من المؤكد أنّ زيارة عادل عبد المهدي و أحمد الجلبي إلى أربيل ولقائهما بمسعود البارزاني السبت الماضي , ليس من أجل دفع مسعود بالموافقة على تسليم نفط حقول إقليم كردستان إلى الحكومة الاتحادية وحل الإشكال الذي تسبب بتعطيل إقرار الموازنة العامة للبلد حتى هذه اللحظة , ومن المؤكد أيضا أنّ هذا اللقاء هو من أجل إعادة بعث الحياة مجددا بتحالف أربيل , وهذه المرّة يبدو أنّ هنالك جهودا حثيثة لتحويل هذا التحالف لكتلة سياسية كبيرة بعد الانتخابات النيابية العامة القادمة , من أجل تشكيل الحكومة القادمة على قاعدة الكتلة الأكبر في البرلمان , فالمالكي في نظر قوى أربيل السياسية أصبح هو الغاية والهدف , وإزاحته عن المنافسة ومنعه من تشكيل الحكومة القادمة , بات هو المحور الوحيد في كل توّجهات هذه الأطراف السياسية .
وفي ظل النظام الديمقراطي يمكن لمثل هذه التحالفات أن تنبثق , ويمكن للقوى السياسية أن تلتقي على هدف سياسي محدد , سواء كان ذلك لإسقاط الحكومة أو لتشكيل حكومة جديدة , وهذا بحد ذاته يمثل جوهر اللعبة الديمقراطية , وليس هنالك من إشكال على مثل هذه التحالفات , ولكن في حالة تحالف أربيل , الأمر مختلف تماما , فلو كان الأمر يتعلق فقط بمنع المالكي من توّلي الحكومة القادمة , فلا غبار على تشكيل مثل هذا التحالف , لكنّ يجب أن لا يكون ذلك على حساب الوطن , فليس من المقبول تقديم وعود أو التنازل عن شبر واحد من الأراضي العراقية تحت ذريعة المناطق المتنازع عليها , أو القبول بشروط مسعود البارزاني بالتصرف بنفط العراقيين بعيدا ودون إشراف وزارة النفط العراقية , وبيع هذا النفط خارج شركة سومو , فتقديم مثل هذه الوعود خيانة عظمى للوطن , ولو كان الحاكم هو الشيطان بنفسه وليس نوري المالكي , فسوف يقف الشعب مع هذا الشيطان من أجل صيانة وحدة هذا الوطن و عدم التفريط بأرضه والحفاظ على ثرواته وثروات أجياله القادمة .
والجميع يعلم أنّ هنالك خلافا شديدا بين بغداد و أربيل حول العديد من الملفات العالقة , والجميع يعلم أنّ الحكومة برئاسة نوري المالكي لها رأي في هذه الملفات العالقة , سواء تلك التي تتعلق بالمناطق المتنازع عليها أو تلك التي تتعلق بالتصرف بالنفط والثروة أو تلك التي تتعلق بالسيادة والأمن , فأربيل تعتقد أنّ للإقليم حق في التصرف في النفط دون الرجوع إلى بغداد , وتعتقد أيضا أن للإقليم حق في أن يكون له جيشه الخاص به وسياساته الخاصة , وليس من الضروري أن تكون هذه السياسات منسجمة مع سياسات الحكومة الاتحادية في بغداد , فمن هذا المنطلق وبناء على السياسات التي تنتهجها حكومة الإقليم على أرض الواقع , والمتمّثلة بالانفصال الكامل عن سياسات الحكومة الاتحادية في بغداد , تصبح مثل هذه اللقائات والتحالفات موضع شّك وريبة , خصوصا أن الطرف العربي في هذا التحالف يسعى بأي شكل لمنع المالكي من توّلي تشكيل الحكومة القادمة , حتى لو كان ذلك على حساب الوطن .
وعلى ما يبدو أنّ هذه الأطراف جميعا أصبحت تلهث وراء تقسيم العراق من خلال تحويله إلى ثلاث دول كونفدرالية مستقلة عن بعضها , وهذا ما يسعى ويخطط له مسعود البارزاني , والمشكلة أنّ الشعب يغطّ في سبات عميق ولا يعي ما يدور حوله من مخططات جهنمية , فهذه الأطراف تخفي حقيقة نواياها , وتعلن للرأي العام إنّ الهدف من هذه اللقائات والتحالفات , هو صيانة النظام الديمقراطي والتصدي للديكتاتورية , لكنّ المتابعين للشأن السياسي العراقي يشمّون رائحة الخيانة والتآمر على الوطن , فالتحالف مع مسعود ضد نوري المالكي أمر ينبغي التوّقف عنده , ليس من أجل نوري المالكي , بل من أجل الوطن و دماء شهدائه الذين ضحوّا من أجله , وليكن في علم الجميع أنّ الصراع على كرسي الحكم يجب أن لا يتعدّى للتفريط بتراب الوطن وثرواته , ومثل هذه الصفقات المشبوهة لن تنطلي على الشعب ولن يسمح بتكرارها كما فعل أياد علاوي حين تصرّف بغفلة عن هذا الشعب و وهب مسعود بما لا يملك , فهذه المرة سيقول الشعب لكم لا و ألف لا للتفريط في الحقوق .