والأحمري حذاء كان يصنع من الجلد الاحمر، كان يدعوه اهل المدن( اليمني) ويدعوه الاعراب ( الاحمري) نسبة الى اللون الاحمر، واصل المثل: ان اعرابيا قدم الى بغداد مع رفيق له، فاشترى يمني، ووضع فردتيه الواحدة فوق الاخرى وتأبطهما، وسار مع صاحبه فرحا، فقال له صاحبه: ( ليش ماتلبس الاحمري برجلك) فرفض الاعرابي حرصا على الحذاء، وبعد مدة اصابت حجارة مدببة قدم الاعرابي وسالت الدماء، فقال صاحبه: الم اقل لك ان تلبس الحذاء، فقال الاعرابي: (لابويه بيّه ولا بالاحمري)، ولو افترضنا ان العراق وطن واحد ولايخضع للتقسيم، عندها على الدولة والحكومة ان تضع في حساباتها ان كل جزء منه يجب ان يكون محميا كالاجزاء الاخرى، وعليها ان توثق بالارقام عدد الضحايا وجنسياتهم واعمارهم، لقد انتهى مؤتمر مكافحة الارهاب بكلمات دبلوماسية وطروحات فقيرة لاترقى الى مستوى الحدث المؤلم الذي يعانيه ابناء المناطق المنكوبة، وهذا طبعا يتلاءم مع المثل المعروف : الايده بالمي مو مثل الايده بالنار، لقد امتدح الضيوف اول ما امتدحوا الضيافة العراقية، وقد اختفت الاعمال الارهابية في بغداد يومي انعقاد المؤتمر، وكأن الارهابيين ايضا يريدون ان يوصلوا رسالة الى المؤتمرين مفادها ان الامر لايستحق هذا الجهد، المهم، كان المؤتمر هو الاول من نوعه، لكنه لم يكن مؤثرا لانه خرج بتوصيات هي دبلوماسية اكثر منها توصيات لتحجيم كارثة الارهاب في العراق.
وقد لاحظ الضيوف مقدار الامن والامان التي تتمتع به المنطقة الخضراء، وهذا الامن لم يتأتى عن فراغ ، وانما دفعت ثمنه مناطق بغداد الاخرى، ولسان حال ابناء هذه المناطق يقول: بيّه ولا بالاحمري، وانا اتساءل ان كانت الحكومة تستطيع ان تحمي المنطقة الخضراء بضيوفها وسكانها، فلماذا لاتعمم هذه الحماية على مناطق بغداد الاخرى، ام انها ستستمر تتاجر بدماء الناس وتعقد المؤتمرات بروس المساكين، وكأنها تريد ان تثبت انها تتعلم احجامه بروس اليتامه، لقد رأيت عبر شاشات الفضائيات بلدا آخر، كنت قد يئست من رؤيته بهذا الشكل على ارض الواقع، لانني حين اخرج من البيت افكر بعدم العودة لحجم الاعمال الارهابية التي تمر بها بغداد، اما الاخوان الضيوف والمسؤولون فقد كانوا بمنتهى الطمأنينة والراحة، حتى ان بعضهم نام في بعض الاجتماعات وشبع نوما، الاسئلة المحيرة التي تراودني وتقض مضجعي هي : هل اننا ضحايا لعبة قذرة، اوصفقة مشبوهة بين الحكومة واميركا، او بين اميركا ودول الجوار، وهذه الدماء التي تسيل كل يوم والتي تتركز في مناطق من العراق دون اخرى، هل هي دماء مدفوعة الثمن سلفا، وهل ان اجهزة السونار المضروبة والتي مازالت تستخدم حتى الان في غباء منقطع النظير، هي الاخرى كانت جزءا من اللعبة السمجة، وهل ان الانتخابات لاتقوم الا اذا كانت هناك دماء تجري كل يوم، حتى اصبح العراقيون ينتظرون دورهم ونوع الميتة التي يموتونها على الارصفة، اسئلة كثيرة وصراعات بين الكتل لم ترق الى مستوى الصراعات التي تمثلها مافيا السياسيين، فلا قاتل ولامقتول، محض مهاترات لاتخضع للخسائر، ولايذكر اي سياسي يلقي اللوم على السياسي الآخر مسؤوليته في ازهاق ارواح الناس، وانما يعبر عنه بقوله الاخ فلان والسيد فلان والاستاذ فلان، وكأنهم يجلسون على مائدة طعام واحدة، في حين ان الجموع تنتفض لكلمات تقال بحق هذا السياسي او ذاك وتتظاهر، وتتنازل عن دمائها برحابة صدر، ولسان حالها يقول بيّه ولا بالسياسي، او بيّه ولا بالاحمري.