بَيَانُ رَقْمِ (1).
الاخِتِلافُ في رُؤْيَةِ هِلالِ شَهرِ رَمَضَانَ.
المقدَّسُ الدِّينيُ، هو الهدَفُ الحيويُّ، الّذي يَسعى للسيطرةِ عليه، طُلَّابُ السُلطةِ، ليَضعوهُ تحتَ تَصرُّفِهِم. فيُحوِّلونَ العَمَلَ السِّياسيّ الدِّنيويّ المَشبوهِ، الى عَمَلٍ مُقَدَّسٍ مَشْروُع. و هنا تَسْقِطُ السِّياسَةُ لوحدِها، في نَظَرِ العَارفينَ وَ هُمْ (النُّخبة)، من أَبناءِ المُجتمَع. لكنَّ الأَمرَ يختلفُ تَماماً، في نَظَرِ عامَّةِ النَّاسِ، (و هو الأَمرُ المُحزنُ على الدَّوام). حيّثُ يَسْقِطُ في نَظرِهِمْ، السّياسيُ الدُّنيويُ و المُقدَّسُ الدِّينيُّ معاً، و هذهِ كارثَةٌ فِكريَّةٌ و ثقافيَّةٌ، سنَبقَى نُعاني مِنها الآنَ، و مستقبلاً أيضاً، و سَتَبْقَى تُعاني مِنها كذلكَ، أَجيالُنا الّلاحِقَةِ أَيضاً. و خَيّْرُ مِصدَاقٍ لتحويلِ الدِّينِ، الى وسيلةٍ لخدمةِ السِّياسةِ، موضوعُ رُؤيَّةِ هِلالِ شَهرِ رَمضانَ المبارك، و شَهرِ شَوَّالَ، و شَهرِ ذِيْ الحِجَّة.
فهذه القضيَّةُ، تَحظى باهتمامٍ كبيرٍ عندَ المسلمينَ، لأنَّها تَرتَبطُ بمسألةٍ تشريعيّةٍ، تَخُصُّ موضوعَ العبادةِ، في عَقيدَتِهِم الدِّينيَّةِ، كالصِّيامِ و الحَجّ. فالرُؤيَّةُ الشرعيَّةُ لأَهِلَّةِ هذه الشُهورِ، تُعَيّنُ الوَظيفةَ العِباديَّةَ للمُكلَّفينَ بها.
و الاختلافُ في تحديدِ بداياتِ هذهِ الشُهورِ، موضوعٌ سارَ عليهِ السَلَفُ، مِثلما يَسيرُ عليه الخَلَف. و مَنشأُ الاختلافِ، يَعودُ الى تأثيرِ سُلّطةِ الحاكمِ المُستَبدّ، على رِجالِ الدّينِ المُرتبطينَ ببِلاطِ السُلطان. فالهيّمَنَةُ السُلطويَّةُ، تُعَزِزُها فَتَاوى رِجالِ الدِّينِ، مِن حَاشيةِ المَلِك. فيَنشأُ تصوّرٌ داخلَ عقلِ الرَّعيةِ، بأَنَّ السُلطانَ هو مَن يَحمي حُدُودَ الاسلامِ، و يُحافِظُ على الإلتزامِ بمَواقِيّْتِ العِبادَات. فهو وَليُّ الأمْرِ، و مَن يَخرُجُ عَن طاعتِهِ، فَهو مِن أَصحابِ الفِتنَة.
و طالما دَارَتْ النِّقاشاتُ، بيّنَ تَيَّارِ السُلطةِ، و تَيَّارِ المُعارضَةِ، حَوّْلَ أَسبابِ الإختِلافِ، في مَوضوعِ رُؤْيَةِ الأَهلّْة. و الّتي تَنتهي دائماً، بِعَدَمِ اتفاقٍ بيّن الطَّرفينِ، و غالباً ما يَنتهي الأَمرُ، باصدَارِ حُكْمِ الاعدَامِ على المُخالِفين. و من أَهَمِّ النُّقاطِ، الّتي تَجعلُ هذا الموضوعَ عَصِيّاً على الاتّفاق، ما يلي :
1. عَدمُ وُجودِ النِيَّةِ الصَّادقةِ، عندَ بعضِ المُكلَّفينَ برعايةِ هذه القضيَّةِ، لاتّخاذِ موقفٍ واحدٍ، يَحسمُ أَصلَ هذا الخِلاف. بِسَببِ ارتباطهِمْ بسِياسَاتِ دُوَلٍ مُعَيَّنةٍ، لها مَصلحَةٍ في إِبقاءِ هذا الخِلافِ مُستَعراً، بالرَّغمِ من تَوفُرِ الأَموالِ (خُصوصاً في الدُّوَلِ الخَليجيَّةِ)، و تَوفُرِ العُقولِ و التِّقنيّاتِ، في بُلدَانِ العَالمِ الإِسلاميّ المُختَلِفَةٍ، للتَّوَصُلِ الى حَلٍّ لهذا الأَمرِ.
2. نَزعَةُ السَعوديَّةِ، في استثمارِ السَّبْقِ في اعلانِ تاريخِ ابتداءِ، او انتهاءِ مُناسبَةٍ اسلاميَّةٍ عِباديَّةٍ مُعيَّنَةٍ، حتى تكونَ صاحِبةَ القيّمومَةِ الدِّينيةِ، (و هي أَصلاً صاحِبَةَ القَيّمومَةِ الماليّةِ)، على غالبيّةِ حُكَّامِ دُوَلِ المُسلمينَ. فهذهِ العَمليَّةُ أَشْبهُ ما تكونُ، بعمليَّةِ سِباقِ التَّسَلُحِ الجّاريةِ، بيّنَ دُوَلِ العَالمِ المُتنافِسَةِ، على المواردِ الاقتصَادِيَّةِ. لكِنْ في حَالَتِنا، يكونُ الدِّيْنُ هو السِّلاحُ المُتَسَابَقُ عَليهِ، لِتَدمِيرِ المُسلِمِينَ بِالإِسْلام.
3. الاختلافُ في الفَهمِ الدَّقيقِ، بالتَّفسير الموضُوعي للنَّصِّ الدِّيني، بخُصوصِ هذا الموّضُوع.
4. إِحجَامُ أَكثَرُ النَّاسِ، عَن القِيَامِ بمَسؤوليَّاتِهِمْ الدِّينِيَّةِ، في مَجالِ رُؤيَةِ الأَهلَّةِ، مُعتَمِدينَ على الغَيرِ، في اتِّخاذِ القَرارِ نِيابَةً عَنهم. و بذلكَ يَنفَرِطُ اجمَاعُ الأُمَّةِ على هذا الأَمْر.
هذهِ الفراغاتُ في المَحاورِ المذكورةِ، أَصبَحتْ بُؤراً تَستبطِنُ في خَفايَاهَا، النِّيَةَ السِّياسِيّةَ المُبيَّتَةَ بالسُوءِ، الّتي تَستغِلُّ المُقدَّسَ الدِّينيّ بصُورةٍ مُتعمَّدَةٍ، مِن قِبَلِ طَرفٍ مُعيَّنٍ. فَتُحْشَرُ القَضِيَّةُ الدِّينيَّةُ بالموّقِفِ السِّياسي؛ أو بالأَصَحِّ يُحَمِّلُ الموّقِفَ الفِقّهيّ بُعداً سِّياسِيّاً، لتَبقَى الأُمَّةُ في دَوَّامَةِ الانقِسَامَاتِ الدِّينيَّةِ، و بذلكَ تَنْشَطُ سِياسَةُ (فَرِّقّْ تَسُدّْ).