الفيلسوف،الطبيب، الفقيه،القاضي،الفلكي والفيزيائي ( محمد بن الرشد ) وهو عربي مسلم أندلسي، كان قد نادى وقبل ثمانمائة عام تقريباً إلى ضرورة تحكيم الْعِلْم والعقل في ظلّ المنظومة الفقهية والدينية، حتى جلب له هذا النداء كَمْاً من الويل والثبور أدى فيضاً منه إلى إحراق وإتلاف الكثير من مؤلفاته وكتبه تعبيراً عن السخط والاعتراض على هذا الرأي.
وما أشبه اليوم بالامس إذا ما ربطنا هذا الحدث بواقعنا الذي نعيشه اليوم حيث نجد فيه إن معظم الأدوات التي تحرك الواقع من مؤسسات وأحزاب ودوّل إقليمية وعالمية تحاول جادة على ظاهرة (تحصين التخلف ) وتنشيطه في عالمنا العربي وبالشكل الذي يتوازى ويتناغم مع تلك الخطط الاستراتيجية الموضوعةِ منها والبديلة، والادلة على ذلك كثيرة فإذا اخذنا منها مثلاً ذلك التطور التكنلوجي وثورته فتجدنا نحن المجتمعات البائسة نعمل على استيراد التكنلوجية العلمية وبإسراف ( كمستهلكين ) دون النظر او التبحر بالفكر العلمي الذي خلق وأوجد هذه الثورة التكنلوجية لغرض الفائدة العلمية، لنبقى نحن ( مجتمعاتنا العربية ) محصورين نتخبط ضمن ذلك الإطار الضيق الذي ينص على ان العلم النافع هو الذي يقع في نسق العلوم الشرعية.
ويعد البحث العلمي هو المحرك الأساسي والفعال عند جميع البلدان المتطورة شئنا أم أبينا،حيث تسعى تلك الدول الى وضع تخصيصات من خلال وضع بنود ثابتة في ميزانياتها السنوية لذلك الغرض والنسبة الطبيعية هي ٢٪ تقريباً من الإنتاج المحلي للدولة، وتعد اسرائيل من الدول الأكثر اهتماماً بهذا الجانب حيث نجدها تضع تقريباً ٤،٧٪ من نتاجها المحلي لهذا الغرض الامر الذي جعلها في مصاف الدول المتقدمة. بينما تعد الدول العربية وخصوصا دول الخليج من الدول المستهلكة ومحدودة الانتاج ان وُجد ولن يؤثر عليها اكتشاف البترول بالمشكلة الإيجابي حيث لم يتمكن الاخير من نقلها نقلةً نوعية كونها لم تسخر تلك الثروة لخدمة دوائر البحث العلمي والاكتشافات التكنلوجية ولكن اقتصر تسخيره على ترويج تلك البداوة وعولمتها فمثلاً في السعودية نجد ان الأموال التي صرفت لترويج الفكر الوهابي والذي هو يتقاطع تماماً مع كل ما هو انساني كونه يتماشى وبشكل متوازي ومتفاعل مع الارهاب الذي أصبح آفة مجتمعية تفتك بكل ما هو متحضر.
لنخلص بالقول هنا إن عدم التفكير بجدية لإقامة نظام عادل وحر يطمئن المواطن ويضمن له العيش الكريم،يجعلنا ندور في متاهة بحور الجهل تاركين من حولنا العقل والعلم وحقوق الانسان في العيش الرغيد.