تعتبر احدى من ركائز نجاح ثورة 14 تموز 1958في العراق الملكي (المنتدب بريطانياً ) ، قيام جبهة الاتحاد الوطني التي تأسست عام 1957 والتي ضمت بين جناحيها الأحزاب التي تعمل في الساحة العراقية الشيوعيين والبعثيين والوطنيين والمستقلين أضافة الى القوى الكردية ، وواحدة من اهدافها الرئيسية التي انطلقت من أجلها ازاحة النظام الملكي القائم منذ 1921بتنصيب الملك فيصل الاول ملكاً على العراق القادم من الحجاز .
تطلعات المستقبل
ولم يكن هناك خلافاً بين أهداف تلك الاحزاب في تطلعاتها لمستقبل العراق ، وكان للشيوعيين دور كبير في التنسيق حول آلية العمل الوطني وداعم لتلك الاحزاب في تطلعاتها وبرامجها ، ولم يكن هناك خلاف أو تفاوت في المواقف بين الشيوعيين والبعثيين عندما تحول لاحقاً الى صراعاً دموياً ، وقد أقدم الشيوعيون قبل قيام ثورة تموز في أطار العمل الوطني والتنسيق بدعم لتنظيمات حزب البعث بطابعة سرية لطبع منشوراتهم وتوزيعها . في الاسابيع الأولى من عمر ثورة تموز دب الخلاف بين أحزابها وقادتها وبين قطبيها الصديقين اللدودين عبد الكريم قاسم وعبد السلام عارف ، وقف الشيوعيون وهم القوة الفعلية في الشارع مع زعيم الثورة عبد الكريم قاسم ووقف البعثيون والقوى القومية مع قائد الثورة عبد السلام عارف بالتنسيق مع رئيس جمهورية مصر جمال عبد الناصر الداعم الأول لهم، وطالبوا أنصاره بالوحدة الفورية مع الجمهورية العربية المتحدة وقابلهم الشيوعيون وأنصارهم باتحاد فدرالي … ونقطة نظام ضاع العراق ؟. ولم يكن موقف السوفييت وهم القطب الذي يفترض أن يكون موقفه واضحاً وداعماً لمسيرة ثورة تموز بفرضية الدعم الاممي من خلال حضور الشيوعيين الفعلي والميداني في دعم ثورة 14تموز ودورهم ومشاركتهم بها ، لكن كانت لمصالحهم حظوة أكبر في تحييد مواقفهم على حساب مصالح الشعوب والاوطان ، فظلوا الى آخر يوم يراهنون على سياسة ومشاريع عبد الناصر في تحقيق نظام اشتراكي عربي وتحقيق العدالة الاجتماعية على حساب تأزم الاوضاع في العراق واحتدام الصراعات بل ساهموا في تأجيجها لصالح القوى المعادية لمنجزات ثورة تموز ، وطيلة عمر الثورة واكبتها الخلافات والصراعات بين أحزابها وقادتها ولم تكن تلك المواقف المعادية لأهدافها والاطاحة بها مخفية فكانت هدفا أساسيا في خطابات الرئيس جمال عبد الناصر في الهجوم عليها وعلى قادتها وعلى القوى المناصرة لها الشيوعيين ، بل نصبت إذاعات ووكالات أنباء ودعم لوجستي وعسكري للأطاحة بها ، كما وقع يوم 8 شباط 1963.
والذي يتحمل الزعيم قاسم مسؤولية ليس قليلة في الاخفاق للتصدي للانقلابين وعرقلة انقلابهم في ذلك اليوم المشؤوم التي تمر ذكراه هذه الأيام .
في صبيحة ذلك اليــــــوم الجمعة 8 شباط 1963وقد سبقته تحركات مشبوهة لم تكن بعيدة عن دراية الزعيم وسمعه وأطراف حديث متناقل بين الاوساط السياسية ، لكن الخلاف حول لحظة الانطلاق المنتظرة بدل المبادرة في الاجهاز عليها ، فباشروا في ذلك اليوم المشمس في سماء بغداد بساعة الصفر باغتيال الشيوعي جلال الاوقاتي قائد القوة الجوية إمام عتبة بيته وتحت مرأى أبنه الصغير ، كان اغتياله لحظة انطلاق سرب الطائرات من قاعدة الحبانيه بقيادة منذر الونداوي وتحرك رتل الدبابات من كتيبة المثنى في أبو غريب بقيادة خالد مكي الهاشمي باتجاه وزارة الدفاع والمواقع العسكرية المهمة تحت بيانات الانقلابيين من مرسلات الاذاعة في أبو غريب . الغريب في أمر الزعيم قاسم يتوجه الى وزارة الدفاع وفي الوقت الذي كان تحت مرمى الهدف وتحت قصف الانقلابيين ن مما حصر حاله داخل المبنى وتقطعت كل سبل اتصالاته مع قادته بل تمردوا عليه بعد أن شعروا بضعف موقفه وتخلي القطعات العسكرية عنه أمام شدة القصف الجوي وتقدم الدبابات المعادية في محاصرة وزارة الدفاع وموقفه الغريب أمام الجماهير التي زحفت من الاحياء الشعبية الفقيرة للدفاع عنه بعدم تسليحها للدفاع عنه وعن الثورة ومن جانبي لايمكن تفسيره الا خوفه من الشيوعيين لأخذ المبادرة والانقلاب علية وأنا ضد فرضية حقناً لأراقة الدماء ، فالدماء سالت منذ الصباح الباكر ، لكن الظاهر بيان سلام عادل سكرتير الحزب الشيوعي العراقي المدوي في شوارع بغداد منذ اللحظات الاولى للانقلاب فسر من قاسم وصحبه سوءاً . الزعيم قاسم كان هو الادرى بمصيره منذ الساعات الاولى للانقلاب ، عندما أتصل بطاهر يحي وسأله عن فرصة التفاوض فكان الرد نريد رقبتك وأيضا قادة آخرين ، فكان الأجدر به وهو يعرف مصيره أن لايسلم نفسه لهم وان يموت واقفاً أذا تعذر عليه التسلل ليلاً من مبنى وزارة الدفاع الى وســـــــــــــــــــط الجماهير التي تهتف بأسمه .
لقد مضى على رحيل الزعيم قاسم أكثر من نصف قرن ولم نحظ بوحدة فورية ولا اتحاد فدرالي حتى الذين طالبوا بها تخلوا عنها عندما جلسوا على الكراسي . ومنذ ذلك اليوم يدفع العراقيون دماءاً غزيراً ولم يتوقف الى يومنا هاذا ، قد تكون مرحلة حكم عبد الرحمن عارف قد شهدت هدوء نسبي بعض الشيء لكنها لاتشكل شيئا حيال المنعطفات التي مرت بحياة العراقيين .