(الكلمة الكاملة لوزير الاتصالات السابق محمد توفيق علاوي ولكن لم يتم إلقاء غير الجزء الأخير وبالذات منهج السيد السيستاني وموقفه من الحكومة المدنية في مؤتمر – نحو ديمقراطية توافقية في العالم العربي – بتاريخ ١٥ – ١٦ حزيران ٢٠١٥ في بيروت بإشراف مركز القدس للدراسات السياسية والمنظمة التونسية منتدى الجاحظ)
من مراجعة ما مر به عالمنا العربي من توجهات سياسية مختلفة ومناهج فكرية متباينة ونزاعات دينية وطائفية وأوضاع سياسية مضطربة منذ نهاية القرن التاسع عشر حتى يومنا هذا يقودنا إلى التوصل إلى الحل الأمثل لواقعنا وذلك بقيام دولة مدنية تتمتع بالمواصفات التالية:
في الجانب السياسي: نظام ديمقراطي فيه إنتخابات حرة ومجلس للنواب يتمتع بالسلطات التشريعية العليا في البلد، وتستمد السلطة التنفيذية سلطاتها من الشعب سواء بطريقة مباشرة او غير مباشرة.
في الجانب الإقتصادي: نظام إقتصادي يتمتع بدرجة عالية من الحرية مع منع الإحتكار (خلاف الرأسمالية) وإعطاء فرص متساوية للمستثمرين مع توفير الضمان الإجتماعي والضمان الصحي وفرض التعليم المجاني.
في الجانب الإجتماعي: يتمتع افراد المجتمع بالمساوات وحرية الرأي وحرية التعبير وحرية الإعتقاد وكافة مفردات حقوق الإنسان وكافة مفردات الحرية الشخصية ولكن ضمن منظومة قيم خلقية تخضع للقيم والمعتقدات الدينية والعرف الإجتماعي والتأريخي من العلاقات العائلية والقبلية بما لا يتعارض مع المساوات بين كافة افراد المجتمع او التمييز فيما بينهم.
إن تحقق مفردات هذه الدولة هي حلم أغلب شعوب المنطقة ماخلا فئة تمثل الأقلية من السياسيين والمؤدلجين الذين تتجاذبهم تيارات فكرية متباينة والتي كانت ولا زالت حائلاً دون الوصول إلى تحقيق ما تصبو إليه هذه المجتمعات من نظام دولة مدنية تحقق طموحات اغلب مواطني بلداننا العربية.
أما التيارات التي تتجاذب السياسيين والمؤدلجين في عالمنا العربي منذ قرن من الزمان حتى يومنا هذا فهي اربعة تيارات اساسية خلال القرن السابق حتى يومنا هذا:
١ – التيارات القومية
٢ – التيارات اليسارية
٣ – التيارات الليبرالية
٤ – التيارات الإسلامية
فضلاً عن هذه التيارات الأربعة فهناك للأسف تيار عام مشترك بدأ يستفحل منذ الثمانينات من القرن الماضي وهو تيار الفساد وهو الإستئثار بموارد الدولة لأشخاص معدودين من الطبقة الحاكمة وطبقة من المستفيدين حولهم على حساب المصلحة العامة للمواطنين.
التيارات القومية: القومية عبارة عن رابطة لغوية وتاريخية وجغرافية، ولا تمتلك القومية فكراً أو منهجاً سياسياً أو نظاماً إقتصادياً، برزت المشاعر القومية في فترة خمسينات القرن الماضي بعد تحرر مجموعة من الدول العربية من الهيمنة الإستعمارية وقيام ثورات ضد الأنظمة الملكية، وقد تأججت هذه المشاعر خلال فترة العدوان الثلاثي على مصر، في عهد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، وقد برزت بشكل موازي أفكار حزب البعث العربي الإشتراكي ووصلوا إلى السلطة في دولتين عربيتين هما سوريا والعراق، وقد تبنى حزب البعث النظام الإشتراكي كنظام إقتصادي.
لقد فشل التيار القومي فشلاً ذريعاً في إنشاء دولة مدنية وبالذات بعد التدهور الإقتصادي في مصر بسبب سياسة التأميم، ومن ثم الفشل العسكري وإستنزاف موارد الدولة في الدفاع عن نظام عبد الله السلال في اليمن، وإنتهاءً بنكسة خمسة حزيران عام ١٩٦٧. أما نظام حزب البعث فأنتهى إلى قيام أنظمة دكتاتورية في كل من العراق وسوريا، وكانت الإنجازات هي نقيض الشعارات المرفوعة، فشعار الوحدة قابله العداء المستحكم بين سوريا والعراق الدولتين الوحيدتين اللتين تتبنيان منهج حزب البعث، فضلاً عن إحتلال دولة عربية وهي الكويت من قبل العراق تحت ضل حكم حزب البعث.
التيارات اليسارية: برزت التيارات اليسارية وبالذات فكر الحزب الشيوعي في ثلاثينات القرن الماضي، للفكر الشيوعي نظام متكامل على المستوى العقائدي والإقتصادي والإجتماعي والسياسي، نجح هذا الفكر في إستقطاب تعاطف جماهيري لكونه يمثل المعسكر الشرقي عدو المعسكر الغربي الذي كانت تعاديه دول المنطقة بسبب السياسات الإستعمارية، لم تكن له تجربة على ارض الواقع غير اليمن الجنوبي، هذا الفكر غير ملائم لدول المنطقة التي تعتنق الإسلام بسبب الفكر الإلحادي للشيوعية، فضلاً عن تناقض هذا الفكر مع الفطرة البشرية، وقد إندحرت هذه التجربة بعد فشلها في الإتحاد السوفيتي ودول أوربا الشرقية والصين. ولكن تم تبني الأفكار الإشتراكية والتأميم في بعض الدول ولفترات محددة، ولكن آيضاً فشلت هذه السياسة.
التيارات الليبرالية: لا توجد دولة عربية تطبق الفلسفة الليبرالية في الجانب الفكري والسياسي والإجتماعي كما هو موجود في الغرب، ولكن إذا كانت هنالك دولة قريبة من تبني الفلسفة الليبرالية فهي لبنان، قد نستطيع إطلاق مفهوم الليبرالية على مجموعة من الدول العربية وبالذات في الجانب الإقتصادي ولكن مع وجود محددين، محدد على مستوى الحكم ومحدد إجتماعي.
أما على المستوى الإجتماعي فهناك مجموعة من القيم الإجتماعية أغلبها ذات أبعاد دينية وتقاليد إجتماعية وعشائرية؛ المحدد الآخر على مستوى نظام الحكم ما يصطلح عليه في الغرب (Autocrat) لا توجد له كلمة مرادفة باللغة العربية، وأقرب كلمة هي الإستبداد. ولكن لا يمكن إطلاق هذا التعبير (الإستبداد) إلا على أنظمة من مثال نظام بورقيبة او زين العابدين في تونس او علي عبد الله صالح اوحتى حسني مبارك، ولكن لا يمكن إطلاقه على نظام الحكم اليوم في المغرب العربي او الكويت او دولة الإمارات العربية المتحدة أو عمان أو الأردن بل يمكن تعريفه (بنظام يتمتع فيه الحاكم غير المنتخب بسلطات كبيرة) هذه الأنظمة هي أقربها للدولة المدنية المثلى لعالمنا العربي.
التيار الإسلامي: هناك اربعة تيارات إسلامية للحكم فاعلة في عالمنا العربي؛
تيار سني يتمثل بمدرسة سيد قطب
تيار سلفي يتمثل بمدرسة ابن تيمية ومحمد بن عبد الوهاب
تيار يجمع بين المدرستين، مدرسة سيد قطب ومدرسة ابن تيمية وابن عبد الوهاب
تيار شيعي يتمثل بمدرسة السيد السيستاني
قبل مناقشة هذه التيارات لا بد من تثبيت ثلاثة حقائق مهمة بالنسبة لنظام الحكم في الإسلام
الأول: إن ألإسلام لا يدخل في تفاصيل نظام ومنهج الحكم بل يضع الإطار فحسب ولذلك إعتمد الإسلاميون على تجارب الدولة الإسلامية بعد رسول الله (ص)، فالحاكم في عهد فترة الخلافة الراشدة وهي افضل فترة حكم إسلامي كان هو الحاكم المطلق، وكان يحكم طوال عمره، وهذا لا يمثل المنهج الإسلامي في الحكم، فلا يمنع الإسلام من الإستفادة من تطور الفكر البشري في مجال الحكم، فعلى سبيل المثال نجد أن نظام الحكم في الجمهورية الإسلامية في أيران وهو حكم إسلامي حتى الصميم ولكن بمنظار شيعي؛ وبغض النظر عن مبدأ ولاية الفقيه وهي قضية خلافية حتى في الفكر الشيعي، ولكننا نجد أن مؤسس نظام الجمهورية الإسلامية في أيران السيد الخميني تبنى صيغة الجمهورية؛ رئيس جمهورية منتخب لفترة محددة من الزمن، ووزراء يمثلون الحكومة، ومجلس للنواب المنتخبين.
الثاني: يعتقد الإسلاميون إن الإسلام يتعارض مع النظام الإنتخابي، فإذا ما وصل الحزب الإسلامي للحكم، فلا يسمح بفتح المجال للرجوع إلى الإنتخابات بحيث هناك إمكانية لمجيء حزب لا إسلامي إلى الحكم، هذا ما يستدل به من أدبيات الإخوان وأغلب الأحزاب الإسلامية، وقد صرح به بشكل علني عباس مدني رئيس الجبهة الإسلامية للإنقاذ بعد فوزهم في الإنتخابات عام ١٩٩١ في الجزائر، ولكن واقع الإسلام علي النقيض فمبدأ الشورى في الإسلام يسمح بتولي الحاكم متى ما نال تأييد المواطنين سواء كان إسلامياً أم لم يكن. (هذا يحتاج إلى بحث مطول سنتطرق إلى جزء منه في الفقرة التالية)
الثالث: هناك تصور أنه لا يجوز أن يكون هناك مجلس للنواب يشرع القوانين، وفي الحقيقة هذا جهل بدور مجلس النواب، فهو لا يشرع قوانين الأحوال المدنية والتي يمكن أن لا تتعارض مع ثوابت الإسلام والشريعة الإسلامية إستناداً للدستور.
إن الرسول (ص) حينما تصدى للحكم لم ينطلق من مبدأ التعيين الإلهي فحسب مع كونه رسولاً مبعوثاً من الله سبحانه وتعالى، فعندما أراد إنشاء فئة مقاتلة تدافع عنه وعن الشريعة الإسلامية أخذ البيعة من أهل المدينة على ذلك بما سمي ببيعة العقبة الأولى وبيعة العقبة الثانية من الأنصار قبل هجرته من مكة للمدينة، وعندما أراد الله إنزال التشريعات التي تتضمن الحدود أمر رسوله (ص) بأخذ البيعة مرة أخرى فيما سمي ببيعة الشجرة او بيعة الرضوان، هذا الأمر يحتاج إلى دراسات أعمق، حيث لم يبذل الإسلاميون الجهد المطلوب لدراسة البيعات التي حصلت في حياة الرسول (ص).
١. تيار سيد قطب: لقد إستلهم سيد قطب أفكاره في الحاكمية من المفكر الهندي أبو الأعلي المودودي وبالذات كتابه (الحكومة الإسلامية)، وأستند المودودي ومن بعده السيد قطب على مجموعة من الآيات القرآنية في كفر الحكام المسلمين ممن لا يحكم بما أنزل الله وبالذات قوله تعالى في سورة المائدة (ومن لم يحكم بما أنزل الله فؤلائك هم الكافرون)، ومن هذا المنطلق حكموا بجاهلية المجتمعات الإسلامية وكفرهم، طبعاً هذا التفسير يدل علي الجهل بمدلولات اللغة العربية، والجهل بتفسير آيات الكتاب خلاف فهم السلف الصالح، فإستخدام كلمة (الحكم) في ذلك العصر بل في كل آيات الكتاب جاءت بمعنى (القضاء) من قبل الله او الإنسان او حتى الكتاب أو (القدرة على القضاء) وليس إدارة الدولة وحكمها كألملك او رئيس الجمهورية او رئيس الوزراء كما في يومنا الحالي.
(بحث إسلامي قرآني فيما ذهبنا إليه أعلاه للإطلاع من قبل المهتمين بهذا الشأن)
حيث جاء في قوله تعالى {فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في انفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليما}(سورة النساء آية 65)، وقوله تعالى {يدعون إلى كتاب الله ليحكم بينهم}(سورة آل عمران آية23)، وقوله تعالى {ولن ابرح الأرض حتى يأذن لي ابي أو يحكم الله }(سورة يوسف آية80)، وقوله تعالى {وداوود وسليمان إذ يحكمان في الحرث}(سورة الأنبياء آية78)، وقوله تعالى {وكيف يحكمونك وعندهم التوراة فيها حكم الله}(سورة المائدة آية43)، وقوله تعالى {وآتيناه الحكم صبياً}(سورة مريم آية12)، وقوله تعالى {وكذلك أنزلناه حكماً عربياً}(سورة الرعد آية37)، وقوله تعالى {ففرت منكم لما خفتكم فوهب لي ربي حكماً}(سورة الشعراء آية21)، وقوله تعالى {إذ نفشت فيه غنم القوم وكنا لحكمهم شاهدين}(سورة الأنبياء آية78) وغيرها من الآيات المشابهة.
أما الحكم بالمعنى المعاصر كالملك أو رئيس الجمهورية أو ما شابه فإن القرآن قد عرفه بـ (الملك) أو (ولي الأمر) أو (تولى) أو (له الأمر) أو ما شابه، وذلك في قوله تعالى {إني وجدت إمرأةً تملكهم}(سورة النمل آية23)، وفي قوله تعالى {إن ألله قد بعث لكم طالوت ملكاً}(سورة البقرة آية247)، في قوله تعالى {والأمر إليك فانظري ماذا تأمرين}(سورة النمل آية33)، في قوله تعالى {ولو ردوه إلى الرسول وإلى إولي ألأمر منهم}(سورة النساء آية83)، وفي قوله تعالى {أطيعوا ألله واطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم}(سورة النساء آية59)، وفي قوله تعالى {وشاورهم في الأمر}(سورة آل عمران آية159)، وفي قوله تعالى {وأمرهم شورى بينهم}(سورة الشورى آية38)،، في قوله تعالى {ياأيها الملأ أفتوني في أمري}(سورة النمل آية32). في قوله تعالى {وإذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل}(سورة البقرة آية205).
بل جاءت هذه الآية(ومن لم يحكم بما أنزل الله) والآيات الأخرى المشابهة في سياقها بحق اليهود والنصاى كما ورد عن البراء بن عازب وحذيفة بن اليمان وابن عباس وأبو رجاء العطاردي وعكرمة وعبيد الله بن عبد الله والحسن البصري، وكما هو واضح من الآيات الثلاث بهذا الشأن التي جاءت متوالية في سورة المائدة في قوله تعالى {إنا أنزلنا التورىة فيها هدى ونور يحكم بها النبيون الذين أسلموا للذين هادوا والربنيون والأحبار بما استحفظوا من كتاب الله وكانوا عليه شهداء فلا تخشوا الناس وأخشون ولا تشتروا بآياتي ثمناً قليلاً ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون}(سورة المائدة آية44) وقوله تعالى {وكتبنا عليهم فيها أن النفس بألنفس والعين بألعين والأنف بالأنف والأذن بالأذن والسن بالسن والجروح قصاص فمن تصدق به فهو كفارة له ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون}(سورة المائدة آية45) وقوله تعالى {وقفينا على آثارهم بعيسى أبن مريم مصدقاً لما بين يديه من التورىة وهدى وموعظة للمتقين* وليحكم أهل الأنجيل بما أنزل الله فيه ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون}(سورة المائدة آية 46-47).
بل إن الأمر مع كل ما ذكرنا أشد من ذلك، فإن الآية لو أخذناها بالمعنى العام من دون تخصيص بحق أهل الكتاب، فحتى الحاكم (القاضي) المسلم الذي لا يحكم (يقضي) بما أنزل الله فإن كفره هنا مجازي وليس حقيقي كما ورد بشكل واضح عن السلف الصالح، فيقول ابن عباس في تفسير هذه الآية من سورة المائدة بأنه (ليس بالكفر الذي يذهبون إليه) وروى ابن جرير عن ابن عباس بأن من أقر ولم يحكم بما أنزل الله فهو ظالم وفاسق وليس بكافر كالجاحد بما أنزل الله وقال ابن طاووس بأن الكفر هنا ليس كالكفر الحقيقي كمن (يكفر بالله وملائكته وكتبه ورسله) ونقل عن وكيع عن طاوس بأنه (ليس بكفر ينقل عن الملة) (يمكن مراجعة تفسير ابن كثير بهذا الشأن).
٢. التيار السلفي: لا نريد ان ندخل في تفاصيل التيار السلفي الذي يبيح دماء المسلمين ممن يختلفون معه في الرأي مما شاهدناه من سلوكياتهم في التأريخ الماضي والمعاصر، ولكن هناك تساؤل كبير، لماذا إستشرى هذا الفكر على هذا المستوى الواسع في كافة بقاع الأرض فنجد أنه لا تخلو بقعة من بقاع الأرض ممن يحملون هذا الفكر ويتبنونه مع العالم ؟؟؟
الجواب: أن المسؤول الأول عن إنتشار هذا الفكر على هذا المستوى الواسع هو المؤسسة الدينية في المملكة العربية السعودية، وهنا أؤكد إن العائلة الحاكمة في السعودية كانت تجهل ما كان يطبخ على نار هادئة من قبل هذه المؤسسة خلال فترة تجاوزت الخمسين عاماً بحيث فقدت هذه المؤسسة السيطرة على هذا التيار الذي إنقلب على النظام السعودي ودعى إلى إسقاطه بل إنقلب حتى على المؤسسة الدينية في السعودية وحكم بكفر مشايخهم بسبب وقوفهم إلى جانب العائلة السعودية الحاكمة.
إن كتاب التوحيد لمحمد بن عبد الوهاب يدرس في كافة المراحل الإبتدائية والمتوسطة والثانوية وهو يكفر جميع المسلمين ممن لا يعتقدون بعقائد إبن تيمية وإبن عبد الوهاب ويستبيح دماءهم، ولذلك نجد أن خمسة عشر من أصل تسعة عشر من الإنتحاريين الذين فجروا مركز التجارة في نيويورك هم من السعوديين.
لقد قامت المؤسسة الدينية في السعودية بإقتراح من أبو الأعلى المودودي بإنشاء الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة عام ١٩٦٣ وأن نسبة الطلاب غير السعوديين تبلغ اكثر من ثمانين بالمئة، وإن السعودية في كل عام تعطي منح لحوالي ثمانية آلاف طالب لدراسة الدراسات الوهابية التكفيرية في الجامعات السعودية من غير السعوديين من مختلف بقاع الأرض، بل إن ضعف هذا العدد هم من المنتسبين من خلال مناهج الدراسات من بعد، لقد تخرج من الجامعات السعودية خلال فترة الخمسين عاماً ما يقارب النصف مليون طالب ممن يعتقدون بالعقائد التكفيرية، بل قامت المؤسسة الدينية في السعودية بالطلب من الحكومة السعودية ببناء عشرات الآلاف من المساجد في كافة بقاع الأرض وكانت تعين فيها أئمة من الوهابيين من خريجي الجامعات السعودية، لقد أعلنت الحكومة السعودية إنها صرفت مبلغ ٢٧ مليار دولار لنشر الثقافة السلفية خلال بضعة سنوات من حكم الملك فهد، ولوإستندنا إلى هذا الرقم فنجد أنها صرفت أكثر من ثمانين مليار دولار منذ أوائل الثمانينات حتى يومنا هذا لنشر الفكر السلفي الذي غدا نواةً للفكر التكفيري، لذلك فمن الطبيعي أن تجد القاعدة وداعش الملايين من المسلمين المتعاطفين معها من خريجي هذه الجامعات او ممن اتبعوا أئمة المساجد من الوهابيين في مختلف بقاع الأرض. وأن ينتشر أمرهم في كافة بقاع الأرض من اليمن ومصر وليبيا والجزائر والمغرب والعراق ولبنان وسوريا ونيجيريا ومالي والصومال وإندونيسيا وماليزيا والفليبين والباكستان والشيشان والهند وفرنسا وبريطانيا والمانيا وإسبانيا وغيرها؛ إن أول من يكفره هؤلاد الوهابيون السلفيون التكفيريون هي العائلة السعودية الحاكمة نفسها كما صرحوا به ونشروه في الكثير من أدبياتهم وكتبهم.
الحل: في هذا المجال يجب تبني الفكر الإسلامي المعتدل المخالف لأفكار ابن تيمية وإبن عبد الوهاب التكفيري من قبل لجنة تمثل مجموعة من الدول العربية والإسلامية ويجب أن تكون السعودية علي رأس هذه اللجنة من أجل وضع برنامج يطرح المفاهيم الإسلامية الحقيقية قبال الأفكار السلفية التكفيرية التي تكفر كافة الأنظمة العربية وعلي رأسها السعودية.
٣. التيار الذي يجمع بين فكر سيد قطب وافكار إبن تيمية ومحمد بن عبد الوهاب: وهو أخطر فكر إرهابي ويمثل فكر القاعدة وجبهة النصرة وداعش؛ لا ينفع إستخدام القوة فحسب لمواجهة هذا التيار، بل يجب تبني منظومة فكرية إسلامية سليمة تواجه الفكر السلفي التكفيري، ويجب أن تصدر هذه المنظومة من المؤسسات ألإسلامية العريقة التي لم تتأثر إلى حد الآن بالفكر السلفي التكفيري، كجامعة الأزهر في مصر، وجامعة الزيتونة في تونس، وجامعة القرويين في فاس في المغرب فضلاً عن المراكز الإسلامية والجامعات الإسلامية الأخرى في مناطق العالم المختلفة التي لم تتأثر إلى حد الآن بالفكر السلفي التكفيري. يجب ان تتم الدعوة لتبني هذه المنظومة من قبل مجموعة من الدول العربية على رأسها المملكة العربية السعودية.
٤. التيار الشيعي المتمثل بمدرسة آية الله العظمى السيد علي السيستاني (وهو التيار الذي يعارض مبدأ ولاية الفقيه): يتميز هذا التيار بجملة من الخصائص وهي؛
أ) القبول بالدولة المدنية التي تحكم من قبل الشخص الأقدر والأكفأ في إدارة الدولة بغض النظر عن إنتمائه الفكري، حيث وافق السيد السيستاني مع ممثل الأمم المتحدة الأخضر الإبراهيمي عام ٢٠٠٤ على ترشيح شخصيتين غير إسلاميتين وهما الدكتور أياد علاوي والدكتور أحمد الجلبي، وتم إختيار الدكتور أياد علاوي رئيساً للوزراء عام ٢٠٠٤ حيث كان يتمتع بسلطات تشريعية وتنفيذية، بل في عام ٢٠٠٩، عندما تدهورت امور الحكومة بسبب الفساد وإخفاقاتها في الجوانب المختلفة قابلت السيد السيستاني أنا شخصياً وسألته عن الحل، فأجابني بالنص أنه طلب في وقتها عام ٢٠٠٤ من رئيس الإئتلاف (السيد عبد العزيز الحكيم) للطلب من الدكتور أياد علاوي بالدخول في الإئتلاف الموحد وضمان رآسة الوزراء له في الدورة القادمة، وقال لي السيد حفظه الله لو وافق الدكتور أياد على الدخول في الإئتلاف في وقتها لكان اليوم هو رئيس الوزراء ولما وصلنا إلى الوضع المأساوي الذي نحن به اليوم.
ب) مبدأ القضاء على الطائفية السياسية بشكل كامل، وهو صاحب المقولة المشهورة (لا تقولوا السنة إخواننا بل السنة انفسنا) لو طبق هذا الشعار بحذافيره لقضي اليوم على الطائفية السياسية في العراق؛ ولكن للأسف وجدت الحكومة التي يرأسها المالكي أنها لا يمكن ان تستمر في الحكم بسبب فشلها في إدارة الدولة ما لم تعمق الخلافات الطائفية، مع الإيحاء للشيعة أنها هي المدافعة عن حقوقهم، وهذا جر إلى دفع الكثير من السنة إلى الإنتماء إلى داعش أو تأيدهم أو بالحد الأدنى عدم مقاتلتهم عندما إحتلوا مدنهم، إذاً المشكلة هو قيام حكومة يترأسها رئيس وزراء إسلامي يسمح ويدفع بإستشراء الفساد على نطاق جداً واسع وغير قادر على إدارة البلد، وللأسف إن هذا الأمر قد تم بتآمر أمريكي لجلب المالكي لرآسة الوزراء مع العلم إنه فشل في الإنتخابات، وتنحية أياد علاوي عن تولي رآسة الوزراء مع فوزه وإستحقاقه الدستوري لتولي رآسة الوزراء، وللإنصاف فإن أيران لم تكن تؤيد المالكي لتولي رآسة الوزراء إلا في الشهر العاشر من عام ٢٠١٠حيث كنت أنا في خضم المباحثات السياسية في تلك الفترة.
ج) مبدأ التصدي في الأمور المفصلية والمصيرية للأمة، حيث رفض بشكل قاطع أن يكتب الدستور من قبل مكتب محاماة امريكي، وهدد الأميركان من خلال الأمم المتحدة إذا لم تعلن الولايات المتحدة بأن الدستور سيكتب من قبل أيادي عراقية منتخبة من قبل الشعب فإنه سيعلن رفضه للدستور العراقي المزمع كتابته في تلك الفترة، الأمر الثاني هو إزاحته للمالكي عام ٢٠١٤ عندما فشل في إدارة الدولة وأثار الفتنة الطائفية وكان يدير كافة المؤسسات الأمنية ولكنه عجز عن منع داعش من إحتلال الموصل، أو الدخول إلى تكريت وإرتكاب مجزرة سبايكر. الأمر الثالث هو الدعوة إلى الجهاد الكفائي وألذي كان السبب الرئيس في منع داعش من التمدد وإحتلال مدن أخرى بعد الموصل والتكريت، كبغداد او مناطق أخرى.