23 ديسمبر، 2024 1:00 م

بين هادي اليمن وعبادي العراق

بين هادي اليمن وعبادي العراق

قبل أيام قليلة تمكن مسلحي حركة أنصار الله الحوثية من دخول العاصمة اليمنية صنعاء دون مقاومة تذكر بعد انسحاب قطعات الجيش اليمني المرابطة في العاصمة تاركة وراءها سلاحها وعتادها ومواقعها غنيمة للحوثيين وطارحة عدة علامات استفهام حول ما اذا كان هناك سلسلة من المؤامرات والخيانات التي أوصلت الأمور الى هذه النتيجة ؟ هذا المشهد استحضر لدي كيفية سقوط الموصل وتكريت ومناطق عراقية أخرى بعد انسحاب الجيش العراقي منها مخلفا السلاح والعتاد والأرض لتنظيم داعش في حزيران الماضي الذي ما لبث أن ضمها للأراضي السورية التي يحتلها وأعلن خلافته المزعومة ، في كلتا الحالتين العراقية واليمنية كانت هناك خيوط مؤامرة سياسية وخيانة عسكرية يلفها الغموض وراء هذا السقوط السريع والمذهل للمدن ولكي نفهم حيثيات الحالتين لابد من العودة للوراء قليلا” وبالتحديد ماجرى في عام 2011 عندما ثار الشعب اليمني على غرار الشعوب العربية ضد حكم الرئيس السابق علي عبدالله صالح وبعد شدا” وجذب ومراوغات ومناورات ومحاولة اغتيال فاشلة اضطر صالح للموافقة على توقيع المبادرة الخليجية كوسيلة للخروج المشرف بعد النهاية المخزية للرئيس التونسي بن علي ونظيرتها المأساوية للعقيد الليبي معمر القذافي وأعتبر مؤيدوه حينئذ خطوته تلك بالحكيمة و الساعية لحقن دماء اليمنيين من قبل فخامته !!! فأنهى الشعب اليمني بذلك حكما” فاسدا” أستمر لمدة 30 عام وقد نصت المبادرة الخليجية على تولي نائب رئيس الجمهورية ونائب رئيس حزب المؤتمر الشعبي العام (الحزب الحاكم) أنذاك عبدربه منصور هادي الذي لاحقته تهم الخيانة والعمالة !!! (من قبل أنصار صالح) لرئاسة الجمهورية وتشكيل حكومة الوفاق الوطني بين النظام والمعارضة وهو ماشجع صالح على التنحي أملا” في الاستمرار بحكم اليمن من خلف الستار .

في العراق وبعد مفاوضات ماراثونية تولى السيد نوري المالكي ولايته الثانية أثر حيلة قانونية تمكن من خلالها من التحايل على نتيجة الانتخابات البرلمانية عام 2010 فكانت أربعة أعوام كارثية أوصلت العراق الى حافة

الهاوية حيث بدأها بالانقضاض على خصومه السياسيين الواحد تلو الأخر بعد الانسحاب الامريكي وتبوء العراق فيها صدارة دول العالم في الفساد الاداري والمالي ثم كانت أزمة الانبار ومطالب الطائفة السنية والتي أنتهى الأمر فيها الى معارك دامية أعادت للعراق أجواء القتال الطائفي عام 2006 وسقوط محافظات كاملة بيد تنظيم داعش، كل هذه التطورات جعلت امكانية منح الرجل ولاية ثالثة مستحيلة دوليا” واقليميا” ومحليا” على الرغم من فوزه بالانتخابات الأخيرة فأزدادت الضغوط الداخلية والخارجية التي قاومها بشدة حتى تم تكليف رفيقه في ذات الحزب بتشكيل الحكومة بعد اعتبار التحالف الوطني الكتلة الأكبر في البرلمان وليس دولة القانون ورغم معارضة الرجل الا انه سرعان مارضخ للأمر الواقع على أثر تهديدات أمريكية وحتى لايخرج خالي الوفاض من تقسيم الكعكة، حينها أسبغ مؤيدوه عليه صفات الحكمة والايثار والتعالي عن الجراح لتنازله عن السلطة طوعا”!! مع أن الرجل ظل يمني نفسه بأستمرار نفوذه على الحكومة وهيمنته على الدولة خصوصا” ان رئاسة الوزراء بقيت لحزب الدعوة .

بعد التغيير لعب صالح دورا” سلبيا” في عرقلة جهود الرئيس هادي في البدء بعملية الاصلاح الشاملة وتحقيق أهداف الثورة الشعبية خصوصا” بعد أن أتضح له ان هادي قد شق عصا الطاعة عنه وان للرجل المدعوم اقليميا” ودوليا” أسلوبه الخاص في ادارة الحكم فبدأ بأقالة كبار القادة العسكريين المقربين من صالح تدريجيا” ابتداءا” باللواء محمد صالح الأحمر(شقيق الرئيس صالح) قائد القوة الجوية مرورا” بقائد قوات الأمن المركزي يحيى محمد صالح (ابن أخيه) وقائد الحرس الخاص طارق محمد عبدالله صالح (أبن أخيه) ووكيل جهاز الأمن القومي عمار محمد عبدالله صالح (ابن أخيه) وانتهاءا” بنجل الرئيس نفسه أحمد علي عبدالله صالح قائد الحرس الجمهوري الذي أقاله الرئيس هادي وعينه سفيرا” لليمن في الامارات لينهي حكم العائلة الفاسدة وهيمنتها على مفاصل الدولة بحكمة ودهاء، كما لعب الرجل دورا” كبيرا” في نجاح مؤتمر الحوار الوطني الذي ضم كل الفرقاء السياسيين اليمنيين وأتفقوا فيه على تجاوز خلافات الماضي وفتح صفحة جديدة وبناء يمن اتحادي وهو حوار ماكان ليتم لو أستمر صالح في سدة السلطة وهو المتهم بتهميش الجنوبيين واستهداف الحوثيين واقصاء تكتل اللقاء المشترك المعارض ليبدأ معها صالح محاولاته للقيام بثورة مضادة لاستعادة نفوذه وتأثيره على الساحة السياسية وربما استعادة الحكم لاحقا” خصوصا” بعد أحداث 03 يونيو في مصر وسقوط الاخوان المسلمين هناك من خلال عدة اجراءات منها ركوب الموجة الشعبية المطالبة باصلاح المنظومة الكهربائية واستعادة الأمن المفقود بل وصل الأمر الى الكشف عن خطط لانقلاب عسكري يعده موالون له داخل المؤسسة العسكرية في الوقت الذي أستمر فيه الجيش اليمني في تصديه لتنظيم القاعدة في جنوب البلاد ووسع الحوثيون من سيطرتهم على شمالها بعد دخولهم في معارك ضارية مع القبائل الموالية للتجمع اليمني للأصلاح (الفرع اليمني لتنظيم الاخوان المسلمين) والسلفيين وبعض القطعات العسكرية ثم كان قرار رفع أسعار المشتقات النفطية (الجرعة) وتأثيراته السلبية على المواطن اليمني المثقل كاهله بالفقر والبؤس بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير والتي أستغلها الحوثيون (الراغبين بعودة الحكم الامامي الزيدي لليمن الذي كان سائدا” قبل عام 1962م)

وأنصار النظام السابق (الساعين لاستعادة السلطة) على حدا” سواء كفرصة للأنقضاض على هادي ونظامه في صنعاء واسقاط حكومة الوفاق الضعيفة والعاجزة عن تحقيق تطلعات الشارع اليمني وهو ماتم لهم فعلا” بعد استقالة الحكومة واستيلاء المجاميع الحوثية المسلحة على العاصمة دون قتال تقريبا” !!! بتواطأ من القيادات العسكرية والأمنية المقربة من صالح وسط تكهنات عن صفقة سعودية ايرانية تضمن للرياض وحليفها الرئيس السابق التخلص من خصومهم السياسيين (الاخوان المسلمين) مقابل اطلاق اليد الايرانية في اليمن وهو ما لمح له الرئيس هادي عندما تحدث عن وجود مؤامرة محاكة خارجيا” في خطابه الأخير .

عراقيا” بدأ رئيس الوزراء الجديد د.حيدر العبادي عهده بخطوات اصلاحية وتصالحية مع كافة الأطراف السياسية فنجح في تجاوز أزمة تمثيل المحافظات في الحكومة (وهي أحدى الأفخاخ التي نصبها له ائتلاف دولة القانون جناح المالكي) ثم شرع في اظهار مبادرات حسن النية للسنة من خلال قرار وقف القصف العشوائي والشروع في تشكيل قوات الحرس الوطني ناهيك عن منح تطمينات للكرد بفتح صفحة جديدة في العلاقة بين بغداد وأربيل وسط ترحيب دولي بخطواته التي بدت أكثر ثقة في سلوك الطريق الأصلاحي بعد احالته لقادة عسكريين كبار موالين لرئيس الوزراء السابق للتقاعد ممن تورطوا في سقوط الموصل واقالة قائد عمليات صلاح الدين الفريق علي الفريجي أحد المسئولين الأساسيين عن مجزرة سبايكر لتبدأ معها حملة اعلامية تصعيدية يقف خلفها أنصار الحكومة السابقة تتهم الرجل بالعمالة للاميركيين !! والخيانة والانبطاحية للسنة والأكراد خصوصا” بعد أن بدأ بازاحة مراكز القوى المقربة من رئيس الوزراء السابق وكأن منهج الأقصاء والتفرد قد أنتقل من رئيس الوزراء السابق الى أنصاره الذين بدأوا يرون أنفسهم بأنهم العراقيين فقط دون غيرهم وان الوطن ملكيتهم الخاصة وقد وصل الأمر بهم الى الدعوة للتظاهرات المزمع انطلاقها يوم 30 – 9 والتي تنوعت أهدافها بين أسقاط حكومة العبادي!!! (هدف أساسي) و محاسبة المقصرين في جريمة الصقلاوية، فيما ذهب بعض المنظمين بعيدا” الى حد المطالبة باعلان اقليم الوسط والجنوب (سومر)!! وبغض النظر عن تلك التظاهرات المدفوعة الثمن مسبقا” فأن نائب الرئيس العراقي السيد نوري المالكي يبدوا انه يتجه هو الأخر على غرار الرئيس اليمني صالح الى أسلوب وضع العصا في الدولاب مستخدما” أساليب التحشيد الطائفي وبعض المنابر الاعلامية ومواقع التواصل الاجتماعي وموقعه كنائب لرئيس الجمهورية لغرض اضعاف العبادي وحكومته بعد أن أتضح للجميع اختلاف النهج السياسي للرجلين رغم كونهما ينتميان لحزب واحد في محاولة منه لاستعادة السطوة والتأثير وهو خيار خاطئ فلايمكن لاي شخص اعادة عقارب الساعة للوراء فلا علي عبدالله صالح سيتمكن من استعادة سلطته مهما فعل وتأمر، ولا الحوثيون قادرون فعلا” على اعادة الحكم الزيدي فهم وأن سيطروا على العاصمة صنعاء فلا تزال ثلثي الأراضي اليمنية خارج نطاق هيمنتهم ولاقدرة لهم على اخضاعها في مجتمع قبلي مدجج بالسلاح ، كما لايمكن من باب أولى العودة الى الوراء ومخلفاته السلبية على الوطن والمواطنين في العراق لانه لاخيار لنا سوى دعم حكومة العبادي لا حبا” في الرجل أو تملقا”له انما انقاذا” للبلد في ظل غياب البديل فمن يطالب بالتغيير عليه قبل ذلك ايجاد البديل المناسب فلا يمكن العودة لحكم المالكي

أو الرضوخ لحكم الخلافة الداعشية بحجة التغيير، كما أن لا منطق يقول بالخروج والدعوة لمحاسبة الحكومة واسقاطها وهي لم تكمل شهرا” واحدا” من عمرها في الوقت الذي ألتزم فيه منظمي التظاهرات الصمت عن السلبيات والجرائم المرتكبة خلال 8 سنوات لتوافق مصالحهم الخاصة مع الوضع القائم أنذاك، أما الرئيس العبادي الواقع بين مطرقة الدواعش والبعثيين والأطراف السنية الأخرى الرافضة للعملية السياسية جملة وتفصيلا” وبين سندان السيد النائب الأول وأتباعه فيجب عليه أن يستفيد من تجربة الرئيس هادي مع عدم تكرار أخطائه فالضربة لن تأتيه الا من الخلف و مايحاك من مؤامرات سياسية داخلية هي أخطر على حكومته من جيوش دولة الخلافة وأن يولي أهتماما” خاصا” بالملفات الخدمية والاقتصادية والأمنية وهي مايشغل بال المواطن العادي مع الأبتعاد قدر الامكان عن المناكفات السياسية واللعب على الوتر الطائفي، واذا كان لابد من خروج مظاهرات فلنخرج جميعا” كعراقيين من الشمال الى الجنوب بعيدا” عن المزايدات السياسية للمطالبة بمحاسبة كل السياسيين والعسكريين العملاء والخونة والفاسدين والفاشلين والطائفيين والذين دمروا العراق ونهبوا ثرواته وتسببوا بقتل مئات الألاف من أبنائه من عام 2003 ولحد الان وهو مايعني عمليا” اسقاط العملية السياسية (أساس البلاء العراقي من وجهة نظر كل وطني مخلص) وانشاء نظام جديد وكتابة دستور أخر للبلاد فهل هذا مايؤمن به وطنيوا 30 – 9 ؟ لا أعتقد ذلك