرون بالأحلام والخبز والعدالة وعندما يكون التاج ( المنصب ) فوق رؤوسهم يتحولون الى طغاة ولصوص ، ومرات يدعمون القتلة في سبيل فوضى خلاقة وخلط أوراق يعتقدون أنها ستبقيهم في مناصبهم.
العولمة والربيع العربي صنعا بفضل ما توارثناه من تلك الحقب التي أعقبت الحرب الباردة وحرب الخليج بمراحلها الثلاث ، صنعا مفهوما حضاريا جديدا تصدر فيه اللصوص والإرهابيين التكفيريين واجهة الحدث في ظل فوضى التظاهر والغيض والاستنكار والفرق الدينية المتطرفة.
تلك الإشكالية أثثت لمنطق جديد مقزز وحقير أن ترى الرمز ( اللص ) ينهب ويسرق ويتعامل مع المخابرات الغريبة ، ويفكك مكائن مؤسساتك ويبيعها خردة ويقضي لياليه الملاح في فنادق مضيق البوسفور وبيروت ويبيع النفط المهرب ويأخذ عمولات المشاريع السكنية وصفقات الزيت وما شابه ذلك وأنت تتضور حزنا وجوعا تنظر رحمة فلان وعلان و( ط ) ليصوت لك على الموازنة ويرفع يده وكأنه يعطيك صدقة أو منة منه أو من الذين ( خ ) .والموازنة هي أصلا مالا الشعب بعموم شرائحه وليس من أوقاف أي حزب أو كتلة وأقرتها الحكومة من أشهر وأرسلتها إليهم ، فنكون نحن تحت تأثير من يريد أن يؤثث النزاع الشخصي والطائفي في البيت العراقي ، فتشمئز الناس من صورة النائب ولا تريد أن تراه ثانية ، وهذه الفوضى هي من تؤثث أيضا لهاجس الإرهاب في مجتمعنا عندما تخلق المنطقة الرخوة لينفذ منها الإرهابيون مع كامل عدتهم المؤمنة والمسالمة والرحيمة ( الحزام الناسف ، الانتحاري البشع ، السيارة الملغومة ، المسدس الكاتم ، الميلشياوي الملثم رباعي الدفع ) وغير هذا هناك هواجس أخرى تقود المجتمع ليموع في ظل الاحتجاج والتسيب والهاوية الاجتماعية جراء ما يتركه اللص والإرهابي في البنية المجتمعية ومنها الترمل والانحلال والتعصب الطائفي والديني وبهذا نحن نفقد الحياة بشكلها الوطني الذي كان المعلمون يرسموه لنا بمثابة شكلا للجنة على السبورات وفي القراءة الخلدونية.
تأثيث العالم باللصوص والإرهابيين مشكلة وطنية وحضارية معقدة وصعبة وعولمية .
حلولها تأتي في الأيمان بأن الشريف من يؤمن بتلك المقولة الرائعة : إني لأعجب لرجل ليس في بيته خبز ولا يخرج شاهرا سيفه…….!