18 ديسمبر، 2024 11:41 م

تآمر الإنسان على نفسه من اللعب الى سجون الجدية

تآمر الإنسان على نفسه من اللعب الى سجون الجدية

في البدء ألقت الصدف أو الأقدار المجهولة الإنسان فوق متاهات دروب الحياة ، وتركته في عذاب الحيرة والخوف والجوع ومعاناته  مع ظروف الطبيعة ومناخاتها ، كان بريئا مع نفسه ومتوحشا مع غيره ، وكان عندما يشبع أنانيته ينطلق في التعبير عن أفراحه في المرح واللعب بلا قيود ، كان كائنا حرا يحمل روحا وسلوكا من دون أسوار الجدية لأن البشرية لم تدخل اليها بعد مشاعر فقدان الأمان النفسي والإستفزاز من سلوك الأشخاص الساخرين العدوانيين ، وكذلك  الأحرار الذين يهددون تقاليدها وأصنامها !
 
وبعد تطور مراحل حياة البشر من الفردية الى التجمعات ، وحصول الصراعات والتحصن خلف متاريس أقامها كل واحد لنفسه  وتشييد مكانته بين الجماعة والدفاع عنها ، كان لابد من تأسيس سجون الجدية ، وهكذا تآمر الإنسان على نفسه وقتل أفراحه ومسراته وعفويته بسكين الجدية التي هي من نتاج جرائم العقل ، ونشوء الجدية في حياة البشر يعود الى الحاجة الى الدفاع عن المكانة الفردية والقناع الإجتماعي من الشعور بالإنتهاك ، فكل سلوك مغاير للمعايير التي تواطأ عليها أفراد المجتمع لحماية مكانتهم يعد هذا السلوك تهديد لمشاعر الأمان النفسي وإستهزاء بقيمة الطرف المقابل ، والقضية في حقيقتها الجدية  من قبل الأشخاص سلوك دفاعي ناجم عن الخوف ، ولهذا تسمع في المجتمعات المتخلفة تكرار مفردات : الرزانة و قوة الشخصية ، وهي تعبير عن الخوف من الآخر ، والنزوع العدواني .
لاحظ  تصرف الإنسان داخل عائلته كيف ينقلب من الجدية الى العفوية والمرح واللعب بعد ان يطمئن على مكانته من التعرض للتهديد .
من المؤكد ان  البشرية فشلت في تنظيم حياتها على صعيد اللعب  وكذلك الجدية  ، فقد تحولت ألعابها ووسائل الترفيه الى نشاطات تجارية يسودها الجشع والصراعات العدوانية وفقدت براءتها ، أما الجدية في التفكير والسلوك ، فقد قتلت الروح الإنسانية وعززت الأنانية تحت ستار التنظيم  الذي أصبح هو المشكلة  وأسس  للصراعات والأنانية والإحتكار .. وشهدنا على مر التاريخ إخفاق العقل المخزي الذي يتفاخر به الإنسان فإذا به يفشل في التوصل الى وسيلة لنشر العدالة على الأرض وتوزيع الثروات بالتساوي بين البشر !